الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون عربيةمجتمع
السويدي.. إخواني تائب يكتب قصته في “كبنجارا”

كيوبوست
ما أحلى الرجوع إلى الوطن.. جملة لم ينطق بها لسان المواطن عبدالرحمن صبيح السويدي، لكن نطقت بها كل جوارحه وهو يعود إلى أحضان الوطن بعد تجربته مع تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي.
عاش السويدي في دهاليز تنظيم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، تربَّى فيها صبيًّا وتدرَّج حتى أصبح من أعضاء شورى “الإخوان”، قاد خلايا تنظيمية، انتقل عبر البلاد يحمل فكر الإخوان ويجنِّد للتنظيم كل مَن يستطيع تجنيده، شاهد تآمر قطر على وطنه، أدهشه إصرار تركيا على تدمير بلده، فكان لابد له أن يراجع نفسه وأفكاره.. ليس هذا فقط، بل يبلغها لمَن بعده ليكون لهم العبرة والعظة؛ فقرر الحديث عن أسرار تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية.
مَن هو عبدالرحمن صبيح السويدي؟ وما علاقته بتنظيم الإخوان؟
هو عبدالرحمن خليفة صبيح السويدي، ولد في إمارة دبي عام 1964، التحق بمدرسة المهلب الابتدائية عام 1970، ثم التحق بمدرسة طارق بن زياد الإعدادية عام 1976. وفي هذا الوقت كان نشاط تنظيم الإخوان يتوغَّل في المدارس؛ تحديدًا بعدما تم إشهار جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي في العام 1974.
انتقل عبدالرحمن بن صبيح إلى مدرسة ثانوية دبي، وهناك مارس دوره كشاب يؤمن بأفكار الإخوان التي تعرَّف عليها من خلال جمعية الإصلاح.
انضم الشاب عبدالرحمن صبيح إلى تنظيم الإخوان الإرهابي رسميًّا، وأظهر انضباطًا شديدًا بتنفيذ تعليمات قادة الإخوان، ومن ثَمَّ أصبح مسؤولًا عن لجنة العمل الطلابي في دبي، وصار كذلك نقيبًا لأكثر من أسرة (خلية تنظيمية).
خلال النصف الثاني من العام 1987، أنشأت جمعية الإصلاح اللجنة الإسلامية للإغاثة، السفير المتجول، التي كانت مجلة “الإصلاح” توليها اهتمامًا كبيرًا في كل عدد، وتفرد لها مساحة كبيرة من الأخبار والتقارير. سرعان ما وجد عبدالرحمن في العمل الإغاثي والخدمي فرصة للعمل والحركة.
أهداف سرية
تدرَّج عبدالرحمن في المناصب الإدارية في جمعية الإصلاح؛ حتى صار عضو مجلس شورى الجمعية؛ وهو ما يقابل عضو شورى تنظيم الإخوان في التنظيم الأم.
اكتشفت الإمارات أهداف التنظيم السرية الخبيثة والهدامة؛ ففي يناير 2013، أحال النائب العام لدولة الإمارات العربية المتحدة، سالم سعيد كبيش، 94 متهمًا إماراتيًّا، إلى المحكمة الاتحادية العليا، في قضية التنظيم الذي استهدف الاستيلاء على الحكم، بعد تحقيقات أجرتها النيابة العامة.
كان عبدالرحمن صبيح ضمن المتهمين، فصدرت له التعليمات من المراقب العام للإخوان بالإمارات سلطان بن كايد، بالهروب؛ ففرّ إلى عمان ومنها إلى اليمن، تحت غطاء العمل الإغاثي، ثم تلقَّى دعوة من الإماراتي الهارب حسن الدقي، بالتوجه إلى تركيا. وبالفعل انتقل إليها في العام 2014.. ولأسباب لم يفصح عنها ترك تركيا وعاد إلى اليمن. لم يمكث كثيرًا في اليمن؛ إذ انتقل منها إلى جنوب شرق آسيا، إلى إندونيسيا تحديدًا، مستغلًّا المؤسسات الإغاثية التي يجيد التعامل معها.
وهناك، أراد أن يستقر بعيدًا عن مطاردة الإنتربول وأعيُن الدولة الإماراتية، فنصحه أحد الإخوان بإصدار بطاقة هوية يمنية (مزيفة) لشخص حضرمي، وأن يستقر في جزيرة “باتام” الإندونيسية؛ ليكون وجوده طبيعيًّا ولا يلفت الانتباه إليه.
وذات ليلة في أثناء تجواله أوقفه أحد الضباط الإندونيسيين، وطلب منه إثبات الهوية، فأخرج عبدالرحمن له بطاقته المزيفة، فاشتبه فيه، وألقى القبض عليه هناك.
وعند التحقيق معه ظهرت حقيقة التزوير؛ فقال الضابط لمعاونه “KE PENJARA” (كِبِنْجارَا) التي تعني “خذوه إلى السجن” بلغة “الملايو”، وهذه الكلمة سيكون لها تأثير كبير على حياته في ما بعد.
الدين والدولة
في السجن وبعيدًا عن تأثيرات التنظيم، وملاحقة أعضائه له، خلا عبدالرحمن صبيح بنفسه وأفكاره، وسأل نفسه آلاف المرات: هل هذا ما كان يسعى إليه؟ وهل ما يسعى إليه لصالح الدين والدولة؟ ولماذا تسعى قطر وتركيا لتدمير الإمارات؟! ولماذا تموِّل قطر كل الحركات الهدامة في المنطقة؟!
كل هذه الأسئلة وغيرها ظلت تراود الرجل في سجنه، وبعدما سلمته إندونيسيا عبر الإنتربول إلى دولة الإمارات، في ديسمبر 2015، شن التنظيم الإخواني الإرهابي حملة ضد الإمارات، كلها أكاذيب؛ إذ أظهر عبدالرحمن صبيح مختطفًا ومقطوع اليدَين، وأنه يتلقَّى التعذيب يوميًّا؛ مما دفعه إلى مراجعة نفسه وأفكاره، ووجوده في تنظيم سري كاذب.
دوَّن عبدالرحمن صبيح تجربته ومراجعاته في كتاب اختار أن يكون عنوانه تلك الكلمة التي قالها الضابط له يوم ألقى القبض عليه في إندونيسيا (كِبِنْجارَا).
خرج عبدالرحمن صبيح السويدي إلى الإعلام في لقاءات ثلاثة؛ الأول في قناة “أبوظبي” عام 2017، وكان تكذيبًا لكل افتراءات التنظيم حول عملية تعذيبه، وشرح السويدي بشكل حقيقي لا افتراضي كيف أثَّرت المعاملة الحسنة والإنسانية في إزالة الغشاوة عن عينَيه؛ فأبصر الحقيقة واضحةً.
واللقاء الثاني كان في مارس عام 2019، بعد صدور كتابه (كِبِنْجارَا)، في تسجيل مصوَّر على قناة “الإمارات”، والتي عقدت استوديو تحليليًّا لكلمات الإخواني التائب؛ شارك فيه د. عمار علي حسن الكاتب والباحث في العلوم السياسية، والأستاذ عبدالله ماجد آل علي المدير التنفيذي لقطاع الكتب بالإنابة ورئيس معرض الكتاب في أبوظبي. في هاتين المرتَين كان عبدالرحمن صبيح لا يزال قيد التوقيف، ويمضي عقوبته كمدان في قضية تنظيم الإخوان المسلمين.
أما اللقاء الأخير على قناة “الشارقة“، والذي أذاعته جميع قنوات الإمارات، بعد أن حصل على عفو من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ضمن مجموعة من السجناء أمر سموه بالعفو عنهم بداية شهر رمضان الماضي.
خلاصة المراجعات الفكرية والتنظيمية
ويمكن حصر النقاط الرئيسة في كل لقاءاته في النقاط التالية:
- البدايات في الإخوان تختلف عن النهايات؛ فالبدايات براقة وجميلة، يملؤها الأمل في الإصلاح، وتشوبها العاطفة المتدفقة، وينقصها كثير من التعقل والوعي.
- الانضمام إلى مثل هذه التنظيمات في بداية العمر وفي مرحلة الصبا من الأخطاء التي يدفع الإنسان ثمنها غاليًا عندما يكتشف الحقيقة متأخرًا.
- قلة الوعي وعدم إدراك النهايات يؤجلان الانفصال عن التنظيمات السرية.
- الانتماء لا يكون إلا إلى الوطن والبيعة لا تكون إلا لرئيس الدولة، وأية بيعة وانتماء يتناقضان مع الوطن هما شر محض لا يعود بالنفع لا على الوطن ولا على الفرد.
- السرية وغير القانونية أمران سيئان، وثغرتان ينفذ منهما الآخرون لتدمير المجتمع وأفراده.
- الاعتراف بالخطأ أمر محمود؛ لأخذ العبرة لعدم تكرار التجربة والأخطاء ثانيةً.
- لا وقت محدد بالضبط نعده مقياسًا لتكشُّف الحقائق؛ فهناك مَن اكتشف حقيقة الإخوان وخطرهم بعد سنوات قليلة، وهناك مَن اكتشفها بعد سنوات أكثر.. وهكذا. وهذا يعود إلى تجربة كل إنسان.
- إن أسوأ ما يمر به أعضاء الإخوان هو تلك الحالة من التغييب والانقياد التام في شبكة التنظيم من دون أي إدراك أو وعي بحقيقة وأهداف هذا التنظيم الإرهابي الشيطاني.
- أغلب المنضمين أو المتعاطفين مع “الإخوان” يغيبون عن الأجندات الحقيقية -والتي تبقى محصورة في الأعضاء الرئيسيين- والمرتبطة بعدائية مفرطة للدول والرموز الوطنية.
- إن التنظيم أمعن في ترسيخ صورة ذهنية كاذبة هدفت إلى كسب التأييد والتعاطف الشعبي عبر مشروعات يصفونها بـ”الخيرية”؛ كبناء المساجد وحفر الآبار في مناطق معينة ومدروسة بهدف كسب قاعدة جماهيرية في تلك المناطق تؤمِّن حصولهم على الأصوات الخاصة بالانتخابات السياسية والبرلمانية والنقابية في تلك الدول والمناطق، والغاية تحقيق أهداف خبيثة أول مَن يتضرر بها هو المواطن البسيط الذي أسهم من دون أن يعي في دعم تلك الجماعة بالتبرع تحت شعارات “فعل الخير” و”الأجر والثواب”.
- وأكد أن النظام القطري أكبر مكان للإساءة إلى الإمارات، ويعمل على شرعنة تنظيمات الإخوان المخالفة للقانون في بلدانها عبر منحها غطاء العمل الخيري؛ لتنفيذ أجندته في دولها.
- وأن تنظيم الإخوان يُدار بطريقة مركبة لا تسمح بمناقشة الأوامر التي تصل من المركز إلى الأفرع المنتشرة في مختلف الدول، والتي لا تملك خيارًا غير الانقياد والامتثال التام للأوامر التي تصدر من القيادة المركزية للإخوان.
- قدم عبدالرحمن صبيح نصيحته إلى المنضمين والمتعاطفين مع الإخوان المسلمين، مشيرًا إلى أن تجربته التي امتدت لأكثر من 30 عامًا تُشَكِّل نموذجًا كافيًا لمَن أراد أن يتّعظ.
- نصيحته للشباب: إياكم والعمل غير القانوني والسري، على الرغم من بريقه؛ لأنه يحمل الخسارة في نهايات العمر.
ومع خروج أية قيادة إخوانية تثور أسئلة منطقية، لماذا خرج ولماذا انضم من الأساس؟ وكيف اكتشف حقيقة التنظيم الخبيث؟ ولماذا الآن؟ وهل يمكن أن تكون توبة أحد قيادات الإخوان حقيقية بعد كل هذا العمر؟ وما الرسالة التي يحملها الإخواني العائد إلى الوطن والمفارق للتنظيم؟
تأثير قوي
في تصريح أدلى به إلى “كيوبوست” حول توبة عبد الرحمن صبيح السويدي، قال د. عمار علي حسن، الكاتب والمحلل السياسي: “تمثل حالة توبة القيادي الإخواني عبدالرحمن صبيح، أهمية كبرى؛ فهي أول حالة لقيادي خليجي يعترف علنًا أنه أخطأ وأضاع عمره في تنظيم الإخوان المسلمين، كما أن هذه التجربة في المراجعات دونت في كتاب؛ ما يجعلها ذات تأثير قوي”.

وحول ما إذا كانت هذه التوبة حقيقية، أفاد د. عمار علي حسن أن “تجربتنا مع التيار الإسلاموي ومع المراجعات الفكرية ليست مشجعة؛ فكثير منهم كانت مراجعاته داخل فضاء التجربة، ولم تتجاوز تصويب الحركة في تطبيق الأفكار الإسلامية، ولعل تجربة مراجعات الجماعة الإسلامية في التسعينيات، هي التي تسببت في عدم الثقة في أية مراجعة. واستقر في يقيني بعد الاطلاع على ما دوَّنه عبدالرحمن صبيح في كتابه (كِبِنْجارَا)، أنها مراجعة حقيقية وأنها قطيعة معرفية صادقة مع أفكار الإخوان المسلمين. والذي ساعد الرجل على هذا أنه طيلة وجوده في جماعة الإخوان كان منشغلًا بالعمل الحركي التنظيمي المرتبط بالإغاثة، لهذا مع قليل من التفكير ومراجعة صادقة كانت كافية لكشف حقيقة الإخوان والدور المشبوه الذي قاموا به”.
وتابع الكاتب والمحلل السياسي: “أما في مصر فكانت مراجعات الجماعة الإسلامية، مجرد إعادة التأويل والتفسير لأفكار الإسلاميين؛ لإعادة التموضع في الخريطة الإسلامية، وليست مراجعات في الجذر الفكري”.

حقيقة التنظيم
وفي السياق ذاته، صرَّح محمد الحمادي الكاتب والصحفي الإماراتي وصاحب كتاب “خريف الإخوان”، لـ”كيوبوست”، بأن “خروج أعضاء رئيسيين وتأسيسيين له تأثير كبير على الشباب وعلى باقي أعضاء التنظيم؛ لأنه يكشف لهم حقيقة التنظيم وما تورطوا فيه، ليس من الخارج بل من داخلهم.. كما لا ننسى أن الإخوان يعتمدون في دعايتهم على تماسكهم وقوة القيادات فيهم؛ باعتبار أن هذا دليل على صواب منهجهم، هم يتربون على أنهم لا يتزعزعون عن مواقفهم”.
وتابع الحمادي: “عبدالرحمن صبيح كان شجاعًا بالقدر الكافي لأن يكشف الوجه القبيح لهذا التنظيم الذي أصبح يعاني كثيرًا؛ بسب خروج قياداته وكشفهم عن الدور غير الوطني الذي يقوم به الإخوان”.
وأكد الكاتب والصحفي الإماراتي أن توبة عبدالرحمن صبيح حقيقية وصادقة؛ فتجربته إنسانية جدًّا، نلمس صدقها في كلماته وهو يقدم نصائحه لمَن بعده، مضيفًا: “طبعًا هناك كثير من الذين تركوا التنظيم لم يكونوا صادقين في الخروج، وكثيرًا ما سقطت أقنعتهم الكاذبة في المواقف الجادة، لكن حالة عبد الرحمن أشعر بصدقها”.
وأشار الحمادي إلى أن هذه الاعترافات سيكون لها تأثير كبير على الشباب الإماراتي، فعبدالرحمن صبيح الذي انخرط مع التنظيم وهو شاب، قادر على نقل تجربته بنفس الأحاسيس الخادعة التي شعر بها، وقادر على تفكيك الخطاب الذي تم تجنيده به، واكتشف خديعته؛ فضلًا عن أن تأتي الحقيقة في نهاية العمر، ومع تأكيده أن الإخوان سرقوا عمره، مشيرًا إلى أن كل هذا كافٍ لأن يكون عبرةً لكل شاب أراد أن ينتمي إلى تلك التنظيمات.
واختتم الكاتب والصحفي الإماراتي حديثه لـ”كيوبوست” بأن “على دولة الإمارات أن تستثمر حالة عبدالرحمن صبيح لتقديم نموذج جيد لقبول الوطن كل مَن يعود إليه، ومعلوم أن كثيرًا من أفراد تنظيم الإخوان يخشون الخروج منه؛ لأن كل مَن خرج عن التنظيم تم تشويه سمعته، ومضايقته في أماكن عمله، ومطاردته بكل قبيح، وإذا قابلتهم الدولة بالترحاب سيكون هذا دافعًا لمزيد من الخروج والعودة إلى حضن الوطن”.