الواجهة الرئيسيةترجمات
ما وراء اندلاع الحرب بين “الفرنسية” و”الإنجليزية” في الجزائر؟

ترجمات- كيوبوست
هل تم إحياء حرب اللغات في الجزائر؟ يبدو أن الأمر كذلك بعد أن أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجزائري الطيب بوزيد، مطلع الشهر الماضي، بدء العمل على وضع الآليات اللازمة لتعزيز استخدام اللغة الإنجليزية في الجامعات ومراكز البحث، على حساب اللغة الفرنسية، والذي قال بصريح العبارة: “إنها لا تقود إلى أي مكان”.
وبعد عدة أيام على هذا التصريح، أمر الوزير نفسه الجامعات الجزائرية باستخدام “العربية” و”الإنجليزية” فقط في المراسلات والوثائق الرسمية؛ كخطوة أولى لاستبداله باللغة الفرنسية اللغة الإنجليزية في التعليم، رغم أن البلاد لا تزال غارقة في أزمة سياسية منذ خمسة أشهر.
مناصرون لـ”الإنجليزية”

تقول الأستاذة الجامعية خولة طالب الإبراهيمي: “إن هناك مجموعة من الأكاديميين الذين يناصرون أن تصبح اللغة الإنجليزية اللغة الأجنبية المهيمنة في نظام التعليم الجزائري”، وأشارت مديرة مختبر علم اللغويات في جامعة الجزائر الثانية إلى أنه منذ وصول البلاد إلى الاستقلال، فإن حرب المواقف في البلاد تعتمد على نمطَين فكريَّين ولغويَّين “أحدهما باللغة الفرنسية والآخر باللغة العربية”.
اقرأ أيضًا: إخوان الجزائر في رحلة عقد الصفقات مع السلطة
منذ سبعينيات القرن الماضي، صاحبت حالة من المد والجزر حملات “تعريب” التعليم في الجزائر؛ لكن منذ بداية العقد الأول من القرن العشرين، حيث بدأت ولاية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فإن التوجه كان نحو إعادة الاعتبار للغة الفرنسية، وتوحيد تدريسها ابتداءً من السنة الثالثة في المرحلة الابتدائية.

لكن الطبيعة المفاجئة للقرار الأخير، والذي تم إقراره بعد إجراء “استطلاع” مستعجل عبر الإنترنت، أُنجز في غضون أسبوعَين، تطرح عديدًا من التساؤلات بالنسبة إلى منتقدي هذا التوجه، خصوصًا حول مدى شرعية أن تقوم حكومة انتقالية تواجه تحديًا كبيرًا من قِبَل الشارع، في فرض سياسة لغوية جديدة على البلاد!
اقرأ أيضًا: الحروب الإعلامية: المغرب والجزائر نموذجًا
“التنافس بين اللغات –(الإنجليزية) ضد (الفرنسية) على وجه الخصوص- هو أداة سياسية يتم استخدامها بانتظام عن طريق السلطة حينًا أو من قِبَل بعض شرائح المجتمع حينًا آخر؛ لتحويل الانتباه عن قضايا أكثر أهمية لمستقبل البلاد”.
د. خولة طالب الإبراهيمي
تقول الإبراهيمي: “لم تتم استشارة أساتذة الجامعة لأبعد من هذا، علاوةً على ذلك فإن عدم شرعية الحكومة الحالية يلقي بظلال من الشك على كل قراراتها”.
وتضيف الأكاديمية الجزائرية: “التنافس بين اللغات –(الإنجليزية) ضد (الفرنسية) على وجه الخصوص- هو أداة سياسية يتم استخدامها بانتظام عن طريق السلطة حينًا أو من قِبَل بعض شرائح المجتمع حينًا آخر؛ لتحويل الانتباه عن قضايا أكثر أهمية لمستقبل البلاد”.

مناورة سياسية
بالنسبة إلى معارضي القرار، فهو مجرد مناورة سياسية لتحويل الأعين عن النظام الذي يواجه اليوم انتفاضة شعبية، وفي سبيل ذلك يسعى لتقسيم الرأي العام على أُسس الهوية؛ مثل تجريم حمل شعار البربر في المظاهرات.. كما ستحاول الحكومة، حسب المنتقدين أيضًا، إعادة الروابط مع الحركات الإسلامية والتيارات المحافظة؛ لمواجهة مطالب التحرك المدني.
اقرأ أيضًا: أصل الحروف، حرف الكاف، الرقم مئة… أسرار نجهلها عن اللغة العربية
غالبًا ما تم استخدام اللغة الإنجليزية في الثمانينيات والتسعينيات من قِبَل المحافظين في الجزائر، كسلاح بديل للغة الفرنسية في التعليم، وبالتالي للناطقين بـ”الفرنسية” الذين يُعتبرون في نظرهم “ديمقراطيين” أو “أشخاصًا عاديين”.
لكن الزمن تغيَّر كما يؤكد الأكاديمي والصحفي ياسين تلالي: “يوجد اليوم أكاديميون جزائريون مدربون على اللغة الإنجليزية، ويرغبون في إيجاد مكان لهم في الجامعة، ويعتقدون أن الفرانكفونيين يحتلون مساحة كبيرة على حسابهم، إنها ظاهرة اجتماعية تستحق الدراسة، فالمسألة ليست مجرد تحالف بين النظام والمحافظين”.
تم استخدام اللغة الإنجليزية في الثمانينيات والتسعينيات من قِبَل المحافظين في الجزائر، كسلاح بديل للغة الفرنسية في التعليم.
عوائق وتحديات
سميرة، أستاذة في كلية العلوم في قسنطينة، تقول إنها رغم تفضيلها إدخال اللغة الإنجليزية؛ فإنها تبدي كثيرًا من التحفظات على هذا القرار: “في رأيي، المواد العلمية أسهل في التدريس باللغة الإنجليزية، فهي اللغة العالمية التي تتيح الوصول بسهولة إلى غالبية المنشورات في جميع أنحاء العالم”، لكن يجب أن يطبق هذا القرار، كما تضيف سميرة، “بشكل تدريجي، مع ضمان التأهيل الجاد للمعلمين باللغة الإنجليزية.. حاليًّا لا توجد مهارات كافية على الإطلاق”.
بعيدًا عن أية حرب لغوية وأيديولوجية، ينظر عديد من الطلاب الجزائريين إلى إحصائيات سوق العمل؛ حيث يوجد في الجزائر قرابة مليونَي طالب، ومعدل البطالة يصل إلى نحو 18٪ بين خريجي التعليم العالي؛ سواء أكانوا ناطقين بـ”الإنجليزية” أَم “الفرنسية”، والطلاب الذين شملهم الاستطلاع هم مَن يشاركون همومهم في التظاهرات اليوم عبر رفع لافتات تعبِّر عنهم بجميع اللغات.

الغائبتان الرئيسيتان
الغائبتان الرئيسيتان عن هذا الجدل هما اللغتان “العربية” و”الأمازيغية”.. وحسب الأكاديمية خولة الإبراهيمي: “اجتماعيًّا وسياسيًّا يجب أن تستفيد لغتانا الوطنيتان من جميع الجهود التي نبذلها في محاولة توجيه المواطنين؛ لا سيما فئة الشباب”، مختتمةً حديثه5ا بالقول: “بالنسبة إلى اللغة الفرنسية، فهي حاضرة في المجتمع الجزائري؛ بحيث لا يمكن العمل على اجتثاثها بهذه السهولة.. وإن دلّ هذا القرار على شيء فهو يدل على سوء فهم تام للاستراتيجيات الاجتماعية التي يقوم عليها مجتمعنا”.
المصدر: لوموند