الواجهة الرئيسيةاليوم الوطني السعوديشؤون خليجيةشؤون عربيةمقالات

ما الذي قد يتطلبه انضمام المملكة العربية السعودية إلى عملية التطبيع مع إسرائيل؟

كيوبوست- خاص

د.نمرود غورين♦

في العام الذي تلا توقيع إسرائيل اتفاقيات التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين ثم مع المغرب، ناقش الإسرائيليون مراراً ما إذا كانت المملكة العربية السعودية ستكون الدولة التالية. وعلى الرغم من فرص السياحة والأعمال التجارية الناشئة بالنسبة إلى الإسرائيليين في الإمارات، والروابط الثقافية الفريدة لإسرائيل مع المغرب؛ فلا يزال الكثير من الإسرائيليين يعتبرون المملكة العربية السعودية بمثابة الجائزة الكبرى في عملية التطبيع.

وقد أكدت ذلك استطلاعات الرأي التي أُجريت في الأشهر التي أعقبت توقيع اتفاقيات إبراهيم. وأظهر مؤشر السياسة الخارجية الإسرائيلية التابع لمعهد ميتيفيم، أن المملكة بالنسبة إلى الإسرائيليين هي أهم دولة عربية لتطوير التعاون معها. وفي استطلاع لمبادرة جنيف، صنَّف الإسرائيليون المملكة العربية السعودية والفلسطينيين في مرتبة متقدمة كثيراً على الدول العربية الأخرى من ناحية كونهما الهدف الأكثر أهمية لاتفاقيات السلام المقبلة مع إسرائيل.

اقرأ أيضًا: في ذكرى اليوم الوطني الحادي والتسعين للمملكة العربية السعودية.. نضج وثقة في مواجهة التحديات

قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020، وقبل مغادرة ترامب البيت الأبيض في يناير 2021، وقبل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة في مارس 2021، أعربت إسرائيل عن أملها في أن يقوم السعوديون بخطوة دراماتيكية باتجاه التطبيع. وقد عززت تقارير ظهرت في نوفمبر 2020 حول اجتماع ثلاثي بين نتنياهو ومحمد بن سلمان وبومبيو، هذه الآمال بشكل كبير، وخلقت الشعور بأن إعلان التطبيع من قِبل الرياض بات مسألة وقت.

المناظرة بين بايدن وترامب قبل انطلاق سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية- أرشيف

لكن هذه الآمال لم تتحقق، وأصبحت الخطوة السعودية أبعد منالاً خلال الأشهر الأخيرة. وحظيت وجهات النظر السعودية المتعددة حول إسرائيل بمزيد من الاهتمام الدولي بعد الاجتماع مع نتنياهو، وموقف الإدارة الأمريكية الجديدة في قضية مقتل خاشقجي، كما فتح السعوديون قنوات حوار مع إيران؛ مما يعكس توجهاً مختلفاً عن التوجه الإسرائيلي.

فهل يشير ذلك إلى نهاية الزخم نحو إقامة علاقات سعودية- إسرائيلية؟ ليس بالضرورة؛ ولكن التصريحات السعودية المتكررة التي تربط التقارب مع إسرائيل بتقدم عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية تدل بوضوح على مفتاح باب التطبيع.

اقرأ أيضًا: عام على “اتفاقات إبراهام”.. شراكات وتفاهمات تختصر المسافات

إن الالتزام السعودي بالقضية الفلسطينية ليس مجرد كلام؛ وقد انعكس ذلك في مبادرات السلام التي روَّج لها السعوديون على مدى عدة عقود، مثل خطة الملك فهد قبل 40 عاماً (1981)، ومبادرة السلام العربية قبل نحو عشرين عاماً (2002). كان نتنياهو يأمل في أن يغير السعوديون اتجاههم ويظهروا استعدادهم للمضي قدماً في إقامة علاقات مع إسرائيل دون ربط ذلك بالقضية الفلسطينية؛ ولكن على الرغم من بعض المؤشرات التي تدل على جدوى مثل هذه الخطوة، فقد امتنع السعوديون عن اتخاذها في نهاية المطاف. وعلى الرغم من ذلك؛ فقد قاموا بخطوات تصالحية تجاه إسرائيل خلال العقد الماضي. وقد خلقت سلسلة من الخطوات التدريجية واقعاً جديداً في العلاقات السعودية- الإسرائيلية بطريقة تعيد إلى الذاكرة الصياغة التدريجية للعلاقات الإسرائيلية- الإماراتية خلال الفترة الماضية.

وقد شملت هذه الخطوات السعودية التنسيق الأمني مع إسرائيل بشأن إيران، ومقابلات مع شخصيات سعودية وإسرائيلية في وسائل إعلام كل من البلدين، والرسائل الإيجابية التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة مسؤولين سعوديين سابقين كبار في الحوارات الاستراتيجية والمؤتمرات مع نظرائهم الإسرائيليين، والوفود غير الرسمية التي زارت القدس والمسجد الأقصى، وإجراءات بناء الثقة التي قام بها الزعماء الدينيون (بما في ذلك زيارات إلى معابد يهودية في الخارج ومجمع أوشفيتز) [معسكر اعتقال نازي في بولندا، قُتل فيه آلاف اليهود- المترجم] والاعتراف بحق اليهود في إقامة دولة خاصة بهم، والإشارات العلنية إلى العوائد الاقتصادية للعلاقات مع إسرائيل، والسماح للرحلات الجوية من وإلى إسرائيل بالمرور في الأجواء السعودية (الخطوط الجوية الهندية في بادئ الأمر، ثم السماح لبقية شركات الطيران بعد توقيع اتفاقيات إبراهيم)، وأخيرًا أول لقاء رياضي بين الدولتَين (مباراة الجودو) في أوليمبياد طوكيو.

لاعبة الجودو السعودية تهاني القحطاني في مباراتها ضد نظيرتها الإسرائيلية راز هيرشكو في أوليمبياد طوكيو- وكالات

على مر السنين كانت هذه الخطوات محكومة من حيث نطاقها ومدى عمقها بالتطورات الإقليمية والاعتبارات الداخلية السعودية. وعلى الرغم من غياب إسرائيل عن الفعاليات الدولية التي تُقام في المملكة العربية السعودية -وهي سمة رئيسية كانت عاملاً رئيسياً في انفتاح الإمارات العربية المتحدة على إسرائيل- فإن العديد من مبادرات حُسن النية كان لها تأثير واضح على القيادة والشعب والمجتمع الدولي، وسلطت الضوء على آفاق العلاقات السعودية- الإسرائيلية المستقبلية، وأسهمت إلى حد ما في إزالة التابو عن مثل هذه العلاقات.

لقد كان الاختراق في علاقات إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة ممكناً بفضل التنازل الإسرائيلي بشأن القضية الفلسطينية (التخلي عن خطة لضم أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية). وستكون خطوة إسرائيلية إيجابية باتجاه حل النزاع مع الفلسطينيين ضرورية لتمكين وإضفاء الشرعية على قرار سعودي بالانضمام إلى عملية التطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وستكون الذكرى العشرون القادمة لإطلاق مبادرة السلام العربية فرصة سانحة لمثل هذا التطور. ويجب أن تبدأ الاستعدادات لتحقيق هذا الهدف من الآن.

اقرأ أيضاً: الأسس الدينية للسلام العربي- الإسرائيلي

يرى العديد من المراقبين أن مبادرة السلام العربية والوثائق الرئيسية الأخرى المتعلقة بحل الدولتَين التي تم تقديمها في مطلع الألفية (بما في ذلك معايير الرئيس كلينتون وخريطة الطريق الرباعية) قد عفَّى عليها الزمن، وأصبحت غير واقعية. ويرجع ذلك إلى التطورات الإقليمية بعيدة المدى التي حصلت خلال العقدَين الماضيَين، والتي لم تنعكس في هذه الوثائق؛ مثل الربيع العربي وتداعياته، وتطبيع الدول العربية مع إسرائيل، والانقسام بين غزة والضفة الغربية.

تمت مراجعة مبادرة السلام العربية مرة واحدة فقط، ثم بشكل جزئي عندما وافق العالم العربي عام 2013 على مبدأ تبادل الأراضي بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية. وتم تقديم عدة اقتراحات إلى جامعة الدول العربية منذ ذلك الوقت؛ لمراجعة المبادرة وتحديثها، ولكن لم يتم العمل بهذه الاقتراحات حتى الآن. وبصفتها صاحبة المبادرة العربية الأصلية، يمكن للمملكة العربية السعودية أن تكون في قيادة إجراء مثل هذه المراجعة. ويمكن لمبادرة سلام عربية جديدة أن تكون حافزاً قوياً للسلام؛ خصوصاً إذا ما تم تقديمها كجزء من حزمة دولية أوسع من الحوافز لصنع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

مراسم توقيع اتفاقية السلام التاريخية بين الإمارات وإسرائيل – وكالات

وفي هذه المرة، وبالنظر إلى نسيج العلاقات العلنية بين إسرائيل وعدد متزايد من الدول العربية الذي لم يكن موجوداً عند تقديم المبادرة العربية الأصلية في ذروة انتفاضة الأقصى، فقد أصبح من الممكن صياغة نسخة جديدة منها من خلال حوار هادئ مع الحكومة الإسرائيلية. ويمكن لهذا الأمر أن يضمن استجابة إسرائيلية إيجابية بمجرد الإعلان عن النسخة المعدلة. والحكومة الإسرائيلية مضطرة للقبول بالمبادرة كما هي، ومن المرجح أنها لن تفعل ذلك؛ لكن يمكنها على الأقل أن ترحب بنشر نسخة معدلة منها، وأن تعبر عن استعدادها لفتح حوار بشأنها مع الدول العربية.

غالباً ما تجنبت المملكة العربية السعودية محاولات سابقة لتقديم مبادرة السلام العربية لإسرائيل، وتركت الأمر لمصر والأردن؛ ولكن نشر نسخة معدلة من المبادرة والحاجة إلى شرحها للجمهور الإسرائيلي والقيادة الإسرائيلية سيتيح للسعوديين الفرصة لإضفاء الشرعية على التواصل العلني مع إسرائيل بسبب ارتباط هذا التواصل بالقضية الفلسطينية. كما سيسمح بعقد قمة إقليمية لمناقشة المبادرة الجديدة بمشاركة إسرائيل والفلسطينيين والمملكة العربية السعودية. إن نجاح مثل هذه القمة وما يترتب على ذلك من استعداد إسرائيل لاستئناف العملية الدبلوماسية مع السلطة الفلسطينية بمساعدة ممارسات دبلوماسية بارعة، ربما ينضج الظروف لإقامة علاقات سعودية- إسرائيلية.

اقرأ أيضاً: اتفاق إبراهيم يعيد صياغة الصراع ويعزل المتطرفين الإقليميين

إن المملكة العربية السعودية التي تحتفل بعيدها الوطني هذا الشهر، منخرطة حالياً بتطبيق رؤية جديدة للبلاد حتى عام 2030. واتخاذ خطوة جديدة لضخ زخم جديد في عملية سلام إسرائيلية- فلسطينية وتمكُّن إسرائيل والمملكة من البدء في جني ثمار التعاون الثنائي، سوف يضيف بعداً جديداً في غاية الأهمية لهذه الرؤية؛ ليس للمملكة العربية السعودية فحسب بل لإسرائيل أيضاً والفلسطينيين والمنطقة برمتها.

♦رئيس ومؤسس مركز ميتيفيم- المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية، وأستاذ دراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية في القدس، وعضو الهيئة التدريسية في برنامج جامعة سيراكيوز لتطوير الأبحاث حول الصراع والتعاون.

لقراءة الأصل الإنكليزي: What Might it Take for Saudi Arabia to Join

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة