الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
ما دلالات زيادة الاغتيالات في صفوف المتمردين الحوثيين؟

كيوبوست
أفادت وسائل إعلام محلية يمنية مقتل زعيم حوثي بارز برفقة عائلته، وهو حادث يأتي ضمن سلسلة من الحوادث الغامضة لعدد من الزعماء والمقربين من الجماعة، ويُعتقد أنها ضمن نشاط اغتيالات متصاعد بين جناحَين متنافسَين من المتمردين.
الضحية هذه المرة، حسب وسائل الإعلام، يُدعى داوود الرازحي. ويُوصف بأنه قائد كتائب القتال الخاصة بشقيق زعيم الحوثيين، عبدالخالق الحوثي. وهو واحد من عشرات القادة الآخرين الذين لقوا حتفهم -غالباً في ظروف غامضة- في ظل تكتم شديد على الملابسات ونتائج التحقيقات.
اقرأ أيضاً: منتدى اليمن الدولي.. هل من دور لمراكز الأبحاث في حل المعضلة اليمنية؟
مراقبون للشأن اليمني يرجحون أن حوادث الاغتيالات ناتجة غالباً عن تصاعد الاختلافات بشأن الثروات واقتصاد الحرب المزدهر لدى زعماء الجماعة، وعدم القدرة على تحقيق ما يكفي من التماسك بين الجماعات الزيدية القادمة من موطنها الأصلي، صعدة، والجماعات المستوطنة في العاصمة صنعاء.
لكن الاغتيالات، بشكل عام، ليست مؤشراً عن وجود خلافات حادة تتعلق بالمال فقط؛ فالاضطرابات السياسية والحرب هما من الأسباب الرئيسة للاغتيالات، وغالباً ما تكون لها عواقب وخيمة على الضحايا وعائلاتهم، وعلى الجماعات المنخرطة في الاغتيالات. وبالطبع، على المجتمع وتمساك الجماعة ككل.
وكلما زادت حوادث الاغتيالات أعطى ذلك مؤشراً على زيادة الاضطراب السياسي.
حوادث واغتيالات متكررة
شهدت العاصمة اليمنية، التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون، عدة حوادث اغتيالات وقتل خلال السنوات الماضية؛ طال بعضها أقارب الزعيم الحوثي ذاته، عبدالملك الحوثي. ففي عام 2019، أعلنت قناة “المسيرة” التابعة للمتمردين الحوثيين، تعرض إبراهيم بدر الدين الحوثي إلى التصفية، وهو شقيق عبدالملك الحوثي. لم يتم الإعلان عن أية تفاصيل إضافية، واكتفى بيان الجماعة بملاحقة المتورطين.
وفي يونيو الماضي، تناقلت وسائل إعلام محلية خبر اغتيال زعيم حوثي يُدعى أبو فضل يحيى منير الحنمي، والذي قُتل برصاص مجهولين مع اثنين من مرافقيه. ليس هذا سوى مثالَين بسيطَين، والقائمة تطول، وهي تشمل معارضين وموظفين بالقطاع العام، ناهيك بالاعتقالات التي تطول شخصيات اجتماعية وصحفيين.

ولا يقتصر القتل على الاغتيالات، والتي تكون غالباً بدوافع سياسية أو فكرية أو دينية؛ بل إن الجريمة في مناطق سيطرة الحوثيين قد وصلت إلى مستويات قياسية في الكم والتواتر والبشاعة. وغالباً ترتبط الأسباب بتأثير جبهات القتال، وانتشار السلاح، والمعارضة، والخلافات العائلية والمالية.
وحسب التقارير، عادة يكون المتورطون من المقاتلين الحوثيين بمختلف المستويات.
اقرأ أيضاً: إخوان اليمن نحو مزيدٍ من التصعيد في عدن
تتميز حوادث القتل الواقعة في مناطق سيطرة الحوثيين بالغموض، كما يمكن أن تظهر عدة روايات متناقضة يفتقر جميعها إلى الدقة والأدلة. في ما يخص مقتل داوود الرازحي وعائلته، تسرد وسائل الإعلام أن الرواية الحوثية تدَّعي أن المذكور تعرَّض إلى حادث سير فظيع أودى بحياة كل مَن كان في السيارة، بينما يقول آخرون إن سيارة الضحية تعرَّضت إلى إطلاق نار كثيف من قِبل جنود من المتمردين الحوثيين.
أسباب الاغتيالات
تحدث الاغتيالات بين المتخاصمين، أو المجموعة الواحدة عندما تكون مضطربة أو منقسمة. لا شك أن تزايد وتيرة الاغتيالات مؤشر على مرحلة من التفكك والاضطراب؛ لأن الدوافع الشائعة التي تقف خلف الاغتيالات عادة ما تكون محاولة فصيل ما تعطيل عمل الفصيل الآخر، أو تغيير سياسات الفرد أو المجموعة المستهدفة، أو خلق الفوضى وزرع الفتنة، أو التأثير على أيديولوجية مغايرة بين أتباع هذا الدين أو الطائفة أو الجماعة.

تنتشر الزيدية، أحد فروع الشيعة، في شمال اليمن منذ مئات السنين. معقلهم الأساسي صعدة، ويمتد نشاطهم وتأثيرهم إلى بقية المناطق في مد وجزر عبر التاريخ. اتسمت فترة حكمهم قبل ثورة الستينيات في اليمن بالتشدد، وعلى الرغم من انفتاح سكان صنعاء بعد الثورة والقضاء على الحكم الزيدي؛ فإن الفكر المتشدد بقي على حاله في الموطن الأصلي، محافظة صعدة.
وحسب مراقبين، فإن ما يحدث اليوم من اغتيالات يأتي ضمن الخلافات بين الأطراف المتشددة والأخرى المعتدلة؛ لكن هذا لا يمثل سوى جزء من قائمة الأسباب الطويلة، والتي تشمل أيضاً تزايد المعارضة ضد تحشيد الحوثي لخوض معارك طاحنة أخرى للسيطرة على مأرب، والأعداد الهائلة من القتلى -بما في ذلك الأطفال- التي تسببت بها المعارك السابقة.
اقرأ أيضاً: وثائقي عن حرب اليمن يقلب الحقائق ويلعب على التناقضات!!
كما يمكن للمفاوضات -على شحتها وإخفاقاتها- بين الحوثيين وأطراف النزاع الأخرى، أن يكون لها دور كذلك؛ بسبب اختلاف وجهات النظر بين الأكثر اعتدالاً والأكثر تشدداً من الجماعة بشأن سبل الحل والانخراط في الحلول السلمية. ناهيك بحالة الشك المتزايدة في صفوف الحوثيين بعد تعرضهم إلى العديد من النكسات بفضل ضربات التحالف العربي والقوات الموالية له في ساحات المعارك.
ليست مجرد اغتيالات عابرة
على الرغم من شح المعلومات حول حوادث الاغتيالات في مناطق سيطرة المتمردين الحوثيين؛ فإن ذلك التعتيم -في المواقع- تأكيد على نتائج سياسة الاغتيالات المنهجية والمسيطرة، حيث إن إسكات المجتمع وتعطيل الصحافة وخنق المعارضة هي من النتائج الشائعة لظاهرة الاغتيالات والقمع في أي مجتمع.

تسبب استهداف الأشخاص في مناطق سيطرة الحوثيين في نشر ثقافة الخوف بين الناس. وبات الناس خائفين من التحدث أو مواجهة مَن هم في السلطة؛ خوفاً من ملاقاة مصير لا تُحمد عُقباه. وبالطبع، من نافلة القول إن لهذا تأثيراً سلبياً على مستوى الحرية وسيادة القانون. ومما زاد الطين بلة انتشار الأسلحة وكثرة وجود المجندين داخل المدن والمجتمع المدني.
من جانب آخر، عندما يأمر الأفراد ذوو النفوذ بالاغتيالات أو يتغاضون عنها، فإن ذلك يبعث برسالة مفادها أن مثل هذه الأعمال مقبولة. يمكن أن يؤدي هذا إلى مزيد من الاغتيالات؛ حيث تحاكي الجماعات أو الأفراد الأخرى تلك التصرفات الوحشية بضمير مرتاح. ويمكن أن يكون لنجاح محاولة الاغتيال عواقب بعيدة المدى، وغالباً ما تؤدي إلى الانتقام وتصعيد العنف، أو حتى الانزلاق في حرب أهلية.
وفي حين أن سياسة الاغتيالات بشعة ومدمرة، إلا أن هذه ليست وجهة النظر دائماً؛ فبالنسبة إلى البعض يمكن أن يكون الاغتيال تصرفاً “أخلاقياً” للمعارضة الاجتماعية، ووسيلة لإحداث التغيير عندما تفشل جميع الخيارات الأخرى. بالنسبة إلى الكثير من الزعماء الدينيين والمتطرفين، كالحوثيين، لا يوجد ما هو أسهل من إصدار فتوى لإهدار دم معارض أو معرقل لما يسميه المتمردون الحوثيون “المسيرة القرآنية”، في إشارة إلى ثورتهم التي “تنقذ الشعوب المستضعفة”.