الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة

ما أجمل أن يكون المستقبل بلا سيارات!

كيوبوست- ترجمات

فرهاد مانجو♦

في السنوات القليلة الماضية، أصبحتُ أشعر بخيبة أمل متزايدة بشأن السيارات المسيطرة في كل مكان في البلاد. فقد أصبحت حركة المرور أمراً جنونياً في نيويورك التي لا أعيش فيها؛ لكني غالباً ما أزور مانهاتن، وحركة المرور هناك كانت بطيئة بشكلٍ قياسي قبل الفيروس. فقد كان متوسط السرعة في وسط المدينة لحركة 4 سيارات هو 5 أميال في الساعة، وهو معدل أبطأ من ركوب دراجة وأسرع قليلاً من المشي.

وكانت حركة المرور هي الأمر الأول الذي شغلني، أما الأمر الثاني فهو أنني أمضيت وقتاً طويلاً في متابعة ما كانت صناعة التكنولوجيا تحاول فعله لتطوير السيارات. وكما تعلمون، فإن العقد الماضي كان عقد السيارات وصناعة التكنولوجيا. لذا ففي عام 2009، أصبح لدينا “أوبر” التي قادت الطريق إلى مشاركة السيارات. وبالنظر إلى السيارات من حولك، فلن تكون مضطراً لشراء سيارة، يمكنك أن تشتري فقط وقتاً جزئياً في سيارة.

اقرأ أيضاً: 20 شخصية تقود ثورة التكنولوجيا في الألفية الثانية

ففي الواقع أنت تعرف الكثير من الناس الذين يستخدمون التطبيق. وقد أصبح يحظى بشعبية واسعة؛ لكن هناك العديد من المشكلات التي ترافقه؛ أولاها أنه لا يبدو عملاً مربحاً، ولم تعد “أوبر” قابلة للبقاء اقتصادياً بعد خسارة 8 مليارات دولار العام الماضي. وثانيتها أنه ليس عملاً رائعاً بالنسبة إلى العمالة والسائقين. لكن ثالثتها هي أن حركة المرور تزدحم حقاً في المناطق التي تعمل بها “أوبر” كأي مكان آخر، وبالتالي فإن ثمار المساعدة من خلال مشاركة السيارات لم تؤتِ أُكُلها.

سيارة ذاتية القيادة من “جنرال موتورز” تنتظر عند تقاطع في سان فرانسيسكو- وكالات

وفي ما يخص السيارات عالية التجهيز، فإنه يمكنك الحصول مثلاً على نوع واحد من سيارة “تويوتا بريوس” الهجينة؛ لكن هل ستوفر لك الخيارات التي توفرها “تسلا”؟ الإجابة لا، وبالتالي فنحن بصدد تغيير كبير من قِبل مصنعي السيارات؛ لكنهم يجنون أموالاً طائلة من سيارات الدفع الرباعي، والكثير من الشركات لديها برامج للسيارات الكهربائية، وهذا ما يطلق عليه أصحاب الصناعة “سيارات الامتثال”، وهم في طريقهم بالفعل لصناعة سيارات كهربائية.

ولكن الأمر يعتمد على الكيفية التي نولِّد بها الكهرباء. وبعض هذه الخيارات ليس جيداً جداً، كما أنه يستهلك الكثير من المواد والطاقة، ويتطلب استخراج المعادن بكميات كبيرة مثل كوبالت الليثيوم، وأشياء أخرى تحتاج إلى موارد ثمينة؛ لذا فهي ليست حقاً حلاً سحرياً للبيئة. وهناك السيارات ذاتية القيادة، والتي تعتبر الكأس المقدسة بالنسبة إلى صناعة السيارات في وادي السليكون؛ حيث إننا سننتج سيارات لا تلحق الأذى بالبشر ومريحة للغاية، لدرجة أنك لن تحتاج حتى إلى قيادتها.

اقرأ أيضاً: هل تترك المدينة لتستقر في الريف؟

لقد بدأ الناس ينظرون إلى الشوارع بطرق مختلفة؛ ففي مختلف أنحاء الولايات المتحدة، هناك مدن قد أغلقت الشوارع أمام السيارات، وبدأ الناس في ركوب الدراجات. وأصبح ركوب الدرجات منتشراً، وأصبح المشي أكثر أماناً، والزلاجات أيضاً أصبحت رائجة. وارتفعت مبيعات ألواح التزلج، وبدأ الناس في نيويورك في استخدام دراجات المدينة بشكل أكبر، وقد حدث تغيير مذهل في ما يخص تلوث الهواء في كل مكان غادرت فيه السيارات الشوارع.

وفي نيودلهي التي تعاني تلوثاً رهيباً في الهواء، أُبلغ الناس بشكل مفاجئ عن أنهم أصبحوا قادرين على رؤية السحب الزرقاء كما نرى الجبال عن بُعد. وفي هارلم بمدينة مانهاتن، انخفض تلوث الهواء بنسبة 20% فقط؛ بسبب إزالة السيارات من الشوارع. ومن الصعب حقاً أن تفكر في مانهاتن كمكان خالٍ من السيارات. ومع ذلك، فلا تزال هناك سيارات كثيرة عالقة في الزحام، كالتي تسبب التلوث الهوائي في لوس أنجلوس المحاصرة.

جون كرافشيك الرئيس التنفيذي لشركة “وايمو” يقدم سيارة ذاتية القيادة في لشبونة- البرتغال.. نوفمبر 2017- وكالات

وقد انخفض تلوث الهواء إلى مستويات قياسية لم يسبق لها مثيل منذ عام 2005. وهو تغيير مدهش جعلني أفكر، لماذا لا يمكننا أن نحافظ على هذا؟ ولا شك أن أحد الأسباب لعدم قدرتنا على المحافظة على ذلك هو أن الناس يشعرون بالقلق الشديد إزاء وسائل النقل العام. لذا فعندما تفتح مدينة نيويورك والمدن الأخرى التي لديها وسائل نقل عام بشكل كامل، فإن الناس قلقون من أن تكون القطارات مزدحمة. وأنه من الممكن أن يصابوا بالفيروس من خلال ركوب وسائل النقل العامة. لذا تبدوا السيارات آمنة بشكل أكبر. لكن الحقيقة أنها ليست كذلك.

اقرأ أيضاً: رغم الفضائح.. صناعة السيارات في ألمانيا تحقق أرقاماً لافتة

فالجميع يعلم أن السيارات خطرة ومكلفة وضارة بالبيئة. وأعتقد أن العديد من الناس لا يلتفتون إلى كم المساحة التي تشغلها السيارات في مدننا الكبرى. وكما نعلم، فإن المورد الأكثر قيمة في المدن الأمريكية الكبرى هو المساحة، سواء في سان فرانسيسكو أو لوس أنجلوس أو نيويورك، وحتى العاصمة واشنطن. وكذلك في العديد من المراكز الاقتصادية الكبرى.

والإسكان مكلف للغاية؛ لأنه لا يوجد الكثير من العروض، بسبب عدم توفر المساحة، ولدينا أيضاً قوانين تقسيم المناطق التي تمنع البناء. وبالتالي لدينا معروض محدود من الأراضي، وأيضاً أناس تنتقل يومياً من مناطق بعيدة؛ لأننا لا نبني بشكل كثيف. ولأن السيارات تغذي هذا الزحف، فلدينا أناس يعيشون في مناطق بعيدة جداً بسبب تكاليف السكن. غير أن إزالة السيارات تعني التخلي عن المساحة التي تشغلها السيارات، واستخدامها في أغراض أخرى؛ مثل الإسكان، وتحسين وسائل النقل العامة، ويمكن أن يُحدث هذا ثورة في المدن.

سيارة “أوبر” ذاتية القيادة في أحد شوارع سان فرانسيسكو- الولايات المتحدة.. مارس 2017- أرشيف

ولعل سبباً آخر في أن الكثير من الناس متشككون من مجرد فكرة الاعتماد على النقل العام، هو أن النقل العام في كل المدن الرئيسة يعاني نقصاً في التمويل وسوء الإدارة؛ بالمقارنة مع العديد من المناطق الأخرى في العالم. فوسائل النقل العام ليست رائعة في الولايات المتحدة حتى نستطيع أن نقول، حسناً، يمكننا التخلص من السيارات، وسنكون مضطرين إلى الاعتماد على الحافلات، بينما الحافلات ليست جيدة نظراً لحالتها الحالية، والناس يدركون أن الحافلات تعمل بلا سرعة أو فاعلية.

اقرأ أيضاً: لماذا نعتقد أن المدن التي يمكن التنزه فيها سيراً هي فقط للسياح؟

وهناك نقطة أخرى يجب طرحها، وهي أنه مع تقدم معدل الأعمار في البلاد، يحتاج كبار السن إلى مساحات في المدينة؛ حيث يمكنهم المشي بأمان والتواصل اجتماعياً. وهذا هو الأمر الآخر الذي لاحظت وجوده أثناء فترة جائحة كورونا، وهو السير على الأقدام في الهواء الطلق دون سيارات. وقد أصبحتِ الحياة أكثر أماناً من الناحية النفسية. كما لاحظت أنني أسير في الشوارع؛ لأنها كانت خالية. فقد كنا نريد تباعداً اجتماعياً في الشوارع المحيطة بمكان معيشتنا.

ولن يكون الأمر سهلاً على الإطلاق، فالناس يطالبون بإنهاء السيارات في مانهاتن منذ وقت طويل جداً. وكانت حُجتهم لإتمام ذلك جيدة جداً طوال الوقت. ولكنَّ هناك ناخبين لديهم ولاء للسيارات. وهناك أيضاً الثقل الثقافي للسيارات على مدار مئة عام. فقد كانت صناعة السيارات تنفق الكثير من الأموال على الإعلانات، وهذا ما أطلق عليه الدعاية الثقافية.

جانب من أحد شوارع نيويورك المزدحمة بالسيارات بينما يحاول شرطي المرور المساعدة في تسهيل الحركة- أرشيف

كتلك الأفلام التي تبرز السيارات وتصوِّرها كشيء محوري في عالمنا، ففي أمريكا تبدو السيارات وكأنها جزء من المشهد الطبيعي، وكأن بقية البلد قد بُنيت من حولها، ويبدو من الصعب جداً تخطي فكرة أننا لا نحتاج إلى السيارات، وأنها مجرد تقنية قديمة لا نحتاج إلى تطويرها. فنحن بحاجة فقط إلى تجاوزها.

وهناك تجربة تجريها شركة “جوجل” في ولاية أريزونا بهذا الصدد؛ حيث الجو مشمس دائماً والقليل جداً من تقلبات الطقس بالإضافة إلى ضواحي كبيرة وطرق خالية نسبياً. لكن هناك الكثير من الأماكن الأخرى التي لا يمكن تطبيق هذه التجربة فيها. وسيستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن ينجح. وسوف يظل يتأخر عاماً بعد عام. بينما تعِد شركات السيارات ببيع سيارات ذاتية القيادة في عام 2020. وهذا لن يحدث. وسأكون متفاجئاً إذا استطعت شراء سيارة ذاتية القيادة قبل عام 2025.

اقرأ أيضاً: كيف غيرت الدراجة أوجه الحياة حول العالم؟

وهو أمر معقد ويجب أن يتفاعل مع البشر على الطريق ومع المشاة أيضاً، والقيام بذلك بطريقة لا تتسبب في وفيات أو خطر غير ضروريين. لكنه أيضاً لا يغير ثقافة الطريق بشكل كبير. كما لا ينبغي أن نراهن على مستقبل السيارات ذاتية القيادة كوسيلة لتحريرنا من مشكلة السيارات، وحتى السيارات الكهربائية لديها مجموعة كبيرة من المشكلات المماثلة. حيث يكلف إنتاجها الكثير، وتستهلك الكثير من الموارد ليتم إنتاجها، وبخلاف شركة “تسلا”، لا توجد شركات تراهن على السيارات الكهربائية بعد الآن.

الحافلات العامة في لندن- بريطانيا- أرشيف

وإذا احتسبنا كم المساحة التي تشغلها السيارات، حيث تتطلب مواقف تشغل مساحات واسعة؛ ما يجعلها وسيلة غير فعالة تماماً لنقل الناس مقارنة بالحافلات، وكأمريكيين فنحن لا نحب الحافلات وننظر إليها على أنها تكنولوجيا قديمة. وهي ليست الوسيلة التي قد نرغب في السفر بها. ولكن ليس هذا هو الحال في أوروبا. فقد ذهبت إلى لندن مؤخراً ووجدت لديهم حافلات مشهورة عالمياً ومريحة إلى حد كبير.

اقرأ أيضاً: 5 أخبار عالمية مبشرة عن فيروس كورونا

حيث يمكنك الوصول إلى أي مكان على متن حافلة، فعندما ذهبت إلى لندن لمدة 6 أيام لم أتنقل مستخدماً أية سيارة من أي نوع، ولا حتى سيارة أجرة على مدار الأسبوع الذي قضيته. فبإمكانك استخدام قطار الأنفاق أو الحافلة. ولا تزال هناك سيارات في لندن؛ ولكنْ بعددٍ أقل من السيارات مقارنة بأي مكان آخر، نظراً لوجود رسوم للازدحام في لندن. ولو لم تكن لديهم سيارات من الأساس لكانت الحافلات أفضل. حيث يمكنك الوصول إلى الكثير من الأماكن في لندن بسرعة كبيرة باستخدام حافلة جميلة تتحرك بشكل سريع، وسعتها كبيرة للغاية.

ويبدو أن المدارس ستفتح ليومين أو ثلاثة، ثم يمكث الأطفال في المنزل بقية الأسبوع. وبالتالي يمكنك الحصول على القليل من التباعد الاجتماعي وتخبط المواعيد. ونحن لا نعرف حقاً إذا كان الفيروس أقل قابلية للانتقال بين الأطفال أو ما إذا كانوا أقل قابلية للإصابة به، ولكن من الممكن أن يمرضوا. وأن ينقلوا العدوى إلى أشخاص آخرين في منازلهم. وهذا يجعل الأمر مخيفاً حقاً. فنحن نعمل على فتح المدارس بينما هناك عدوى تنتشر بحرية.

اقرأ أيضاً: جائحة كورونا.. ماذا نتعلم من دروس الوحدة والألم؟

لقد استجبنا بشكل سيئ للركود العظيم، وأنقذنا البنوك من الإغلاق. لكننا لا نرغب في إنقاذ المواطنين العاديين من خسائر في الأرواح، ولم نكن حريصين على تحفيز الاقتصاد بالقدر الذي كان بوسعنا أن نحققه. ونحن نعرف أننا سنفشل في هذه الأزمة، فعندما تتعرض الدولة مراراً وتكراراً إلى أزمات ضخمة وتفشل في إيقافها، تصبح الحياة أسوأ لمعظم سكانها، وقد حان الوقت لنعرف كيفية إصلاح ذلك.

المصدر: نيويورك تايمز

 اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات