الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
ما قصة نجاح مغربي مكفوف في عاصمة العمى ماربورغ؟

ماربورغ-إلهام الطالبي
في رواية جوزيه ساراماغو “مدينة العمى”، يتعرف القارئ على حياة المكفوفين، ومشاعرهم وصراعاتهم النفسية؛ لكن في مدينة ماربورغ غرب ألمانيا، يعيش معهم في الواقع، فيمكن مقابلتهم في كل مكان؛ لأن هذه المدينة التاريخية لا تعد فقط مجالاً للتعايش والتسامح، بل أيضاً عاصمة المكفوفين.
من خلال تصاميمها التي جعلت حياة المكفوفين سهلة، ومنحتهم فرصة للإبداع، “كيوبوست” سيأخذكم في جولة بعاصمة العمى بالعالم، لمعرفة كيف تحولت هذه المدينة إلى حاضنة وداعمة للمكفوفين بالعالم؟ وكيف نجح إبراهيم مودن، مغربي مكفوف، في مواجهة الصعوبات وتحقيق طموحاته؟
اقرأ أيضاً: بشهادة المؤرخين.. النودلز الصينية ليست أصل الباستا
استقبلت ماربورغ بعد الحرب العالمية الثانية نحو 3000 ألف جندي في مستشفى العيون الجامعي، كما تأسس معهد خاص بالمكفوفين، حالياً تعتبر ماربورغ المدينة الصديقة للمكفوفين في ألمانيا.
قبل 100 عام، تم تشييد أول ثانوية عامة خاصة بالمكفوفين في ماربورغ، يدرس فيها شباب من مختلف الدول الأوروبية.
أي شخص يتجول في مدينة ماربورغ يلمح في شوارعها مكفوفين بعصيِّهم البيضاء الطويلة، نادراً ما يحتاجون إلى المساعدة؛ لأن المدينة وفرت لهم تجهيزات جعلتهم يمارسون حياتهم اليومية بكل أريحية.

ويُشار إلى أن ثُلث الطلاب الجامعيين المكفوفين في ألمانيا يدرسون في ماربورغ؛ وذلك لما توفره المدينة لهم من إشارات المرور الصوتية، وتوجيه جامعي خاص بالمكفوفين.
إبراهيم مودن، مغربي مكفوف، هاجر قبل سنوات من المغرب إلى ألمانيا؛ بهدف مواصلة تعليمه الأكاديمي، “كيوبوست” حاوره وتحدث إليه عن قصة نجاحه في عاصمة العمى.
هاجر إبراهيم مودن إلى ألمانيا عام 1998، وبالضبط إلى العاصمة برلين؛ لكن أحد أساتذته الجامعيين نصحه بأن ينتقل إلى ماربورغ، لأنها المدينة المناسبة للمكفوفين.
يقول مودن، في حديثه إلى “كيوبوست”: “حصلت على شهادة الإجازة في المغرب؛ لكن بسبب التحديات التي تواجه المكفوفين قررت الهجرة إلى ألمانيا لمواصلة تعليمي الأكاديمي”.
اقرأ أيضاً: شلل كامل أصاب إسرائيل.. إغلاق المطارات والموانئ والشوارع العامة!
ويضيف المتحدث ذاته: “عندما أخبرت عائلتي في المغرب بأني أرغب في الهجرة؛ لتحقيق طموحاتي، اعتبروني حالماً ومغامراً”.
وعن تجربته في ماربورغ، يتحدث مودن: “بمجرد وصولي إلى ماربورغ توجهت إلى شخص مسؤول عن ذوي الاحتياجات الخاصة، شرح لي حقوقي وواجباتي هنا”.
يعتبر مودن أن ماربورغ مدينة نموذجية للإنسان الكفيف، مضيفاً: “حسب تجربتي في ماربورغ لا توجد العنصرية ضد الأجانب، إنها بالفعل مدينة التعايش، وأيضاً تعامل الأساتذة في الجامعة ممتاز”.
يشدد المتحدث ذاته على أن المكفوف عليه أيضاً أن يجتهد، معتبراً أن “الإمكانات التي توفرها المدينة وحدها غير كافية لتحقيق النجاح”.

حصل مودن على شهادة دكتوراه في اللغة الألمانية تخصص اللسانيات، في جامعة فيليبس ماربورغ، وعمل في التدريس بالجامعة، بالإضافة إلى العمل التطوعي في التدريس والترجمة، كما شارك في حملات إنسانية لتقديم الدعم للاجئين العرب الفارين من الحرب عام 2015 للاندماج في المجتمع الألماني.
ويشار إلى أنه في عام 2015، استقبلت ألمانيا اللاجئين الهاربين من الحرب، ووصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، موجات اللاجئين بأنها “اختبار تاريخي”.
وعن التحديات التي واجهته، يقول مودن: “أنا أعتبر التحديات كمحطات استراحة، وأجتهد دائماً لتحقيق الأفضل”.
اقرأ أيضاً: لماذا قلصت فرنسا منح التأشيرات لمواطني المغرب العربي؟
ويدعو مودن المكفوفين العرب إلى “أن يتوقفوا عن النظر إلى العمى على أنه عرقلة أو تحدٍّ؛ عليهم أن ينتقلوا إلى الواقع بدل العيش في أوهام وخطاب المظلومية”.
ويرغب في دعم أبناء المهاجرين العرب، الذين يعانون ضعفاً في اللغة الألمانية، وتقديم برامج لمساعدة عائلاتهم لمواجهة الصعوبات الثقافية والاجتماعية والدينية التي تواجههم.
ومن جهته، يشيد هيلموت، البالغ من العمر 64 عاماً، بالتعامل الإنساني معه في الشارع، مشيراً إلى أن “سكان ماربورغ اعتادوا علينا كمكفوفين، هم يساعدوننا، ودائماً أسمع تلك عبارة (هل يمكنني أن أساعدك)”.

ويضيف هيلموت الألماني، في حديثه إلى “كيوبوست”: “شيء جميل أن تجد هذا التعايش بين الناس؛ لهذا أنا لا يمكنني أن أتخيل نفسي وأنا أعيش في مدينة أخرى.. ماربورغ هي مدينتي، التي توفر لي جميع ما أحتاج إليه”.
لا يشكل العمى أي حاجز بالنسبة إلى هيلموت؛ بل يعتبره جزءاً مهماً من حياته، ويقول في هذا الصدد، خلال حواره مع “كيوبوست”: “أنا أستمتع بحياتي، وأتمشَّى يومياً، وأشعر بالناس والأماكن، وهذا شيء جميل”.
اقرأ أيضاً: لماذا يتسابق الجزائريون على بلوغ أوروبا بطريقة غير شرعية؟
في كل شارع يصادف المرء المكفوفين، إنهم جزء مهم من هذه المدينة التاريخية، التي جعلت التعايش والتسامح شعاراً لها؛ فلا يُنظر إلى المكفوفين على أنهم عائق، بل هم هنا فاعل مهم؛ لأنهم يعملون في جميع المجالات.
يرفض المكفوفون في عاصمة العمى أن يُنظر إليهم بشفقة؛ لأنهم تجاوزوا جميع التمثلات السلبية عنهم، عبر انخراطهم في الحياة العامة، وتميزهم.