الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

ما العلاقة بين دخان حرائق الغابات وانتشار الجائحة؟

توصلت دراسة جديدة إلى أن حرائق الغابات التي نشبت عام 2020 ربما تسببت في أكثر من 19,000 إصابة بفيروس "كوفيد-19" ونحو 700 حالة وفاة

تلخيص: كيوبوست

سارة غيبنز

من بين المقالات العديدة لموقع “ناشيونال جيوغرافيك” حول بيئة الأرض وتأثير التغيرات المناخية، يبحث هذا المقال في وجود رابط بين كميات الدخان الهائلة الناتجة عن حرائق الغابات، وارتفاع معدلات الوفاة الناتجة عن فيروس كورونا.

وينقل المقال قول فرانسيسكا دومينيكي؛ الباحثة في الإحصائيات الحيوية في جامعة هارفرد: “لقد أدت حرائق الغابات إلى تفاقم الجائحة إلى حد كبير”، وهي ترى أن الدخان الناتج عن حرائق العام الماضي في كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن، قد أسهم في ارتفاع ملحوظ في أعداد الإصابات بـ”كوفيد-19” وبمعدلات الوفيات الناتجة عنها في هذا الولايات. وتقدر هذه الزيادة بـ19742 إصابة و748 حالة وفاة.

يحتوي دخان حرائق الغابات على الآلاف من المركبات المختلفة؛ لكن أحد أكثر هذه المركبات انتشاراً هو جزيئات يبلغ حجمها نحو 2.5 ميكرومتر تعرف باسم PM2.5، وهي تشكل تهديداً خطيراً على الصحة، وتقوم وكالة الحماية البيئية بمراقبة انتشارها لتقديم بيانات كافية لدراسة تأثيرها على السكان. وبينما تم تخفيض انبعاثات جزيئات PM2.5 الناتجة عن الصناعة والنقل بشكل كبير في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة، أصبحت حرائق الغابات مصدراً رئيسياً لها. وقد أظهر بحث نُشر مؤخراً أنه أثناء موسم حرائق الغابات في الولايات المتحدة يمكن للدخان الناتج عنها أن يشكل نحو نصف التلوث بجزيئات PM2.5 في غرب الولايات المتحدة، وربع هذا التلوث على مستوى البلاد بعد انتشارها بفعل الرياح.

ارتفع مستوى تلوث الهواء بجزيئات PM2.5 بشكل كبير بسبب حرائق الغابات في شمال غرب الولايات المتحدة- “ساينس نيوز”

وتشير سارة غيبنز، في مقالها، إلى أن العلماء لا يزالون يدرسون مدى تأثير دخان حرائق الغابات وتهديده للصحة البشرية؛ ولكن الأبحاث المبكرة تشير إلى أن هذا الدخان ربما يكون أكثر سمية مما كان يعتقد من قبل. ولا يزال من غير الواضح مدى تأثير دخان حرائق هذا العام في كاليفورنيا وكندا ومناطق شمال غرب المحيط الهادي على معدل انتشار حالات الإصابة بـ”كوفيد-19″ في الوقت الذي يؤدي فيه ظهور متحور دلتا الأكثر فتكاً والأشد عدوى، إلى ارتفاع أعداد الإصابات بشكل كبير. ومع أن حرائق عام 2020 قد سجلت رقماً قياسياً من حيث حجمها، فقد اجتاحت حرائق ديكسي –ثاني أكبر حريق في تاريخ كاليفورنيا– ما يزيد على نصف مليون فدان من الغابات. وكذلك سجلت حرائق كل من تركيا واليونان أرقاماً غير مسبوقة.

قالت دومينيكي: “إن استنشاق جزيئات PM2.5 يؤدي إلى إضعاف قدرتنا على مقاومة الفيروس، وفي الوقت الحالي فإن ما يثير الخوف هو أن متحور دلتا يتميز بقدرته الفائقة على الانتشار، والأشخاص الذين لم يأخذوا اللقاح سيكونون معرضين لالتقاطه بشكل كبير”.

اقرأ أيضًا: حرائق الغابات تفضح نقاط الضعف في نظام أردوغان

مخاطر جزيئات PM2.5

وتوضح كاتبة المقال أن جزيئات PM2.5 عندما تدخل إلى أجسادنا تسبب أضراراً بطريقتين، كما توضح سارة هندرسون، المديرة العلمية لخدمات الصحة البيئية في مركز بريتش كولومبيا للسيطرة على الأوبئة: “فهي تؤذي القسم العلوي من الجهاز التنفسي. تحتوي بعض خلايا هذا القسم على شعيرات وأهداب تدفع الأجسام الغريبة إلى الخارج بشكل مستمر من خلال المخاط. وعندما تغزو جزيئات PM2.5 هذه الخلايا، فإنها تقوم بتدميرها وتعطل عملها؛ مما قد يسهل وصول فيروس كورونا إلى داخل الجسم”.

ومن ناحيةٍ أخرى، تقول هندرسون: إن استنشاق دخان الحرائق يشتت جهازنا المناعي. وعلى عكس الجزيئات الكبيرة، فإن الحجم الصغير لجزيئات PM2.5 يمكنها من اختراق أعماق الرئتين، فتستثير هجوماً مناعياً من الجسم. ومع انشغال الجهاز المناعي بهذا الهجوم، يصبح الجسم أكثر تعرضاً لفيروس “كوفيد-19″، وبالتالي أكثر عرضة للإصابة ونقل العدوى.

وعلى المستوى الفردي، فإن أفضل طريقة لحماية نفسك هي أن تأخذ اللقاح، كما أن ارتداء الكمامة يوفر حماية إضافية من الفيروس ومن جزيئات PM2.5، كما أنه من المفيد استخدام فلاتر تنقية الهواء في المنازل، وعند الضرورة لا بد من مغادرة الأماكن التي تعاني تلوثاً كبيراً بالدخان.

يبلغ قطر شعر الإنسان 50-70 ميكرومتراً.. بينما يبلغ قطر جزيئات PM2.5 ما لا يزيد على 2.5 ميكرومتر

تتبع الدخان

وتشير سارة غيبنز، في مقالها، إلى أن دومينيكي وزملاءها قد جمعوا في دراستهم الأخيرة بيانات من 92 مقاطعة في كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن؛ حيث اندلعت معظم حرائق العام الماضي. ونظراً لأن ظهور الإصابة بـ”كوفيد-19″ يستغرق أسابيع بعد تعرض الشخص للفيروس، فقد أخذت الدراسة بعين الاعتبار الإصابات التي ظهرت خلال فترة 28 يوماً من التعرض للدخان. أظهرت النتائج أن أكثر من نصف هذه المقاطعات شهدت زيادة في أعداد الإصابات.

وفي جميع المقاطعات التي شملتها الدراسة ارتبطت جزيئات PM2.5 الناتجة عن الحرائق، بزيادة مقدارها 11% في عدد الإصابات، و8% في عدد الوفيات؛ ولكن هذه النسب تفاوتت بين مختلف المقاطعات، فعلى سبيل المثال، شهدت مقاطعتا بوت في كاليفورنيا، وويتمان في واشنطن، زيادة في الإصابات مقدارها 17% و18% على التوالي.

اقرأ أيضاً: العالم يحترق منذ عدة أشهر.. وهكذا يبدو المشهد

ولتحديد أي من هذه الجزيئات قد جاء من دخان الحرائق، وأي منها جاء من مصادر التلوث الأخرى كالسيارات مثلاً، استعانت دومينيكي بلوريتا ميكلي، المختصة بدراسة تلوث الهواء والتغيرات المناخية في جامعة هارفارد. وتمكنت ميكلي وفريقها، بفضل بيانات الأقمار الاصطناعية، من رؤية أماكن ظهور سحب دخان الحرائق وأماكن انتشارها. وأفادتهم مستشعرات جودة الهواء التابعة لوكالة الحماية البيئية بمدى تلويث هذه السحب الدخانية للهواء على مستوى الأرض؛ أي أن الأقمار الاصطناعية أخبرتها أين تبحث، بينما أخبرتها المستشعرات بماهية الملوثات الموجودة.

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية لسحب الدخان الصادرة عن حرائق الغابات في الولايات المتحدة- “سي بي إس نيوز”

ويشير مقال “ناشيونال جيوغرافيك” إلى الجهود المبذولة في تتبع البيانات الصحية المتاحة للجمهور، وتقدير مستويات التلوث بجزيئات PM2.5 قبل الحرائق؛ حيث تمكن الباحثون من إعداد نموذج بالنسب المحتملة لزيادة أعداد الإصابات بـ”كوفيد-19″. وأخذوا بعين الاعتبار العوامل الأخرى التي قد تؤثر على معدل الانتشار؛ مثل درجات الحرارة والانتشار المحلي للجائحة قبل الحرائق، وعدد سكان كل مقاطعة، وتحركات هؤلاء السكان التي استخلصوها من بيانات “فيسبوك”.

تقول دومينيكي إنه لا يمكن التأكد تماماً من أن حالة معينة قد نتجت عن التعرض لدخان حرائق الغابات؛ فهنالك معطيات أخرى قد تكون مؤثرة ولم تلحظها الدراسة، مثل استعداد الشخص لارتداء الكمامة، أو الاختلاط مع شخص مصاب، أو الحالة الاقتصادية والاجتماعية للفرد، أو الحالة الصحية للشخص قبل الإصابة، أو ما إذا كان المصاب قد تعرض إلى ملوثات PM2.5 في بيئته من قبل؛ مما قد يعزز من احتمال تعرضه للإصابة. تشير دومينيكي إلى أن تلك العوامل ربما تؤثر في بعض الحالات؛ ولكنها بشكل عام لا تنفي الارتباط القوي الذي وجدوه بين ارتفاع معدلات تلوث الهواء وارتفاع أعداد الإصابات بـ”كوفيد-19″.

وتختتم سارة غيبنز مقالها بالإشارة إلى وجود أبحاث أخرى تدعم هذا الارتباط؛ فقد أدى التعرض إلى دخان الحرائق في مقاطعة رينو في نيفادا عام 2020، إلى زيادة مقدارها 18% في أعداد الإصابات بـ”كوفيد-19″، وفقاً لدراسة أعدها العالم الإحصائي في مؤسسة أبحاث الصحراء دانييل كايزر الشهر الماضي. وقال كايزر في الدراسة: “إن مستويات تلوث الهواء التي شهدناها أثناء حرائق الغابات وصلت إلى مستويات فلكية”.

المصدر: ناشيونال جيوغرافيك

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة