الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
ما هي قصة الفساد؟ من أسلافنا إلى القادة المعاصرين
هل الفساد جزء من الطبيعة البشرية؟

ترجمة كيو بوست –
“الأرض توفر ما يكفي لتلبية حاجة كل إنسان، وليس ما يُشبع جشع كل إنسان. إن الفساد قائم منذ القدم وحتى يومنا هذا، وفي كل بلدٍ من البلدان. وبالنظر إلى تاريخه الطويل، يبدو أن الفساد حتمي ولا مفر منه”، هذا ما ذكره أستاذا العلوم الاجتماعية، في جامعة سنغافورة الوطنية، آسيت كي بيسواس، وسيسيليا تورتاجادا.
وقد نشر الكاتبان مقالتهما في مجلة “ذي كونفرزيشن” الأسترالية، ناقشا فيها قضية الفساد والنظرة إليها قديمًا وحديثًا.
اقرأ أيضًا: 3 دول حققت نجاحًا باهرًا في مجال مكافحة الفساد
خرافات قديمة حول الفساد
يعرّف قاموس أكسفورد الفساد على أنه “سلوك مخادع واحتيالي، يجري تنفيذه من قبل أولئك الموجودين في السلطة، وعادة ما ينطوي على الرشوة”. نشأت كلمة فساد من كلمة (corrumpere) باللاتينية، وتعني “الرشوة، والدمار، والضرر”.
إن الفساد قديم بقدم التاريخ البشري، وقد مارسته الأسرة المصرية الحاكمة في قضائها ما بين 3100 – 2700 قبل الميلاد.
لاحظ أرسطو أن الرشاوى جرى تقديمها للآلهة، وليس للبشر فحسب؛ فقد اعتقد الصينيون القدماء أن مطابخ المنازل تحتوي على آلهة تراقب سلوك أفراد العائلة، فيقوم رب المطبخ قبل السنة الصينية الجديدة بالصعود إلى السماء ليقدم تقريره السنوي إلى حاكم السماء. وفي محاولة لضمان تقرير جيد، اعتادت الأسر على رشوة رب المطبخ بكعك محلى بالسكر والعسل.
وبالمثل، لاحظ المؤرخ اليوناني هيرودوت أن عائلة الكامونيون قدمت رشاوى لـ “أوراكل كاهنات دلفي”، وهي واحدة من أعظم القوى الغامضة اليونانية القديمة.
اقرأ أيضًا: فساد المناصب العليا في اليمن
فساد الزعماء حول العالم
لقد ازدادت مستويات الفساد بالتزامن مع تنامي الاقتصاد العالمي بشكل كبير خلال القرن العشرين، وبات من الصعب تقدير حجم ومدى الفساد المستشري، لأن هذا النشاط غير المشروع يجري بشكل سري للغاية.
يقدّر البنك الدولي أن الرشوة العالمية تتجاوز الـ1,5 مليار دولار سنويًا، أو 2 – 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي ما يعادل 10 أضعاف إجمالي أموال المساعدات العالمية. وتشير التقارير الموثقة إلى أن الفساد يتخلل جميع مستويات المجتمع، من الموظفين العموميين ذوي الدخل المنخفض، الذين يقبلون برشاوى صغيرة، إلى الزعماء الوطنيين الذين يسرقون ملايين الدولارات.
وتقدر منظمة الشفافية الدولية أن رئيس إندونيسيا السابق، سوهارتو، اختلس ما بين 15 و35 مليار دولار أمريكي. أما الرئيس الفلبيني السابق فيرديناند ماكروس، ورئيس الكونغو الديمقراطية السابق موبوتو سيسي سيكو، والدكتاتور النيجيري ساني أباتشا، فقد اختلس كل واحد منهم 5 مليارات دولار. كما شهدت البرازيل أكبر فضيحة فساد، حملت اسم “لافا جاتو”، انطوت على شبكة فساد واسعة وشديدة التعقيد، أدت إلى عزل الرئيس البرازيلي، واستقالة رئيس البيرو. وكذلك في ماليزيا، فقد أدت فضيحة فساد مدوية إلى سجن رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق، الذي اختلس مئات الملايين من الدولارات.
اقرأ أيضًا: مترجم: السياسيون الصادقون لن يصلحوا الفساد
وفي عام 2015، أجبر كونغرس غواتيمالا الرئيس أوتو بيريز مولينا على الاستقالة بسبب دوره في مخطط فساد ضخم في دائرة الجمارك الوطنية. وفي جنوب إفريقيا، قام المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم بإقالة الرئيس جاكوب زوما بسبب قضايا فساد. وفي عام 2017، انقلبت كوريا الشمالية على رئيستها بارك جيون هاي بسبب قضية رشاوى، وجرى سجنها لغاية 24 عامًا.
الفساد كأسلوب حياة
أصبح الفساد نهجًا حياتيًا في العديد من بلدان العالم؛ ففي عام 2011، أفادت منظمة الشفافية الدولية أن ثلثي مواطني بنغلادش، وأكثر من نصف الهنديين، قد دفعوا رشاوى خلال الأشهر الـ12 السابقة. وفي عام 2017، أفادت المنظمة أن شخصًا من كل 4 أشخاص في العالم دفع رشاوى خلال الـ12 شهرًا الماضية، بغرض الحصول على الخدمات العامة. وحسب تقريرها، فإن 57% من الناس حول العالم شعروا أن حكوماتهم لا تعمل على مكافحة الفساد.
اقرأ أيضًا: هل ستؤدي تحقيقات الفساد إلى إقالة نتنياهو من منصبه؟
وأظهرت دراسة أخرى جديدة، أجرتها المنظمة ذاتها، أن ثلث الأشخاص في العالم يعتبرون رؤساءهم، ومسؤولي وزاراتهم، ومسؤولي حكوماتهم الوطنية والمحلية، ومديري الشركات، والممثلين المنتخبين، وضباط الشرطة، كلهم فاسدون. ومن الملاحظ أن ضباط الشرطة هم الأكثر فسادًا في وجهة نظر شعوبٍ مثل إفريقيا جنوب الصحراء (47%)، وآسيا والمحيط الهادئ (39%)، وبالطبع، هذه إشارة مدمرة إلى مدى إدراك مفاهيم الفساد لهذا العصر من الفساد الداخلي.
آثار وعواقب الفساد
يعيق الفساد بشدة مكافحة الفقر وتنمية الاقتصاد. في عام 2017، عاش 10% من الآسيويين، أي 400 مليون نسمة، في فقر مدقع بسبب الفساد الذي استنزف الأموال المخصصة للتخفيف من حدة الفقر.
ينطبق هذا على بنغلادش، والصين، والهند، وإندونيسيا، وماليزيا، ونيبال، وتايلاند، والفلبين؛ فجميعها تواجه الفساد المستشري. وقد تسبب الفساد في مشاكل اجتماعية هائلة، وزاد من معدل وفيات الرضع بنسبة 75%.
اقرأ أيضًا: تصريحات بلاتر الجديدة تسلط الضوء على “فساد” في حقوق “قطر 2022”
الخلاصة
علينا أن نتذكر مقولة غاندي: “لدى العالم ما يكفي لحاجة الجميع، لكنه ليس كافيًا لجشع الجميع”، وبناء عليه، ستزداد احتمالات الفساد مع توسع الاقتصاد العالمي.
لا يمكن القضاء على الفساد أبدًا، سواء أحببنا ذلك أم لا، فقد كان جزءًا من الطبيعة البشرية، وسيظل يفتك بالمجتمع. ومع استمرار عمر الإنسان الفاسد، فإن أفضل ما يمكن لأي بلد فعله هو الحفاظ على الحدّ الأدنى منه.
المصدر: مجلة “ذي كونفرزيشن” الأسترالية
حمل تطبيق كيو بوست الآن، من هنا