الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

ما العقبات التي تحول دون الوصول إلى حل سياسي في الأزمة الليبية؟

كيوبوست

على الرغم من الترحيب الدولي بـ”إعلان القاهرة” بشأن وقف إطلاق النار في ليبيا، والبدء في مسار تفاوضي قائم على مرجعية أممية؛ فإن الإعلان أخفق حتى الآن في تنفيذ أول بنوده بوقف إطلاق النار مع استمرار التصعيد العسكري على الأرض.

وفي الوقت الذي اعتُبر فيه الإعلان بمثابة فرصة ربما تكون الأخيرة لتسوية الأزمة الليبية[1] التي تفاقمت في السنوات الأخيرة، مع التدخل العسكري المباشر من أطراف دولية؛ خصوصاً تركيا التي أمدت حكومة السراج بالآلاف من المقاتلين السوريين والسلاح التركي، على الرغم من قرار حظر تصدير السلاح إلى ليبيا الصادر من مجلس الأمن قبل 8 سنوات، ويتم تجديده بشكل دوري[2].

استمرار عمليات نقل مرتزقة إلى ليبيا- وكالات

ووسط عمليات التقدم والتراجع المتبادلة بين الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، والميليشيات التابعة لحكومة السراج، والتي أنهكت الليبيين خلال السنوات الماضية، مع الإخفاق في اتباع مسار اتفاق الصخيرات، أصبحت الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة الليبية تسعى لحل سياسي[3]؛ لكن الحل السياسي يواجه إشكاليات جوهرية حتى الآن في التطبيق على أرض الواقع، حتى مع “إعلان القاهرة” الذي اعتبر امتداداً لمخرجات مؤتمر برلين[4]، ويمكن إبرازها بالشكل التالي:

اقرأ أيضاً: أردوغان يواصل مغامرته “المتهورة” في ليبيا

دور جماعات الإسلام السياسي: يلعب التيار الإسلامي، وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، دوراً بارزاً في صناعة القرار الداخلي؛ سواء لدى حكومة السراج أو في الشارع، ويواجه هذا التيار مشكلة واضحة في التعامل مع أطراف دولية وعربية عديدة؛ بسبب مواقفه العدائية السابقة وخططه المدعومة حصراً من قطر وتركياً للسيطرة على أنظمة الحكم في البلاد العربية، كما أن جماعة الإخوان المسلمين كانت سبباً رئيسياً في حالة الاستقطاب السياسي التي دخلتها ليبيا، بعد سقوط نظام القذافي عدة مرات؛ نتيجة صدامها مع حكومة علي زيدان، وما تبعها من تصاعد للأزمة السياسية وبدء التصعيد العسكري[5].

يستمد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين قوتهم الآن في ليبيا من الدعم التركي بشكل مباشر، بالإضافة إلى مواقف دول الجوار الليبي المرنة مع الجماعة، كما في تونس والجزائر، وهو عكس الموقف المصري المناهض للجماعة بشكل كامل؛ الأمر الذي يعكس صداماً مباشراً بين هذه التيارات وأية مبادرات مصرية لتحقيق الاستقرار السياسي باعتبار أن القاهرة ترغب في إقصاء الإسلام السياسي من المنطقة ككل[6].

 اقرأ أيضًا: هل توصل أردوغان إلى صفقة مع ترامب حول ليبيا؟

طبيعة المجتمع الليبي وثرواته: على عكس التوحد الليبي للمطالبة بإسقاط نظام القذافي في 2011، لم يجد الفرقاء الليبيون ما يجمعهم مجدداً؛ خصوصاً مع وجود تنوع قبلي وتقسيم تاريخي للأقاليم في ليبيا، فالأراضي الليبية تضم نحو 140 قبيلة؛ الأمر الذي شكل صعوبة واضحة في التوافق على المحاصصة لكل قبيلة[7]، فضلاً عن سعي القوى الدولية المتصارعة لإدخال القبائل طرفاً في المعادلة السياسية؛ وهو ما انعكس بشكل واضح على انحيازات القبائل ومواقفها في اجتماعات ومؤتمرات، أصدرت خلالها بيانات وصل مضمونها إلى درجة التضاد استناداً إلى المواقف السياسية لكل طرف يدعمها[8].

مقر المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا – رويترز

ويكمن سر الاهتمام الدولي المكثف بالوضع في ليبيا، في الثروات الهائلة التي تمتلكها[9]، وشكلت سبباً أساسياً في استمرار الصراع وتغذيته. حتى في أصعب أوقات المعارك العسكرية، فإن عملية تصدير النفط استمرت بشكل شبه منتظم، فضلاً عن الرغبة في الاستفادة من المشاركة في مشروعات إعادة الإعمار[10]، والتي يتوقع أن تكون من أوائل قرارات أي نظام سياسي جديد سيتمكن من الوصول إلى السلطة؛ الأمر الذي يجعل الأطراف الدولية تسعى لإيصال حلفائها إلى السلطة.

اقرأ أيضًا: التهديد العثماني الجديد في “المتوسط” وشهية السلطان أردوغان للنفوذ

التدخل التركي في الأزمة: على الرغم من وجود أطراف دولية عديدة تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في الأزمة الليبية؛ فإن التدخل التركي المعلن والمنحاز لفايز السراج منذ عام 2019، عكس تحولاً استراتيجياً خطيراً في الأزمة عسكرياً، مع استمرار تدفق السلاح التركي إلى الأراضي الليبية؛ لمساندة ميليشيا السراج في الدفاع عنه، فضلاً عما تبعه من إجراءات ارتبطت بإرسال مقاتلين سوريين بحراً وجواً.

ومع إطالة أمد الصراع وفشل التدخل العسكري التركي في حسم الأوضاع على الأرض[11]، بات من الواضح تحقيق مصالح أنقرة باستمرار الصراع وليس حسمه؛ خصوصاً بعدما قام أردوغان بتحقيق تفاهمات مع روسيا في سوريا على حساب ما يحدث في ليبيا، فضلاً عن الدعم المالي الذي توفره قطر لتركيا؛ من أجل الاستمرار في المعركة العسكرية[12]، والطموح التركي بالاستفادة من ثروات الغاز الليبية الكامنة في أعماق المتوسط عبر اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين السراج وأردوغان[13].

اقرأ أيضاً: مع استمرار تدفق السلاح التركي.. “الوفاق” الليبية تعترض على مهمة الاتحاد الأوروبي

إخفاق الوساطة الأممية: على الرغم من الدور المهم الذي تقوم به الأمم المتحدة في الأزمة الليبية عبر قرارات -حتى وإن لم تنفذ غالبيتها على أرض الواقع- فإن الجهود الأممية فشلت خلال السنوات الماضية في التأثير بالحل السياسي، وهو أمر ارتبط بعدم مراعاة خصوصية الأزمة الليبية، التي لن يمكنها حلها بانتخابات فورية؛ ولكن عبر عدة مسارات يكون في مقدمتها التوافق السياسي بين الأطراف الموجودة وتنتهي بالانتخابات، وهو ما أدى إلى فشل مهمة جميع المبعوثين المكلفين بالتعامل مع الأزمة[14].

اقرأ أيضًا: لماذا يهتم الأوروبيون بالصراع في ليبيا؟

عمق الخلافات بين أطراف النزاع: تزايد عمق الخلاف بين الأطراف المقاتلة منذ انطلاق معركة تحرير طرابلس التي أعلن عنها الجيش الليبي في أبريل 2019، ففي الوقت الذي يطالب فيه الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر، بضرورة حل الميليشيات المدافعة عن حكومة السراج عسكرياً وتسليم أسلحتها، طالب السراج بضرورة عودة الجيش إلى حدود ما قبل انطلاق معركة تحرير طرابلس[15].

قوات الجيش الوطني الليبي – وكالات

وتوجَّه أصابع الاتهام إلى حكومة السراج بشكلٍ واضح بالعمل لصالح قوى أجنبية على حساب مصالح الليبيين؛ خصوصاً بعد تحالفه المعلن مع تركيا[16]، التي تسعى لتحويل ليبيا لتكون بمثابة سوريا جديدة وسط انتقادات للصمت الدولي عن الانتهاكات التي تسمح بها حكومة السراج، سواء بحق المدنيين الليبيين أو في ما يتعلق بإمدادات السلاح والمرتزقة من تركيا وسط استنكار حقوقي واسع[17].

  اقرأ أيضًا: دعم تركيا ميليشيات السراج يهدد بتدويل المعركة العسكرية في ليبيا

الخلاصة:

على الرغم من المكاسب الظاهرية التي تعتقد تركيا أنها تحققها من الانتصارات العسكرية بتقدم ميليشيات السراج مؤخراً مدعومة بالمرتزقة السوريين؛ فإن المكاسب الوقتية لن تنهي الأزمة في ظل التعقيدات السابق ذكرها، ولكنها تمهد فقط للحفاظ على تحقيق وضع سياسي أفضل للسراج ورفاقه في الخريطة السياسية الجديدة التي يجري التحضير لها راهناً، وسيكون للمعارك العسكرية دور في تحديد مكتسبات كل طرف.

وبغض النظر عن المواقف الدولية من أطراف النزاع، فإن الحل السياسي الذي يواجه العديد من العقبات سيكون البديل الوحيد للحفاظ على وحدة الأراضي الليبية وحمايتها من شبح التقسيم إلى ثلاثة أقاليم بناءً على التقسيم التاريخي القبائلي؛ الأمر الذي سيكون مهدداً لاستقرار دول الجوار، فضلاً عن انعكاساته السلبية على الليبيين أنفسهم وتبديد ثرواتهم.

المراجع

[1]https://www.ecssr.ae/reports_analysis/%D9%87%D9%84-%D9%8A%D9%82%D9%88%D8%AF-%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%AA%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3/

[2]https://www.dw.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%AD%D8%B8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%A3%D8%B5%D8%A8%D8%AD-%D9%85%D8%B2%D8%AD%D8%A9/a-52397965

[3]https://www.dw.com/ar/%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%84-%D8%AA%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%B4%D8%A7%D9%85%D9%84%D8%A9-%D9%84%D8%AD%D9%84-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7/a-52060778

[4]https://www.alarabiya.net/ar/north-africa/2020/06/08/%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%84-%D8%AA%D8%B1%D8%AD%D8%A8-%D8%A8%D8%A7%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%85%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1-%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%8A%D9%86

[5]https://www.bbc.com/arabic/interactivity/2014/05/140505_comments_libya_maitig

[6]https://www.independentarabia.com/node/125976/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D8%AD%D9%84%DB%8C%D9%84/%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%81%D8%B4%D9%84-%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A5%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1%D8%9F

[7]https://al-ain.com/article/libyan-tribes-national-project-country

[8]https://aawsat.com/home/article/2161741/%D9%85%D8%AF%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AE%D8%A7%D9%88%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D8%AA%D9%82%D8%B3%D9%91%D9%85-%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D9%84-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7

[9]https://www.afrigatenews.net/article/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%81-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A3%D9%87%D9%85-%D8%AB%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D9%8A%D8%B7%D9%85%D8%B9-%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%B1%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%D8%A7/

[10]https://www.bloomberg.com/news/articles/2019-07-08/in-battle-for-tripoli-turkey-has-billions-in-projects-at-stake

[11]https://arabic.rt.com/middle_east/1016249-%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86-%D8%AD%D8%B3%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%AC-%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D8%B3%D8%AE%D9%8A%D8%B1-%D8%A5%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%AF%D9%87-%D9%84%D9%88%D9%82%D9%81-%D9%85%D8%A7-%D9%8A%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D9%81%D9%8A-%D8%B7%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D9%84%D8%B3/

[12]https://www.mobtada.com/details/903198

[13]https://www.dw.com/ar/%D8%A8%D9%85%D9%88%D8%AC%D8%A8-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A-%D9%85%D8%B9-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%B9%D8%AA%D8%B2%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%82%D9%8A%D8%A8-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7/a-53624197

[14]https://www.ecsstudies.com/7044/

[15] https://www.ecsstudies.com/6339/

[16]https://www.independentarabia.com/node/87766/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA/%D8%AD%D9%81%D8%AA%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%AC-%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A8-%D9%85%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC-%D9%8A%D8%B9%D9%85%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%86%D8%A7%D8%B2%D8%B9%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7

[17] https://www.albayan.ae/one-world/arabs/2020-06-09-1.3879904

 اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة