الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفةمجتمع

ما رأي الفلاسفة في أكل لحوم الحيوانات؟

هل أكل الحيوانات أمر أخلاقي؟ ماذا يقول الفلاسفة حول ذلك؟

ترجمة كيو بوست – 

المصدر: مجلة “نيوز ويك” الأمريكية، بقلم أستاذة علم الفلسفة في جامعة أريزونا الأمريكية، جوان مكغريجور.

أصدرت شركة “وي وورك” الأمريكية العملاقة مؤخرًا قرارًا يقضي بمنع تقديم أي وجبات طعام تحتوي على لحوم. وقال أحد مؤسسيها، ميغيل مكلفي، إن قرار الشركة يستند إلى أرضيات أخلاقية تتعلق “بالآثار البيئية المدمرة لاستهلاك اللحوم”. فهل تناول لحوم الحيوانات يضر بالقيم الأخلاقية أو ينتهك حقوق البيئة والطبيعة؟

في الواقع، وقف الفلاسفة القدماء لقرون طويلة ضد استهلاك لحوم الحيوانات، فعلى ماذا تستند آراؤهم؟

 

إيذاء الحيوانات غير أخلاقي

قدّم الفلاسفة اليونانيون القدماء حججًا تستند إلى الوضع الروحي والمعنوي للحيوانات؛ فعلى سبيل المثال، أبدى عالم الرياضيات، الفيلسوف اليوناني فيثاغورس، مواقفه الرافضة لأكل الحيوانات على أساس امتلاكها أرواحًا تمامًا مثل البشر. بينما جادل الفيلسوف أفلاطون في كتاب “الجمهورية” أن “أكل اللحوم رفاهية تؤدي إلى مجتمع غير مستدام، مليء بالصراعات وعدم المساواة، وتنطوي على سفك دماء يرتقي إلى مستوى الحروب الإنسانية”.

وبعد ألفي عام، أشار الفيلسوف الإنجليزي جيريمي بنثام، صاحب المذهب النفعي، إلى معاناة الحيوان، واعتبرها مقلقة من الناحية الأخلاقية، بل وجرّم استهلاك اللحوم. وقال بنثام: “السؤال لا يتمحور حول ما إذا كانت الحيوانات تفكر أو تتحدث، بل ما إذا كانت تعاني! لماذا يرفض القانون حماية مخلوق لديه أحاسيس ويتنفس!”.

ينص المذهب النفعي على أن الأعمال التي تحقق أفضل النتائج وتقلل من المعاناة في العالم هي الممارسات الصحيحة. ويركز أنصار هذا المذهب على الحدّ من المعاناة وتعظيم السعادة والمتعة، بما في ذلك الحيوانات.

وهكذا، يتساءل الفيلسوف الأسترالي بيتر سنغر: “هل لدينا مبرر لاعتبار ألم الإنسان أهم من ألم الحيوان؟ هل تعتبر معاناة الحيوان أقل شأنًا من معاناة الإنسان؟”. وقد اعتبر سنغر أن “البشري الذي يأكل لحم الحيوان عنصري”.

هنالك فلاسفة آخرون رفضوا النظر فقط إلى معاناة الحيوان، وقالوا إن اعتبار الحيوان مصدر طعام لنا خطأ من ناحية المبدأ، ومن الجريمة تربية الحيوانات من أجل لحومها. قال الفيلسوف توم ريغان إن الحيوانات “موضوع حياة” تمامًا مثل حياة البشر. ما كان يعنيه ريغان هو أن الحيوانات عبارة عن مخلوقات لها حقوق ينبغي ألا تقل عن حقوق البشر، فكل جانب له تفضيلاته ورغباته الخاصة. وبالنسبة له، قد يصل الإنسان إلى نقطة الفسق والظلم إن استخدم الحيوانات كمورد للطعام.

 

استثنائية الإنسان

في الحقيقة، يعتقد بعض الفلاسفة أن الحيوانات لا تتمتع بوضع أخلاقي مساوٍ للبشر. مناصرو مذهب الاستثناء البشري يجادلون أن البشر لديهم قدرات متفوقة مقارنة بالحيوانات والمخلوقات الأخرى، مثل القدرة على تكوين علاقات اجتماعية وأسرية، واستخدام اللغة، والشعور بعواطف استثنائية.

في القرن السادس عشر، اعتبر الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، صاحب مقولة “أنا أفكر، إذن أنا موجود”، أن “الحيوانات مخلوقات خالية من الوعي والعقل، وبالتالي لا تشعر بالألم، تمامًا مثل الآلات المعقدة”. وقد استخدام ديكارت آراءه في وقت لاحق لتبرير تشريح الحيوانات الحية لقرون عدة.

وقد وافقه الرأي الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت، الذي اعتبر الإنسان شخصية مميزة عن الحيوان، لأن البشر يستطيعون ترتيب قواعدهم الأخلاقية استنادًا إلى العقل، ويتصرفون بناء عليها، وهو ما لا تستطيع الحيوانات فعله.

 

القضية الأخلاقية ضد اللحوم

أظهرت الكثير من الملاحظات الذكية والدراسات العلمية أن الحيوانات تعاني من ألم مشابه للإنسان، ولديها مشاعر مشابهة جدًا للبشر. على سبيل المثال، لدى الفيلة عواطف معقدة، وتحزن لفقدان أحبائها، بل وتستطيع إقامة علاقات اجتماعية وأسرية معقدة.

في الحقيقة، تستطيع الحيوانات التفكير، والتواصل مع بعضها البعض، وربما استخدام اللغة في بعض الحالات، والتصرف بشكل أخلاقي كذلك. وبالتالي، لا يمكن استثناء الحيوانات من المنظور الأخلاقي، لأنها لا تفتقر إلى الخصائص المذكورة.

لا يمكن تبرير وجهة نظر الفيلسوف “كانت” حول تفوق البشر لانفرادهم بالعقل. ماذا عن الرضّع، ومرضى الزهايمر، والمعاقين العقليين، وبعض الأشخاص الذين يفتقرون إلى الاستقلالية العقلانية؟ هل يمكن أكل لحومهم لمجرد افتقارهم للعقل السليم مثل الحيوانات!

وأخيرًا، هنالك فلاسفة يعترضون على أكل اللحوم، ليس استنادًا إلى “حقوق” أو “معاناة” الحيوان، بل استنادًا إلى حساب التفاضل والتكامل بشأن تقييم الأعمال الأخلاقية. يركز هؤلاء الفلاسفة على “الفضائل” و”الرذائل” من تناول اللحوم.

يجادل عراب نظرية الفضيلة، روزالیند هرستهاوس، بأن أكل اللحوم يظهر المرء بمظهر “الجشع” و”الأناني” و”الطفولي”. كما يرى مناصرون آخرون أن الشخص الفاضل يمتنع عن تناول “اللحوم” أو “الكثير من اللحوم” شفقةً ورعايةً للرفاهية الحيوانية.

وبصفتي فيلسوف أخلاقي، أعتقد أنا كذلك أن معاناة الحيوان الناتجة عن إنتاج اللحوم غير مبررة وغير أخلاقية. وبالتالي، أصرّ على أن موقف شركة “وي ويرك” أخلاقي ويحمل وجهة نظر فلسفية قوية.

 

المصدر: مجلة نيوز ويك الأمريكية

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة