الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفةمجتمع
ما الفرق بين الصدق والحقيقة؟ وكيف يمكن أن نكون صادقين بدون حقيقة؟
مفاهيم متقاربة لكنها مختلفة!

ترجمة كيو بوست –
“إن الإخفاق في التعرف على الاختلاف بين الصدق والحقيقة يجعلك عرضة للتضليل والسخرية، لا سيما أن الصدق يجري تزييفه بأساليب لفظية وجسدية، خدمة لحقيقة زائفة”، هذا ما ذكره الباحث الأمريكي في مجال البيولوجيا الحيوية والعلوم الاجتماعية، جيرمي شيرمان.
علينا أن نتعرف على الفرق بين المفهومين: الصدق هو “التعبير عن مشاعرك وآرائك بشكل دقيق”؛ أما الحقيقة فهي “التمثيل الدقيق للواقع”.
اقرأ أيضًا: لماذا يكذب الأطفال؟ وهل هو أمر عادي؟
غالبية الناس لا يدركون الفرق بين الصدق والحقيقة، ويخلطون بينهما في كثير من الأحيان. في الواقع، يمكن للمرء أن يكون صادقًا تمامًا، وبعيدًا عن الحقيقة في الوقت ذاته. يمكن للشخص المنفصم أن يكون صادقًا حول رعبه من مخلوق يقف في زاوية الغرفة، وفي الحقيقة، ليس هنالك مخلوق في الزاوية.
إن المغالطة بين الصدق والحقيقة تجعلك عرضة بشكل كبير إلى الخداع والتضليل، لا سيما عندما تكون الآراء الصادقة متناغمة مع آراء الآخرين. على سبيل المثال، لو حدث شجار بين طفلك وطفل آخر، سيقول طفلك: “هو من بدأ الشجار وليس أنا”. قد يكون طفلك صادقًا تمامًا فيما يقول، وفي هذه الحالة، تريد أنت تصديق ابنك، فتقول: “ولدي صادق ولم يبدأ الشجار”. الحقيقة هي أن ابنك هو من بدأ الشجار، برغم صدقكما أنت وطفلك.
تعتقد امرأة في الولايات المتحدة أن امتلاك السلاح أمر ضار ويجب حظره، لماذا؟ لأنها قرأت في مكان ما أن البنادق ترسل ردود فعل سلبية تسبب السرطان عند القطط، وهي تؤمن فعلًا بما قرأت، فهل هي صادقة؟ نعم، ولكن هل هي حقيقة؟ لا.
يعتقد أحدهم أنه أفضل شخص في القاعة، فهل هو صادق؟ نعم، وهل هي حقيقة؟ لا.
تزييف الصدق من أجل صناعة حقيقة زائفة
من السهل علينا تزييف الصدق من خلال التظاهر بالجدية، فكل ما عليك فعله، هو التلفظ بكلمات خطابية تظهرك بمظهر الجاد. يمكنك أن تستخدم عبارات مثل “بالطبع لا”، أو “أنا متأكد تمامًا” باستخدام صوت مرتفع أو منخفض مع بعض الإيماءات الجسدية، كي تزيف الصدق. يمكنك أن تزيف الصدق كذلك من خلال التظاهر بمظهر الحكيم، والتلفظ بأقوال صريحة ومعروفة. هذه مجرد أساليب بسيطة للتضليل عندما لا نكون صادقين.
هذا “الصدق الجاد المزيف” ينطلي على الكثير منا، فهناك أصحاب مهن يكسبون عيشهم من خلال الصدق المزيف، سواء كان ذلك في السياسة أو الصناعة أو التسويق أو غيرها من المجالات. إن الجدية بمثابة تكتيك مربح، لأن الصدق المزيف يصرف الناس عن السعي وراء الحقائق، حتى وإن كانت غير مربحة. يكون الصدق المزيف مربحًا بشكل خاص عند السذّج، الذين يمتلكون المشاعر والآراء ذاتها التي يزيفها المهنيون.
اقرأ أيضًا: الغرور حدّ العماء: هذه هي أسباب النرجسية وأنواعها
السذاجة هي -إلى حد كبير- نتاج عدم ملاحظة الفرق بين الرأي الصادق والحقيقة. ومع ذلك، وبرغم إدراكنا لهذا الاختلاف الآن، قد نصبح جميعنا سذّجًا عند الاختلاط بأشخاص يشاركوننا الآراء النزيهة. في الواقع، من السهل علينا اكتشاف الخداع عند من يختلف معنا في الآراء، ولكن ليس من السهل اكتشاف التضليل القادم من قبل الأشخاص الذين يقفون معنا في الخندق ذاته. بكلمات أخرى، نحن نميل إلى ملاحظة الفرق بين الصدق والحقيقة فقط عندما تتعارض آراؤنا مع آراء غيرنا، ولكن عندما تتطابق مشاعرنا مع مشاعر الآخرين، نعتقد بأننا على اتصال مع الحقيقة، كيف لا، وكلانا نتفق على الأمر ذاته! هذا إجماع، وهنا نقع في مصيدة الحقيقة الزائفة!
لماذا نخلط بين الصدق والحقيقة عندما نكون في الخندق ذاته؟ ببساطة، لأننا نميل إلى رؤية أنفسنا كمعيار للحقيقة التي تعبر عن الواقع. نحن نفترض أننا غير متحيزين، لكن الحقيقة غير ذلك. عندما نكون مع أشخاص متشابهين في تفكيرنا، نعتقد أننا غير متحيزين، ونعتقد أننا على اتصال مباشر مع الحقيقة.
مقياس الحقيقة الزائف
إن الاعتقاد بأننا غير متحيزين للحقائق هو السبب الذي يدفع شركاؤنا السابقون إلى الاعتقاد بأننا نرجسيون. قبل الانفصال وخلال العلاقات الودية، كنا نفترض بأن “الحب والجاذبية” هما المقياسان الحقيقيان للحقيقة، ولكن بعد الانفصال، اعتقدنا بأن من يبتعد عن هذين المعيارين “غير المتحيزين” يصبح نرجسيًا بكل تأكيد، وبالطبع، الحقيقة ليست كذلك.
إن رؤية أنفسنا كمقياس لكل شيء هو السبب الذي يدفعنا نحو الاعتقاد بأن الآخرين متحيزون. نحن نعتقد أن من يبتعد عن “مقياسنا الذهبي” هو متحيز، لأن “الله يعلم أننا صادقون، وأننا غير متحيزين وأننا مقاييس لكل شيء”. عندما نفكر بهذه الطريقة، نكون صادقين في مشاعرنا تمامًا، ولكن الحقيقة ليست كذلك.
المصدر: مجلة “سايكولوجي توديه” الأمريكية