الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
ما الفائدة من القسوة العبثية لعقوبات ترامب الجديدة على سوريا؟

كيوبوست – ترجمات
اعتمد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ديسمبر الماضي، عقوبات جديدة صارمة للغاية وواسعة النطاق ضد الحكومة السورية ومؤيديها. ويخضع الرئيس السوري بشار الأسد، وغيره من كبار المسؤولين، لعقوباتٍ أمريكية منذ عام 2011؛ لكن الإجراءات الجديدة، التي بدأ سريانها منتصف شهر يونيو، تعتبر كاسحة على نحو كبير. فهي تنطبق على أي شخص، سوري أو غير سوري، يساعد أو يتعامل مع نظام الأسد أو مع أي من الكيانات التي يسيطر عليها.
اقرأ أيضاً: أطفال سوريا في ليبيا.. من ضحية حرب إلى طرف في أخرى
وقد حظيت هذه السياسة بالإشادة في بعض الأوساط مقارنةً بالعديد من الإجراءات التي اتخذت في ما يخص الشرق الأوسط في عهد ترامب، على الرغم من أنها تفشل في تعزيز أية مصالح أمريكية أساسية. وعلاوة على ذلك، فهي تزيد من بؤس الشعب السوري، وتعوق جهود إعادة الإعمار، وتخنق الاقتصاد الذي يدعم السكان اليائسين خلال الأزمات الإنسانية والصحية العامة المتزايدة في سوريا.
ووفقاً للمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، فإن أهداف سياسة الأرض المحروقة هذه تتلخص في تحويل سوريا إلى “مستنقع” لروسيا، وكسب ما يكفي من النفوذ لإعادة تشكيل الحكومة السورية، على غرار ما فرضته الولايات المتحدة على اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
اقرأ أيضاً: أردوغان يستبيح أراضي سوريا وثرواتها ويشوه سمعة السوريين
وأكد جيفري أن الولايات المتحدة تسعى إلى إحداث “تحول جذري” في سلوك النظام السوري. فمن الناحية النظرية، قد يؤدي الإفلاس الممنهج للحكومة السورية إلى إرغام الأسد على الامتثال لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، والذي يتطلب إصلاحاً سياسياً سورياً. ولزيادة الضغط، أيدت الولايات المتحدة الضربات الإسرائيلية ضد الأراضي السورية ومصادرة تركيا موارد الطاقة السورية. كما أغلقت الطريق السريع الرئيس المؤدي إلى بغداد؛ لخنق التجارة.

ففي عام 2011، شن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والقادة الأوروبيون، حملة عنيفة لإجبار الأسد على ترك منصبه. وقد افترضوا أن هناك حكومة فاضلة بديلة تنتظر في الأجنحة السياسية؛ لكن شخصيات المعارضة السورية المتعلمة في الغرب، والتي زرعتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تبيَّن أنه لم يكن لها أي نفوذ على الأرض. وقد فشلت المحاولات التي قادتها الولايات المتحدة لتوحيد المعارضة السورية؛ حيث أحصت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، عام 2012، أكثر من 1500 ميليشيا معارضة في سوريا.
اقرأ أيضاً: بسبب سوريا.. أمريكا توقف برنامجاً استخباراتياً سرياً مع تركيا
وبحلول الوقت الذي تدخلت فيه روسيا عام 2015، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيين قد بدؤوا يخشون من أن تكون هذه الجماعات قد فقدت السيطرة على الجهود العسكرية ضد الأسد لصالح الجماعات الإسلامية المتطرفة؛ مثل تنظيمَي داعش والقاعدة.
لقد صُممت العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب الآن على سوريا لجعل إعادة الإعمار مستحيلة. وتستهدف العقوبات قطاعات البناء والكهرباء والنفط؛ وهي قطاعات ضرورية لإعادة سوريا إلى الوقوف على قدمَيها. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تقول إنها “تحمي” حقول النفط السورية في الشمال الشرقي؛ فإنها لم تمنح الحكومة السورية إمكانية إصلاحها، كما أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة تحظر على أية شركة، أياً كانت جنسيتها، إصلاحها إلا إذا رغبت الإدارة الأمريكية في إجراء استثناء.

وقد تم مؤخراً إجراء مثل هذا الاستثناء لشركة أمريكية لإدارة حقول النفط؛ لكن تسرُّب النفط لا يزال يستنزف نهرَي الخابور والفرات. ولم تكتفِ العقوبات الأمريكية بمعاقبة الأشخاص الذين يحصلون على الكهرباء لمدة ساعة أو ساعتين في اليوم فحسب؛ بل وتُسمِّم بيئتهم أيضاً.
اقرأ أيضاً: أملاً في النجاة.. سوريون يبيعون أعضاءهم في تركيا
ومع ذلك وبحلول عام 2015، ارتفع معدل الفقر المدقع إلى 35% من السكان. وفي أواخر ربيع عام 2020، اقترب لبنان من الإفلاس وبدأ الاقتصاد السوري، الذي تربطه علاقات عميقة وطويلة الأمد بالاقتصاد اللبناني، في الخروج عن السيطرة. وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 209% في العام الماضي، كما أصبحت الأدوية باهظة الثمن ونادرة. وارتفع عدد السوريين الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي من 7,9 مليون إلى 9,3 مليون في ستة أشهر فقط، وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي.
ولعل إدخال المساعدات الإنسانية ومساعدات إعادة الإعمار إلى سوريا من شأنه أن يشمل بالضرورة حكومة البلاد التي تتسم بالفساد. ومن جانبٍ آخر، قامت الميليشيات المدعومة من الولايات المتحدة بنهب أكثر من 1000 مصنع في محيط مدينة حلب، ولم تترك منها إلا أساساتها الأسمنتية. ولذلك، فإن إيصال المساعدات سوف يستلزم مطابقات متكررة بين مقدمي المساعدات المخلصين لتوجيه القيمة الكاملة للمساعدة إلى المستفيدين المستهدفين والحكومة العازمة على توجيهها نحو مؤيديها.

وعلى الرغم من أن جيفري قال إن الولايات المتحدة لم تعد تسعى إلى تغيير النظام في سوريا؛ فإن العديد من المدافعين عن العقوبات داخل إدارة ترامب ما زالوا يأملون في تحقيق ذلك على وجه التحديد. وهم يزعمون أن آلام السوريين العاديين اليوم سوف تؤتي ثمارها؛ لأن رحيل الأسد سوف يسفر عن مستقبل خالٍ من القمع والخوف.
اقرأ أيضاً: مراقبون لـ “كيوبوست”: أنفاق الأسلحة تعكس حجم تغلغل إيران في سوريا
ويقول خصومهم إن تغيير النظام من شأنه أن يطلق العنان على الأرجح لجولة ثانية من الحرب الأهلية في أعقاب انهيار الدولة، وأن سوريا قد تغرق في الفوضى لعقد آخر. والمشكلة بالنسبة إلى المدافعين عن هذه العقوبات هي عدم وجود أدلة تدعم زعمهم المناقض للحقائق، وهو أن تدمير الدولة الاستبدادية من شأنه أن يحسن حقوق الإنسان ويمكن أن يشير خصومهم إلى الفوضى الدموية التي أطلقها تغيير النظام في العراق وليبيا.
وإذا لم تهزم تسع سنوات من العنف الوحشي الذي أودى بحياة نحو 100 ألف علوي، الأسد وجيشه، فمن غير المرجح أن تؤدي عمليات الحظر الاقتصادي إلى إنهاكه. والحقيقة هي أن العقوبات لن تحقق العدالة للأسد ولا الرحمة للشعب السوري. وقد قادت الولايات المتحدة ذات يوم نظاماً ليبرالياً دولياً يقوم على قناعة مفادها أن التجارة الحرة والطبقة الوسطى الحيوية من شأنهما إنتاج حكم ديمقراطي ورفاه مجتمعي.
اقرأ أيضاً: شهادة إحدى مواطنات قرية جينوار الكردية في شمال سوريا بعد الهجوم التركي
واليوم، تحاول إدارة ترامب إقناع العالم بعكس ذلك، وأن الإفقار وتقييد التجارة سيجلبان الحرية والتقدم. وكلما أسرعت الولايات المتحدة في إعادة النظر في سياستها العقابية تجاه سوريا، أسرعت في تقديم مساهمة إيجابية في التنمية الإقليمية. ومن المرجح أن يوافق الأسد على تنازلاتٍ كبيرة من أجل الخروج من تحت وطأة العقوبات؛ لكن التنحي ليس من بينها.
الكُتاب:
- جوشوا لانديس؛ زميل غير مقيم في معهد كوينسي لفنون الحكم المسؤول، ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط، ومركز عائلة فرزانة للدراسات الإيرانية والخليج الفارسي.
- ستيفن سيمون؛ محلل أبحاث في معهد كوينسي لفنون الحكم المسؤول، وأستاذ ممارسة العلاقات الدولية في كلية كولبي. شغل منصب مدير أول لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البيت الأبيض من 2011 إلى 2012.
المصدر: فورين أفيرز