الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

ما بعد صفقة إيران: الخطة “ب” لاحتواء الجمهورية الإسلامية

كيوبوست- ترجمات

سوزان مالوني

على الرغم من عودة مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني، والتوقعات باقتراب التوصل إلى اتفاق جديد، فإن لسوزان مالوني، نائبة رئيس معهد بروكينغز، ومديرة برنامج السياسة الخارجية فيه، قناعة بضرورة التريث في الحكم على مجريات هذه المفاوضات في ضوء العديد من التطورات، مع ضرورة البحث عن بدائل أخرى.

وينطلق تحليل مالوني من أن تطلعات بايدن تجاه إيران عانت ضرباتٍ متعددة، بدءاً من الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، والتي نسفت تنسيق القوى العظمى الذي مكّن من إبرام الاتفاق النووي عام 2015، ومرورا بإمداد إيران لروسيا بطائراتٍ دون طيار، مما جعل طهران خصماً أكثر بروزاً وضرراً، ووصولاً إلى اندلاع الاحتجاجات الداخلية في إيران في سبتمبر ضد وحشية الحكومة.

لقد حان الوقت لأن تقر إدارة بايدن بأنه بات من الصعب إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، فالدولتان اللتان تتمتعان بأكبر قدر من النفوذ على إيران: روسيا والصين، ليس لديهما حافز كبير لتغيير الوضع الراهن.

اقرأ أيضًا: العالم لن يكون أفضل حالاً بعد الاتفاق النووي الإيراني

تغير في الحسابات

يعكس قرار إيران بالانحياز إلى روسيا، وفقاً لمالوني، ما هو أكثر من الانتهازية قصيرة المدى، ويعد دليلاً على تطور دراماتيكي في مواقف ومصالح النخبة الحاكمة في إيران. فقبل عشر سنوات، فكر النظام الإيراني في الوصول إلى الأسواق والأنظمة الغربية، مثل نظام SWIFT. وكما قال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي عام 2015، “كان سبب دخولنا في مفاوضات وتقديم بعض التنازلات، هو رفع العقوبات”. لكن اليوم، لم يعد النظام يرى الغرب كمصدر ضروري لتحقيق المنافع الاقتصادية. وكما أعلن خامنئي في خطاب ألقاه في نوفمبر 2022 إحياءً لذكرى الاستيلاء على السفارة الأمريكية: “اليوم، الولايات المتحدة ليست القوة المهيمنة في العالم”. وتابع: “يعتقد العديد من المحللين السياسيين في العالم أن الولايات المتحدة آخذة في الانحدار.. إنها تتلاشى تدريجيا”ً. وبدلاً من ذلك، يرى هو وغيره من القادة الإيرانيين أن مركز القوة العالمي الجديد يتحول شرقاً. “ستصبح آسيا مركز المعرفة، مركز الاقتصاد، وكذلك مركز القوة السياسية، ومركز القوة العسكرية… نحن في آسيا”.

حاول صناع السياسة الإيرانيون تفعيل رؤية خامنئي من خلال إقامة علاقاتٍ أوثق مع دول آسيوية متعددة، وخاصة الصين. أبرمت بكين وطهران صفقة اقتصادية ضخمة في يوليو 2021 بقيمة 400 مليار دولار. في العام التالي، وافقت طهران على الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وهي مجموعة تربط الصين والهند وروسيا، والعديد من دول آسيا الوسطى، وجنوب آسيا. صحيفة كيهان الإيرانية احتفلت بهذه الخطوة، ووصفتها بأنها تقارب جديد بين “القوى العظمى الثلاث”- الصين وروسيا وإيران.

المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي

تحت الضغط

في سبتمبر 2022، أدت وفاة مهسا أميني على يد قوات الشرطة الإيرانية إلى اندلاع الاحتجاجات داخل إيران، وفي غضون أسبوع امتدت الاضطرابات إلى 80 مدينة في جميع أنحاء البلاد. وطالب العديد من المتظاهرين بإلغاء قواعد اللباس الإيرانية الخاصة بالنساء، وحل شرطة الآداب، وسرعان ما تصاعدت الاحتجاجات إلى مطالبة بإسقاط النظام. وردت قوات الأمن بقمع وحشي، واعتقلت أكثر من 19,000 متظاهر، وقتلت أكثر من 500.

وتشير مالوني إلى أن العديد من المراقبين الخبراء بإيران يميلون إلى السخرية من احتمالات التغيير السياسي نتيجة هذا الحدث، فقد عانت الجمهورية الإسلامية على ما يبدو من كل أزمة يمكن تخيلها: حرب أهلية، وغزو، وإرهاب، وزلازل، وجفاف، ووباء، وأحداث روتينية من الاضطرابات الداخلية، ولكن النظام نجا، وهناك الكثير من الأسباب التي تجعل هذه الجولة من الاضطرابات تتلاشى، بما في ذلك عدم وجود أي قائد محدد أو منظمة مركزية أو رؤية للمستقبل.

مثَّل مقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق شرارة الانتفاضة العنيفة ضد النظام الإيراني (وكالات)

ربما المتغير الجديد بشأن اندلاع الاضطرابات الداخلية الأخيرة هو الشجاعة غير العادية للمرأة الإيرانية في تحدي الحجاب الإلزامي وفي تحفيز الحركة، أو المشاركة غير العادية لمجموعةٍ واسعة من المجموعات العرقية والطبقات الاجتماعية، أو الوحدة الجديدة بين شرائح السكان المتباينة أيديولوجياً.

ربما تكون جهود المحتجين الوليدة لنشر تكتيكات تتجاوز المظاهرات، بما في ذلك الإضرابات العمالية والهجمات الإلكترونية على البنوك الحكومية، ووسائل الإعلام. ما هو واضح هو أن متظاهري اليوم أقل خوفاً من أولئك الذين كانوا في الماضي.

اقرأ أيضاً: من تاريخي إلى “كارثي”: قصة الاتفاق النووي مع إيران

الحقائق تشير إلى صعوبة إنقاذ الاتفاق النووي

ليس من الواضح على الإطلاق أن فوائد التوصل إلى اتفاق ستفوق التكاليف. إن إحياء الصفقة سيولد تدفقاً كبيراً للموارد على النظام، مما يعزز النظام الحاكم في إيران. لكن الاتفاقية تبدو قيمتها في غياب وجود أي بديل أفضل.

إن توجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية من شأنه أن يخاطر بتصعيدٍ إقليمي باهظ التكلفة، وفي أحسن الأحوال لن يوقف نهائياً تهديد إيران النووي، فالبرنامج النووي الإيراني متقدم للغاية بحيث لا يمكن القضاء عليه بشكلٍ تام من خلال الضربات الجوية، مع وجود منشآت مهمة مصممة للحصانة، وتقع بالقرب من المراكز السكانية الرئيسية.

لكن غياب بديل واضح لا يعني أن المسار الحالي ممكن وفقا لمالوني. فالحقائق هي الحقائق: بين الاحتجاجات والحرب في أوكرانيا، والتعنت الإيراني العام، لا يمكن إنقاذ الصفقة. لقد وعد بايدن بأن إيران لن تحصل على سلاحٍ نووي تحت إدارته، وإذا كان ينوي الوفاء بهذا التعهد، فسيتعين على إدارته إيجاد حل آخر. يمكن للإدارة أن تبدأ في تطوير إجماع مع فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، والدول الأخرى ذات التفكير المماثل، وتبني خطواتٍ واضحة لعدد من العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي يمكن تنفيذها في حال تجاوزت إيران التزاماتها.

عام على حرب روسيا وأوكرانيا- أرشيف

وبإمكان صانعي السياسة الأمريكيين العمل مع الحلفاء والشركاء لضمان أن يسلط المجتمع الدولي الضوء على الجهود البطولية للمتظاهرين الإيرانيين، ويكشف عن قمع طهران، ويجد طرقاً لمساءلة الحكومة الإيرانية من خلال العمل عن كثب مع بعثة تقصي الحقائق التي أنشأتها الأمم المتحدة في نوفمبر للتحقيق في حملة القمع والضغط على الشركاء في جميع أنحاء العالم لتقليل العلاقات الدبلوماسية مع طهران.

وتضيف مالوني بعض التوصيات، منها أن الولايات المتحدة يمكنها مساعدة الشعب الإيراني من خلال توسيع وصوله إلى المعلومات والاتصالات، لكن في الوقت نفسه لا يعني دعم المحتجين إغلاق الولايات المتحدة لجميع سبل التواصل مع إيران، كما اقترح بعض النشطاء.

ولا ينبغي أن يؤدِّي الابتعاد عن الاتفاق النووي إلى إغلاق أي اتصال دبلوماسي. يجب أن تستمر إدارة بايدن في الحديث مع إيران حول القضايا المنفصلة التي يمكن للبلدين تحقيق بعض الزخم بشأنها، بما في ذلك من خلال مواصلة الجهود الهادئة للإفراج عن الرعايا مزدوجي الجنسية والأجانب المحتجزين لدى طهران كرهائن.

اقرأ أيضاً: جو بايدن والشرق الأوسط الجديد

يجب على الولايات المتحدة أيضا ألا تفعل شيئاً لتثبيط المناقشات الجارية بين إيران وجيرانها الخليجيين. من غير المحتمل أن تؤدي هذه المحادثات إلى أي شيء آخر غير سلام بارد، لكن الدبلوماسية المباشرة قد تساعد في منع أي احتكاك من التصعيد إلى أزمة.

وتختتم الباحثة تحليلها بالقول إن منع الأزمات هو أفضل ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة في هذه اللحظة. في المستقبل المنظور، لا توجد حلول هيكلية يمكن للغرب أن يبتكرها أو يفرضها على إيران، وستظل الدولة تهديداً عميقاً للاستقرار الإقليمي، ومصالح الولايات المتحدة، ومواطنيها. يجب أن تمنح الاحتجاجات العالمَ الأملَ، فلأول مرة منذ جيل، يبدو أن نظام الحكم الديني في خطر. لكن حتى لو سقط النظام، فلن يكون هناك حل سحري لوقف السلوك السيئ لإيران.

♦نائبة رئيس معهد بروكينغز، ومديرة برنامج السياسة الخارجية فيه

المصدر: فورين أفيرز

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة