
خاص كيو بوست –
مرت سنوات ثلاث وأكثر على الحرب التي أطلقها التحالف العربي بقيادة السعودية ضد الميليشيات الحوثية في اليمن؛ دعمًا للحكومة الشرعية التي انقلبت عليها، ووقوفًا في وجه الأطماع الإيرانية بجزيرة العرب عمومًا، فيما ينشدُ اليمنيون مخاضًا سريعًا لهذه الحرب، أملًا بلجم الحوثيين ووضع حد للأيدولوجيا التي دمّرت وقسّمت بلدًا عُرف قديمًا باليمن السعيد.
إيقاف التمدد
الكاتب الصحفي اليمني المقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة علي الزكري يرى في حديث خاص لـ”كيو بوست” أن الأمور على الأرض لم تتغير كثيرًا رغم دخول حرب اليمن عامها الرابع، باعتبارها ضرورة ملحة لإيقاف التمدد الإيراني في اليمن خصوصًا، والجزيرة العربية عمومًا.
ويعلل الزكري تأخر الحسم العسكري، بالقول إن المشكلة الرئيسة تكمن في خوف التحالف العربي على حياة المدنيين في كل من العاصمة صنعاء وكذلك مدينة الحديدة، إضافة إلى بعض المناطق الأخرى التي يسيطر عليها الحوثيون، ناهيك عن المشكلة الأخرى المتمثلة في عدم جنوح هذه الجماعة للسلم حتى الآن، وعدم قبولها كل الحلول التي قدمت لإنهاء الحرب والعودة إلى ما قبل الانقلاب؛ فهدف الحرب بالمحصّلة، هو إلغاء الانقلاب الحوثي على الشرعية والتوافق اليمني، الذي تجسّد في مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته.
بَيدَ أن الزكري يؤكد أن بعد كل هذه السنين، لن يقبل اليمنيون أن تنتهي الحرب عند النقطة التي بدأت عندها؛ بمعنى أنهم يرفضون أن تنتهي بتثبيت سلطة الحوثيين، أو أن يأخذوا أكبر من حجمهم في اليمن. ويضيف: “إذا لم يكن هناك قناعة لدى الجماعة ومن يدعمها بأنه لا طائل من هذه الحرب، وأنه لن يكون بإمكانهم حُكم “أرض سام”، ما يعني خضوعهم للسلم والعودة إلى ما توافق عليه اليمنيون جميعًا، فإن هذه الحرب ستطول”.
ولهذا، يعتقد الصحفي علي الزكري أنه من الصّعوبة بمكان، الحديثُ عن نهاية وشيكة لحرب اليمن، غير أن التحالف العربي يعمل جاهدًا في هذه الأثناء على مسارين لحسم الحرب؛ الأول، يتمثل في تحقيقه تقدم كبير على جبهة الساحل، والثاني، عبر التقدم في الداخل اليمني باتجاه صعدة (معقل الحوثيين) والعاصمة صنعاء. لكن الزكري يشير إلى عقبة مرتبطة بـ”الخط الأحمر الدولي” على دخول صنعاء حرصًا على المدنيين، إلا أن التحالف يعمل بقوة إلى جانب القوات الشرعية (برًا) باتجاه محور محافظتي صعدة والبيضاء.
وفي حال تم إحكام السيطرة على الساحل الغربي والبيضاء، بالتوازي مع تهديد الحوثيين وتشديد الخناق عليهم في صعدة، فإن هذا الظرف سيدفع الجماعة إلى نوع من المراجعة، والنزول عن الشجرة، وبالتالي الخنوع للحل السياسي، كما يعتقد الزكري.
وحول ما إذا كنا قريبين من هذه الغاية، يقول علي الزكري في تصريحاته الخاصة لـ”كيوبوست”: “ليس هناك أحد يستطيع أن يقول إننا اقتربنا أو لم نقترب إلى الحد الذي يتيح إمكانية الضغط على الحوثيين، حتى يعودوا عن انقلابهم. ولكن لا خيار إلا السير بهذا الاتجاه، خصوصًا عندما نتحدث عن جماعة تتعاطى بتشدد حتى اللحظة“. ويتابع الزكري: “هناك تقدم عسكري لقوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي، لكن المشكلة تكمن في أن هذا التقدم ليس مستدامًا وغير محمي، فلا يتم حماية هذا التقدم وتعزيز تواجد الحكومة الشرعية بشكل قوي في المناطق التي تُحرّر”.
لا أفق واضحًا
ويذهب المحلل السياسي اليمني نبيل البكيري إلى النتيجة ذاتها في الاعتقاد أن نهاية الحرب في اليمن بعيدة المنال، مفسرًا ذلك بدخول الحرب مرحلة من التعقيدات الكبيرة في إطار عدم الحسم النهائي مع الانقلاب الحوثي، لتُضاف إلى تعقيدات ثانوية تمثلت في النزاعات التي تنشأ بين الأطراف اليمنية المفروض أن تكون في صف واحد لمواجهة الحوثيين.
ويضيف البكيري في تصريحاته الخاصة لـ”كيو بوست” أن هذه النزاعات تترافق مع “ظاهرة” أنصار الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح -الذي قتله الحوثيون قبل أشهر- في كثير من المناطق، الأمر الذي يطيل أمد الحرب، بدلًا من أن يوحّد جميع القوى في وجه الحوثيين.
لذا، لا يعتقد البكيري أن هناك أفقًا واضحًا لمآلات الحرب النهائية، وماهية الخارطة السياسية في قادم الأيام، الأمر الذي يزيد من ضبابية المشهد اليمني؛ فالحوثيون يواصلون تحكمهم بمناطق السيطرة في الهضبة الشمالية من اليمن، في ظل تشتت قوة الفاعلين على الأرض، ما أدى إلى تقوية ورقة الحوثيين على حساب الحكومة الشرعية والتحالف العربي.
الاستقواء بإيران
من جهته، قال رئيس مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية الدكتور عمر الحسن لـ”كيو بوست” إن الحرب في اليمن طالت ولا مؤشر على قرب انتهائها؛ ذلك أن المشاكل تتطور، والمتمردون الحوثيون يطلقون صواريخ باتجاه السعودية، بفعل دعم إيران وأتباعها. ويضيف الحسن أن حرب اليمن لم يكن أحد يتوقعها في يوم من الأيام، موضحًا أن الحرب الجوية مهمة لمساندة القوات البرية في وجه الحوثيين، لكن المعضلة هي أن الأولى تطغى أكثر من الثانية، ما يعني أن القوات البرية تحاول التقدم وحسم المعركة ضد الحوثيين، بصعوبة.
ويشدد سفير الجامعة العربية سابقًا في لندن ودبلن عمر الحسن على: “أننا نريد أن تتحقق نجاحات متوازية جوًا وبرًا لإنهاء الانقلاب الحوثي، والتعديات التي تتهدد الخليج العربي في مجمله، ناهيك عن تهديدات حوثية مستمرة بإطلاق صواريخ اتجاه دولة الإمارات أيضًا”.
ويضيف: “نريد أن تنتهي الحرب إما عبر تدخل الجامعة العربية أو عبر تدخل دولي من بوابة مجلس الأمن لوقف التمرد الحوثي”.
وفي ظل خطاب حوثي متشدد، والإصرار على الارتباط بأجندات عابرة للحدود، يضيف الحسن: “لم نرَ أو نسمع أي شخصية حوثية مستعدة للتنازل عما وصلت إليه في حكم اليمن، والدليل أن مارتين غريفيثس هو المبعوث الثالث للأمم المتحدة إلى اليمن، الذي يحاول إقناع الحوثيين بالعودة إلى الاتفاقيات السابقة والجلوس على طاولة الحوار، ولكن دون جدوى، والسبب هو استقواء الحوثيين في رفضهم، بالدعم الإيراني حتى اللحظة.
وبالرغم من ذلك، يُجمع مراقبون على أن هناك أصواتًا حوثية خافتة جدًا، أو تخشى أن ترفع صوتها، ترى أنه لا بد من نزول جماعتهم عن الشجرة، وأن يعودوا عن انقلابهم، لوضع نهاية للحرب التي لن تجلب إلا مزيدًا من الآلام للشعب اليمني… ولكن “أما آن لهذه الأصوات الحوثية أن تعلو؟!”