الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفةمجتمع
ما هي مخاطر الإفراط في أحلام اليقظة والخيال؟
ما الفرق بين الحالمين والفاعلين؟

ترجمة كيو بوست –
بقلم أستاذ علوم الصحة والإدمان في جامعة إلينوي الأمريكية، شهرام حشمت.
أحلام اليقظة أداةٌ من أهم أدوات التمتع في الحياة، إذ يمكنك الانغماس فيها عندما تكون عالقًا في اجتماع ممل، أو ازدحام مروري، أو غيرها من المواضع غير المحببة لك. إنها تعكس ما تريده أنت في الحياة، وترمز إلى شيء تناضل من أجله. ولكن، في الوقت ذاته، قد تبقيك عالقًا في حياتك، دون أن تحرز تقدمًا حقيقيًا. لا يمكن للحالمين الذهاب إلى ما يريدون دون أن يصبحوا فاعلين (أوتينغن 2014). إن الانغماس في المستقبل المرغوب يتجاهل مخاطر العقبات المحتملة، وبالتالي يخفي ضرورة التصرف.
بالنسبة لمعظمنا، يمكن لأحلام اليقظة أن توفر لنا مصدرًا للإلهام الإبداعي. إنها قدرة ذهنية على التحرر من حدث مباشر باتجاه الأفكار والمشاعر الداخلية. أحلام اليقظة هي عالم افتراضي، يمكننا من خلاله التخطيط لسيناريوهات مستقبلية دون الخوض في مخاطر فعلية (سكولار 2011). أحلام اليقظة هي إعمال الذهن في تحقيق الرغبات، بما يحقق إشباعًا على مستوى الخيال، إذ يلجأ الأشخاص إلى خيالهم، ويشردون فيه، كي يحققوا إشباعًا لا يستطيعون تحقيقه في الواقع.
وفي المقابل، فإن التركيز على الواقع الحالي لا يعطي اتجاهًا حول المكان الذي يجب أن نذهب إليه. وقد لا يؤدي التركيز على مشاكلنا ونكساتنا دائمًا إلى حلول فورية. ومع ذلك، يمكن لأحلام اليقظة أن تساعدنا على حل المشاكل والتخطيط للمستقبل.
وبرغم فوائدها، قد تؤدي أحلام اليقظة أو الخيال حول المستقبل المرغوب إلى الشعور بمتعة بالإنجاز بشكل مؤقت، بحيث لا يسري مفعولها لمدة طويلة. إذا كان بمقدورك تخيل عالم حققت فيه أهدافك، فلماذا تهتم بمتابعتها في العالم الحقيقي؟ من شأن الانحسار في خيال تجربة النجاح في العالم الافتراضي أن يقلل من الطاقة اللازمة لترجمة الخيال إلى واقع من خلال العمل (أوتينغن 2018).
وبما أن الخيال حول المستقبل المرغوب يقلل من فرص تحقيق أحلامنا، فلماذا نواصل فعل ذلك؟ الخيالات الإيجابية مغرية، ويمكن للأفكار والصور الإيجابية أن توفر لنا شعورًا بالاسترخاء، وتخفف علينا الملل، وتمنحنا شعورًا زائفًا بالأمن. إنها توفر منافع عاطفية فورية، وتسمح لنا بالتمتع بنجاحات المستقبل دون بذل جهود لإنجازها. التخيلات الإيجابية لا تنطوي على التزام أو عناصر تحفيزية للعمل نحو الأهداف المتخيلة.
وفي الوقت ذاته، قد يصبح المرء مدمنًا على الخيال. وعلى غرار إدمان المخدرات، فإن المفرطين في أحلام اليقظة يحصلون على متعة شديدة من تلك الأحلام، ويجدون صعوبة بالغة في الهروب من عالمهم الخاص. وقد صاغ عالم النفس إيلي سومرل (2002) عبارة “أحلام اليقظة غير المستقرة”، التي تعني الإدمان على الخيال، ليتداخل مع الأنشطة الاجتماعية والمهام الحيوية والحياة اليومية. الناس الذين يعانون من هذا الإدمان لا يستطيعون السيطرة على هذه العادة، ويغرقون في مشاكل نفسية متضاربة بين الواقع والخيال.
أحلام اليقظة غير المستقرة هي شكل من أشكال الهروب. فمن أجل الهروب من واقع ذكرياتهم وآلامهم العاطفية، يلجأ الحالمون إلى تكرار عالمهم الخيالي، ويعملون على تكوين نسخة مثالية من أنفسهم، ليعيشوا فيها حياة مثالية بعيدًا عن الواقع، في عالم افتراضي آخر. وبهذا، تحل أحلام اليقظة محل تفاعلات الحياة الحقيقية المؤلمة، التي تنطوي على أناس مقربين مثل العائلة والأصدقاء. من شأن الإغراق في أحلام اليقظة أن يؤدي إلى تعطل حياة المرء بوظائفها الاجتماعية الطبيعية الفطرية.
الفرق بين مدمني أحلام اليقظة ومرضى الذهان هو أن الحالمين يدركون بأن أحلامهم ليست حقيقية، ومقتصرة على عالم خيالي افتراضي خاص بهم، على عكس مرضى الذهان، الذين لا يدركون ذلك.
ولحسن الحظ، يمكننا جعل الخيالات الإيجابية عاملًا وقائيًا قويًا عند إضافتها إلى جرعة صحية من الواقع. ومن خلال تخيل المستقبل ثم تخيل عقبات الواقع، يدرك المرء وجوب اتخاذ تدابير للتغلب على الوضع الراهن لتحقيق المستقبل المنشود.
المصدر: مجلة “سايكولوجي توديه” الأمريكية