شؤون دوليةملفات مميزة
ما قصة الجدل بين تركيا والإمارات؟ وما هي حقيقة فخر الدين باشا؟
"سفر برلك" والوالي التركي فخري باشا

خاص كيو بوست –
أعاد الوزير الإماراتي عبد الله بن زايد، نشر تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبرتها أنقرة مسيئة للرئيس أردوغان، تحدثت عن ارتكاب فخر الدين باشا، القائد العسكري التركي الذي حكم المدينة المنورة أثناء الحرب العالمية الأولى، جرائم ضد السكان المحليين.
كما خرج بعدها الرئيس التركي أردوغان ليقلي خطابًا هاجم فيها رؤساء بعض الدول العربية، ووصفهم بالجهل والخيانة، وأشاد في الوقت ذاته بالقائد العسكري التركي فخري باشا، واصفًا إياه بأنه كان يدافع عن المدينة المنورة.
وفخر الدين باشا أو فخري باشا، ولد في مدينة “روستشوك” ببلغاريا، ثم انتقل إلى اسطنبول، والتحق بالكلية الحربية، ومنها إلى الجيش.
ويعتبر فخري باشا آخر الأمراء العثمانيين على المدينة المنورة، وكان يتبعه جيش مكون من نحو 70 ألف جندي مجهز بالأسلحة الخفيفة والمدفعية التقليدية، تولى قبل منصبه الأخير، مهام قمع ثورات الأرمن في الموصل وأورفا، وفي عام 1916 عين أميرًا على المدينة المنورة، وتولى حمايتها حتى عام 1919.
وإبان الثورة العربية الكبرى، وقيام القبائل العربية بمحاصرة المدينة، قام فخري باشا بتهجير جميع أهالي المدينة المنورة، فانضم بعضهم إلى القبائل العربية التي تحاصر المدينة المنورة، وتشتت جزء منهم إلى باقي مدن الجزيرة العربية، مثل مكة وجدة وحائل، بينما لحق أغلبهم بالبلدان الإسلامية كمصر والشام والعراق وتركيا والهند واليمن، حتى خلت المدينة المنورة من السكان تمامًا، ولم يبقَ فيها غير الجنود العثمانيين. واستمر حصار الأشراف ومن معهم من القبائل العربية للمدينة المنورة مدة خمسة أشهر، وقام قطار الحجاز خلال تلك الفترة بدور كبير في نقل المدنيين إلى بلدان آمنة، وسميّت تلك الرحلات التهجيرية بـ”سفر برلك”.
وبعد خمسة شهور من حصار المدينة، استسلم فخري باشا للقبائل العربية، ولكن قبل استسلامه قام بتهريب المقتنيات الإسلامية والمخطوطات إلى قصر “طوب قابي” باسطنبول.
أطلق الأتراك على فخر الدين لقب “النمر التركي”، في حين يصف بعض المؤرخين بالغباء لامتلاكه جيشًا عظيمًا لم يستغله في السيطرة على الحجاز برمته لو أراد.
“سفر برلك” في المدينة المنورة
سفر برلك هو مصطلح تركي معناه باللغة العربية “الترحيل الجماعي”، وهو مشابه للترحيل القصري للسكان المدنيين. وأثار استخدام هذه الكلمة حفيظة الأتراك، لأنها تذكّر بالماضي القمعي للعثمانيين في الدول العربية إبان الاحتلال التركي، وكان لافتًا مدى الغيظ الذي ينتاب الأتراك الجدد عند فتح ماضيهم الاستعماري سواء في المنطقة العربية أو ضد الأقليات والأرمن.
وقد أعيد استخدامها حديثًا في أكثر من موقف، فقد استخدمها السوريون في السنوات الأخيرة للتذكير بالاستعمار العثماني لبلادهم، وبالمجازر التي قام بها الأمراء العثمانيون ضدهم، بالموازة مع دور تركيا في الحديث في دعم الحركات الإرهابية على الأرض السورية، كداعش وأخواتها.
كما كان يستخدم مصطلح “سفر برلك” في الحملات التي يقوم بها الأتراك لإيفاد الشبان العرب إلى جبهات القتال، فكان الأهالي العرب يسمون تلك الرحلات بـ”سفر برلك” لأنها كانت رحلات بلا عودة، إذ كان معظمهم يقتلون على الجبهات البعيدة.
أما جرائم “سفر برلك” التي وقعت في المدينة المنورة إبان حكم فخري باشا، فقد دمرّت النسيج الاجتماعي لسكان المدينة نتيجة لتشتيتهم في أنحاء الوطن العربي، وهي أيام قاسية لجأ فيها الأتراك إلى استخدام كل الأساليب لإخراج أهل المدينة من دورهم ونفيهم إلى خارجها بالقوة الإجبارية.
يصف الكاتب السعودي محمد الساعد جريمة “سفر برلك” في مقال نشره العام 2013 موقع “العربية نت”، بمناسبة مرور مائة عام على الواقعة، فيقول: “تمثلت شناعة تلك الجريمة النكراء حسب الروايات المتواترة في المدينة المنورة، باقتحام جنود فخري باشا للبيوت الآمنة، وكسر أبوابها عنوة، وتفريق الأسر، وخطف الأطفال والنساء من الطرقات دون رحمة، ومن ثم جرهم معًا أو متفرقين إلى عربات قطار الحجاز ليجري إلقاؤهم عشوائيًا بعد رحلة طويلة من العذابات في تركيا والأردن وسوريا”.
كان ذلك في العام 1916، ولم تنته تلك الجريمة الكبرى، بحسب الكاتب، التي ارتكبتها الدولة العثمانية على يد القائد فخري في حق واحدة من أطهر بقاع الأرض، إلا في بداية 1919م، عندما قتل رفاق “فخري باشا” قائدهم المستبد على إثر خلافات بينهم.