الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

ما وراء حظر بريطانيا لحزب الله.. وما بعده

ما الذي يعنيه قرار الحظر؟

كيو بوست –

قدمت الحكومة البريطانية الإثنين 25/2/2019 مشروع قرار للبرلمان يحظر “حزب الله اللبناني” بشكل كامل في المملكة المتحدة، ويضعه ضمن لائحة المنظمات الإرهابية. وقالت الحكومة البريطانية: “رهنًا بموافقة البرلمان اعتبارًا من يوم الجمعة عندما يصبح الأمر نافذًا، فإن عضوية أو دعم حزب الله يصبح جريمة جنائية قد تصل عقوبتها لعشر سنوات”.

وإن كانت وسائل الإعلام أكثر اهتمامًا خلال اليومين الماضيين برصد ردود الأفعال تجاه القرار والصورة المحيطة به، تظل الكثير من الأسئلة حول دوافعه والتطورات السياسية التي قادت إليه وما يعنيه قانونيًا وما قد يترتب عليه من نتائج ستكون على درجة بالغة من الأهمية. لكن قبل كل هذا وذاك يأتي السؤال الأهم: لماذا الآن؟

اقرأ أيضًا: شبكة تمويل حزب الله في أميركا اللاتينية تحت النار

قد يبدو الربط الذي قدمه عدد من المحللين خلال اليومين الماضيين بين القرار، وتظاهرات داعمة لفلسطين حملت أعلام الحزب في لندن وتسببت بغضب الحكومة البريطانية يحمل بعض المنطق، لكنه يظل في النهاية بعضًا من كل ما قد تراكم عبر سنوات. إذ إن مثل تلك المشاهد وإن كشفت عن نفوذ متنام للحزب على الأراضي البريطانية، إلا أن الأمر يبدو أكثر تعقيدًا من هذا، ولربما تعود تراكماته إلى ما قبل 18 سنة مضت.

ففي عام 2001، كانت بريطانيا من أوائل الدول التي تبنت موقفًا تجاه حزب الله، حين قامت بتصنيف وحدة أمن الحزب الخارجي كتنظيم إرهابي، وفي عام 2008 قامت بضم الجناح العسكري للحزب إلى التصنيف ذاته، بعد أن استهدف الحزب جنودًا بريطانيين في العراق.

إستراتيجيًا، كان لدى الحكومة البريطانية منطقًا تجاه هذا التدرج لأسباب عدة من بينها أن حزب الله جزء من العملية السياسية في لبنان، وهو ما قد يعقد من شكل علاقة بريطانيا بلبنان، وحالة التمايز التي نجح الحزب في ترويجها دوليًا ما بين أجنحته العسكرية وجناحه السياسي في ظل شعبية كان يحظى بها الحزب في العقد الأول من القرن الـ21 في الشارع العربي، ثم هناك تصور بريطاني محاط بكل هذا أن تصعيد الضغط على الحزب بشكل تدريجي قد يردعه عن استهداف المصالح البريطانية بدلًا من وضعه في خانة العدو المطلق.

غير أن هذا التصور الذي منحته السنوات التالية فرصة للاختبار يبدو أنه لم يحقق أهدافه، أو على الأقل أثبت عدم صحته. فمن ناحية، فإن دولًا مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي حظرت الحزب بشكل كامل منذ 1997، وجامعة الدول العربية التي صنفته ككيان إرهابي منذ 2016 لم تتأثر شكل علاقتهما بلبنان مثلما تصور البعض. ثم إن رواية التمايز التي لطالما تبناها الحزب في التعامل مع الغرب، هو نفسه صار ينفيها لاحقًا بكل وضوح. فإذا راجعنا مثلًا بعض تصريحات نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله في عام 2012، نجده يقول: “ليس عندنا جناح عسكري وجناح سياسي، وليس عندنا حزب الله وحزب المقاومة، فحزب الله هو حزب السياسة، وحزب المقاومة، وحزب العمل في سبيل الله تعالى، وفي خدمة الإنسان، وباختصار هو حزب الله”.

اقرأ أيضًا: 5 مصادر لتمويل حزب الله أنقذته من الموت بسبب العقوبات الدولية

أضف إلى هذا أن الحظر الجزئي وبشكل خاص، لم يحقق هدف الردع المطلوب عبر سنوات كما توقعت بريطانيا، ولم يُثن الحزب عن التلاعب بالسيادة البريطانية في قضايا عدة، أبرزها مثلًا قضية حسين عبد الله، عضو الحزب، الذي اعترف في عام 2013، وأدين بتخزين متفجرات في قبرص بعد استخدام هوية بريطانية مزورة في عملية استئجار مكان للتخزين تحضيرًا لعملية ضد إسرائيليين في قبرص.

كذلك فإن الحظر الجزئي ذاته لم يقف رادعًا في وجه حزب الله في مرحلة ما بعد الربيع العربي، إذ كانت بريطانيا من أوائل الدول التي اتخذت موقفًا ضد بشار الأسد وطالبت برحيله، بل وسعت إلى حشد تأييد دولي ضده، وتبنت حكومتها (حكومة ديفيد كاميرون) تصورًا لضربات عسكرية ضده عطلها البرلمان. لكن في النهاية، نجحت ميليشيات حزب الله -كوكيل إيراني- بتكامل عسكري روسي في تثبيت نظام بشار الأسد برغم استخدامه السلاح الكيماوي، ثم إجهاض التحركات الغربية والبريطانية ووضعهما في مأزق أمام الرأي العام العالمي.

حتى مع نجاح بريطانيا قبل سنوات -بدعم هولندي- في الضغط على نظرائها في الاتحاد الأوروبي واستصدار قرار في يوليو/تموز 2013 يضع الجناح العسكري للحزب على القائمة السوداء للإرهاب وفق دوره في النزاع في سوريا وارتباطه بهجوم في مدينة بورغاس البلغارية في عام 2012 خلف 7 قتلى، لكن مجددًا، فإن النتيجة هي أن الحزب حافظ على نفوذه في المنطقة بل وعمد إلى توسيعه.

اليوم في لبنان -التي كثيرًا ما تبدو كمرآة عاكسة للديناميكيات والتنافسات الأوسع في المنطقة- تبدو التحركات الغربية وقد أصابها الكثير من الخذلان؛ فنتائج الانتخابات في مايو/أيار الماضي حقق فيها الحزب وحلفاؤه مكاسب جعلتهم مجتمعين يحظون بما يزيد قليلًا عن نصف مقاعد البرلمان. ثم هناك مشاركة الحزب في الحكومة التي جرى تشكيلها في نهاية يناير/كانون الثاني بحصة 3 وزارات. كلها أحداث ذات دلالة على أن نفوذ حزب الله آخذٌ بالتمدد لا الانكماش، وأن فعالية الإجراءات الغربية لردعه لم تحقق أهدافها بما يجعل تسوية الكثير من الصراعات في المنطقة أكثر صعوبة وأقل احتمالًا، ويجعل المصالح الغربية في موضع تهديد.

اقرأ أيضًا: مترجم: هكذا تحول لبنان إلى “مقاطعة إيرانية” بقوة حزب الله

وكانت صحيفة كرونيكل اليهودية (The Jewish Chronicle) في لندن -واحدة من أقدم الصحف اليهودية وأكثرها تأثيرًا في العالم- قد كشفت في يونيو/حزيران الماضي -أي بعد نتائج الانتخابات اللبنانية مباشرة- عن تحركات لوزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد نحو حظر الحزب في بريطانيا في العام ذاته. وهو ما يعني أن قرار حظر الحزب بشكل كامل قد تأخر شهورًا، إذ كان من المنتظر أن يتم في العام الماضي.

وفي إطار سعي الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا إلى ممارسة المزيد من الضغوط على الجانب الإيراني، بعد انسحاب الأولى من الاتفاق النووي، فقد تبدو ضربة من الشريك البريطاني لحزب الله اليوم، ضربة لأحد أذرع إيران وسعيًا إلى محاصرة نفوذها في جبهات عدة تتواجد فيها طهران، بينها لبنان والعراق واليمن.

اليوم يقول وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد بوضوح: “إن حزب الله مستمر في محاولاته لزعزعة استقرار الوضع الهش في الشرق الأوسط، ولم نعد قادرين على التفريق بين جناحه العسكري المحظور بالفعل، وبين الحزب السياسي”. ويؤكد على الرسالة ذاتها وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت ويكملها بقوله: “الحكومة ترسل إشارة واضحة بأن أنشطته المزعزعة للاستقرار في المنطقة غير مقبولة على الإطلاق وضارة بالأمن القومي للمملكة المتحدة”.

وتشريعيًا، فإن القرار الذي تتبناه حكومة المحافظين، يحظى بحجية داعمة وفق قانون الإرهاب البريطاني لعام 2000، وهو القانون الذي يجيز لوزير الداخلية أن يحظر منظمة ما إذا كان يعتقد أنها ذات صلة بالإرهاب، أو أنها تُعِد لذلك. ويدرج القانون في نصوصه 4 حالات للحظر: لمن يرتكب أعمالًا إرهابية، أو يشارك فيها أو يستعد للمشاركة، أو يروج للإرهاب أو يشجعه، أو أن يكون ذا صلة به، وعمليًا فإن الحزب المعني بالحظر تنطبق عليه الشروط الأربعة. ووفق القانون ذاته، فإن عقوبات الانتماء أو دعم المنظمة الإرهابية قد تصل إلى السجن لمدة 10 سنوات. ولا تتوقف تبعات الحظر عند هذا فحسب؛ بل تمتد إلى تعطيل مصادر قوة التنظيمات المحظورة بوسائل عدة من بينها: استخدام سلطات الهجرة مثل الاستبعاد، والتشجيع على إزالة المواد عبر الإنترنت، وتعطيل الاتصالات، واستهداف الأصول الأوروبية للمنظمة، وجعل ممتلكات المنظمة المحظورة عرضة للتجميد.

اقرأ أيضًا: كيف سمح أوباما لحزب الله بالتخلص من مأزقه عبر المخدرات؟

وفي المقابل، يمكن للمنظمة المحظورة -كما في حالة حزب الله عند حظره- التقدم بطلب لوزير الداخلية لإعادة النظر في القرار، وإذا كانت النتيجة هي الرفض يمكن حينها اللجوء إلى ﻟﺠﻨﺔ اﺳﺘﺌﻨﺎف قد تسمح بالمراجعة إذا رأت أن قرار الرفض معيبًا، ثم تأتي المرحلة التالية التي يمكن فيها اللجوء إلى القضاء.

عمليًا وفي حالة نفاذ القانون، فإن هذا القرار يعني تمكين السلطات البريطانية من محاصرة أي نفوذ لحزب الله وداعميه، وشبكاته السياسية والإعلامية بشكل مطلق على أراضيها، بل والسيطرة على أموالها بشكل عاجل، والسعي إلى اتخاذ إجراءات شبيهة على المستوى الأوروبي. وفي الوقت نفسه، يُمكِّن الحكومة البريطانية من حيازة قدرة قانونية على ممارسة سلطتها خارج حدودها الجغرافية Extra territorial effect في التعامل مع من ينتمي إلى الحزب في الخارج (القسم 11 من القانون).

سياسيًا، وعلى الصعيد الدولي والإقليمي، فإن القرار يزيد بالطبع من الضغوط على حزب الله نظرًا لأنه مصنف بالفعل كتنظيم إرهابي من جامعة الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك يحد من النفوذ الإيراني مثلما أشرنا. وبينما من المتوقع أن يحفز القرار البريطاني نقاشات سياسية داخلية في بلدان أوروبية أخرى قد يشجعها مد محافظ ذو مواقف أكثر حدة تجاه التنظيمات المسلحة، يظل من المستبعد أن يؤثر القرار في علاقة بريطانيا بلبنان. فكما قلنا في حالة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن تواجد الحزب على لائحة الإرهاب لم يؤثر في التواصل بين الحكومتين الأمريكية واللبنانية، وبالمثل في حالة بريطانيا فقد يؤثر القرار فقط حال نفاذه في الاتصال المباشر بين مسؤولين بريطانيين ووزراء حزب الله في الحكومة الجديدة.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة