شؤون خليجية

مبادرة “الحزام والطريق” الصينية: فرص كبيرة وتهديدات حقيقية تواجهها دول الخليج

من شأن المبادرة أن تحدث توازنات إقليمية جديدة

خاص كيوبوست – 

تعد مبادرة “الحزام والطريق” أحد أكبر وأهم مشاريع الصين في مجال العلاقات الخارجية، بل يعتبر العديد من الأكاديميين الدوليين المتخصصين في مجالات السياسة والاقتصاد والتاريخ والحضارة -بما في ذلك أساتذة في جامعة هارفارد- أن المبادرة تعد النقلة العالمية النوعية الأبرز في القرن الحادي والعشرين، والتي من المقرر لها أن تربط بين 65 دولة، وتحقق تبادلًا تجاريًا يزيد عن 21 تريليون دولار من البضائع، وتنشئ سوقًا تجارية يزيد عدد سكانها عن 4.4 مليار نسمة.

ويجمع الخبراء على أن المبادرة ستلعب دورًا كبيرًا في إعادة صياغة ممرات ومناطق عبور وتدفقات التجارة العالمية متعددة الأطراف. هذا يعني أن انعكاساتها الجيوستراتيجية ستكون بالغة الأهمية على مجمل الساحة العالمية. ويتعين الإشارة إلى أن خطط المبادرة لا تزال قيد عمليات تغيير وتحول مستمر، ومن الممكن لاحقًا أن يتم إدخال تعديلات على الممرات التي تم التخطيط لها مع بداية طرح المبادرة عام 2013 من جانب الرئيس الصيني شي جينبنج. ولاشك أيضًا أن تنفيذ المبادرة يواجه العديد من التحديات على المستويات المالية واللوجستية والسياسية، مما يجعل من الصعب في هذه المرحلة التنبؤ بمدى ما ستحققه من نتائج. 

 

غموض وطموح يلفان مستقبل الحزام والطريق

وبالرغم مما يكتنف “الحزام والطريق” من عدم يقين، إلا أن العديد من الدول العربية أبدت حرصها على أن تكون شريكة للصين في هذه المبادرة الطموحة. وقد أبدت دول الخليج من جانبها دعمها للمبادرة؛ فعلى سبيل المثال، أكدت القيادات السعودية والصينية على وجود قواسم ومصالح مشتركة عدة بين مبادرة الحزام والطريق ورؤية 2030 السعودية. وكان التعاون في هذا الإطار من ضمن القضايا التي تم التطرق لها خلال زيارة الملك سلمان إلى الصين في مارس عام 2017.

حتى الآن تمر الممرات البرية المتعلقة بالمبادرة بعيدًا عن دول الخليج، أما الممرات المائية فهي وثيقة الصلة بها، إذ ستمر عبر بحر العرب والبحر الأحمر. ومن المتوقع أن ترتبط دول الخليج بمشروعات المبادرة أكثر فأكثر عن طريق علاقاتها التجارية والسياسية مع الدول الأخرى الواقعة على طول الممرات البرية والبحرية للمبادرة.  

 

المبادرة.. فيها منافع للناس

من دون شك، إن المبادرة تقدم العديد من المنافع والميزات الاقتصادية لدول الخليج، حتى في حال عدم عبور ممرات برية من خلالها. فالصين، مثلًا، تستثمر في تطوير قطاعات الطاقة والبنية التحتية في دول مثل قريغستان، وباكستان، وماليزيا، ودول أخرى تربطها مع دول الخليج علاقات طيبة ومصالح اقتصادية مشتركة، ثم فإن مساعي الصين وجهودها في هذا الإطار من شأنها زيادة الفرص الاستثمارية والتجارية لدول الخليج.

ميناء الدقم في عمان

هذا صحيح بشكل خاص في القطاعات التي تمتلك فيها دول الخليج إمكانيات وامتيازات قوية؛ كما هو الحال في الموانئ والخدمات اللوجستية، والنفط، والغاز، ومشاريع الطاقة المتجددة. ومن المتوقع أن تقوم الصين بإعطاء الأولوية للمشروعات التي من شأنها تدعيم ربط مختلف الكيانات الاقتصادية بطريق الحرير الجديد (تعد استثمارات الصين في  منطقة الدقم الحرة في عمان أحد الأمثلة). فضلًا عن ذلك، فإن كلًا من السعودية، والإمارات، وعمان من الدول الأعضاء في البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية، وهو أهم الجهات المسؤولة عن تمويل مشروعات المبادرة.

من جانب آخر، توفر المبادرة منافع استراتيجية عدة لدول الخليج، لاسيما حين تسهم الاستثمارات الصينية في مساعدة الدول الحليفة لها مثل مصر وباكستان. وفي هذه الحالات، فإن توجهات الصين ودول الخليج ستكون متوافقة بشأن الحرص على الاستقرار السياسي، والاقتصادي، وتعزيز الاستثمارات في تلك الدول المتحالفة مع الخليج.

علاوة على ذلك، فإن السياسة التي تتبعها الصين في تطوير علاقاتها مع مختلف دول العالم بما في ذلك دول الخليج، والتي تقوم على أساس التعاون الاقتصادي دون محاولة تصدير القيم الصينية، أو تحقيق مكاسب سياسية خاصة، من شأنه جعل العلاقات مع الصين أكثر بساطة بالمقارنة مع الولايات المتحدة وأوروبا.

 

إثم المبادرة..!

من المرجح أن “الحزام والطريق” ستصب في مصلحة بعض البلدان المنافسة والمناوئة التي تشهد العلاقات بينها وبين كلًا من السعودية والإمارات علاقات شديدة التوتر. وعلى رأس تلك الدول تأتي إيران -المهدد الأكبر- التي تسعى للعب دور كبير في إطار الطريق البري بالمبادرة، علاوة على أن خطط المبادرة تتضمن المزيد من الاستثمارات الصينية الموجهة إلى إيران. من جانب آخر، فإن روسيا وتركيا سيلعبان أدوارًا مهمة وستعود عليهما المبادرة بالعديد من المنافع والامتيازات.

ولنضرب مثالًا على ذلك من خلال تسليط الضوء على ممرين اقتصاديين في إطار “الحزام والطريق”. الأول هو ممر الصين-باكستان الاقتصادي، وسيمر من الصين عبر باكستان متجهًا إلى ميناء “جوادر” على بحر العرب. الصين تستثمر قرابة 60 مليار دولار لبناء البنية التحتية والمدن الحرة على طول هذا الممر، الذي سيوفر العديد من المنافع التي تدعم اقتصاد باكستان، إحدى الدول الحليفة المهمة لدول الخليج، وهذا بدوره يوفر العديد من فرص التجارة والاستثمار والأعمال لدول الخليج. وقد تواترت الأنباء عن استهدافات متكررة لتنظيمات إرهابية لهذا الطريق، تقول باكستان إنها ذات صلة غير مباشرة بطهران ونيودلهي.

أما المثال الثاني فهو ممر الصين – دول وسط آسيا، وهو مثال على الجوانب السلبية التي ستتضمنها المبادرة بالنسبة لدول الخليج؛ لاسيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. هذا الممر مقرر له أن يمر من الصين عبر دول وسط آسيا حيث ينتهي أحد فروعه في تركيا والآخر في إيران. وبالنسبة للدول ذات العلاقات المتوترة مع إيران ومع تركيا فإن هذا الممر سيكون محفوفًا بالعديد من الإشكالات.

ففي حال تم تطوير هذا الممر بصورة كاملة فمن الممكن أن يدعم بصورة كبيرة علاقات إيران وتركيا السياسية والاقتصادية مع الصين، كما سيكون من شأنه دعم النفوذ السياسي والاقتصادي الإيراني والتركي في المنطقة.

ولعل إيران بصفة خاصة كانت من أكثر الدول ترحيبًا بالمبادرة لأنها تحقق لها هدفًا طالما سعت إلى تحقيقه، وهو أن تكون مركز ثقل اقتصادي يصل شرق آسيا بأوروبا وأفريقيا. ولذلك، فمن الطبيعي أن تلاقي إيران المبادرة الصينية بترحيب بالغ، وأن تقدم طهران للصين تسهيلات كثيرة وعروضًا مغرية خلال زيارة الرئيس الصيني “شي جينبينغ” إلى طهران عام 2016. إلى جانب ذلك، بادرت إلى توقيع مذاكرات تفاهم وتعاون اقتصادي مع الهند وروسيا في مجال نقل وعبور البضائع، ومد خطوط نقل للقطارات والشاحنات، ودراسة استحداث قناة بحرية تصل الجنوب الإيراني بمياه بحر قزوين.

وفي إطار الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الطرفين، قدمت إيران للصين تسهيلات كبيرة، خاصة في ميناء شابهار (الميناء الإيراني الوحيد الذي يقع على ضفاف بحر العرب)، وميناء بندر عباس، في محاولة لإغراء الصين بجعل موانئ إيران مركز عبور رئيس للبضائع الصينية، وكبديل عن الميناء الباكستاني الذي لا يبعد سوى مسافة قصيرة. كما قدمت إيران تسهيلات مماثلة للجانب الهندي في “شابهار”، علما بأن الهند -التي تعد منافسًا للصين- هي ثاني أكبر شريك تجاري لطهران في آسيا، وهو ما سيجعل من المنطقة الحرة في شابهار نقطة توزيع هامة للبضائع الصينية والهندية معًا. كما تتوقع إيران أن يتم مستقبلًا ربط شبكات مواصلاتها بأفغانستان وباكستان من جهة، والعراق وسوريا ولبنان من جهة أخرى؛ وبذلك ستتحول إيران إلى شريان حيوي لنقل البضائع عبر جميع هذه الدول، وسيصبح موقعها الجيوسياسي أهم بكثير مما هو عليه اليوم.

 

الخلاصة

نستطيع أن نستنتج مما سبق بأنه وبالرغم من المنافع التي ستجنيها دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من مبادرة الحزام والطريق الصينية، إلا أن المبادرة، على الجانب الآخر -ومالم تطرأ تغيرات حقيقية عليها- من شأنها إحداث تغييرات كبيرة فيما يتعلق بالتوازنات الاقتصادية والسياسية في المنطقة، مما سينجم عنه ظهور تحديات وإشكالات جيوستراتيجية جديدة تستدعي الالتفات إليها، والاستعداد للتعامل مع تداعياتها المستقبلية.

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة