الواجهة الرئيسيةرفوف المكتبةشؤون دولية

مايك بومبيو… مذكرات مقاتل من أجل أمريكا (4-5)

كيوبوست- أمل صقر♦

بين أيدينا ملخصٌ لأهم ما ورد في “مذكرات مايك بومبيو” التي صدرت مؤخراً، والتي أثارت فور صدورها عاصفة من ردود الفعل، سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها، وهو أمرٌ معتاد مع المذكرات الصادرة عن مسؤولين سابقين في الإدارة الأمريكية بصفةٍ خاصة، نظراً لما تحويه في العادة لقضايا ومواقف جدلية.

وقد يزيد من الاهتمام بها هذه المرة، كونها صادرة عن رجلٍ شغل لفترة منصب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA، ثم تحول إلى تولي منصب وزير الخارجية في ظلِّ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي أثير حولها الكثير من القضايا والجدل والانطباعات تصب في كثيرٍ من الأحيان في غير صالح هذه الإدارة. من جانبٍ آخر، لم يبخل بومبيو في مذكراته بشرح العديد من المحطات في مسيرته في تلك الفترة، خاصة في ملفاتٍ أقل ما توصف بأنها شائكة وإشكالية، ومن ذلك ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، والانسحاب من الاتفاقية، والتعامل مع التنظيمات الإرهابية، وتعامل الإدارة مع مشكلات وتحديات منطقة الشرق الأوسط.

ويقدِّم موقع “كيوبوست”، عبر عددٍ من الأجزاء، أبرز ما ورد في فصول المذكرات الـ17، وعنونت بـ: “لا تبدل رأيك مطلقاً، القتال من أجل أمريكا التي أحب” (Never Give an Inch: Fighting for the America I Love).

اقرأ أيضًا: هل فشل ترامب في جعل “أمريكا عظيمة مجدداً”؟

يتناول الجزء الرابع، الفصول من 11 إلى 13، وهي فصولٌ ذات موضوعاتٍ متنوعة، تبدأ بتوضيح بومبيو لموقفه من الإعلام، وكيف أن عدم الانصياع للآلة الإعلامية الأمريكية كان أحد مسببات نجاح إدارة ترامب، ثم يحقق في فصلٍ مستقل ما يتعلق بانتشار وباء كورونا، وكيف أن الصين قادت إلى انتشاره وتبرأت من المسؤولية. ثم تناول التحالفات الأمريكية المختلفة التي ساعدت في الوصول إلى استقرار في مناطق مختلفة من العالم، وتحدث عن الاتفاقات الإبراهيمية، والدور البارز لعددٍ من قادة المنطقة في هذا السياق.

لو رضخنا لما أراده “المثقفون” مثلاً؛ لأنهت أمريكا علاقتها الحيوية مع السعودية في أعقاب مقتل خاشقجي.

•  الفصل الحادي عشر: في كيفية التعامل مع النقد

من الفصول التي خصصها بومبيو لمحاولة تبييض صفحته من جانب، ودعم إدارة الرئيس ترامب من جانبٍ آخر هذا الفصل، حيث عبَّر فيه بوضوح عن مدى تقبل ترامب للنقد، وفي الوقت ذاته يؤكد أن الإعلام لم يكن في صف الرئيس كثيراً، وبصورة مغلوطة ومسيئة. ويذكر بومبيو أن أحد أهم اختبارات القيادة هو كيفية الرد على النقد، وأنه كان محظوظاً بمساعديه، مثل أولريش بريشبول، وبريان بولاتاو، وديفيد هيل، وليزا كينا، وماري كيسيل، حيث ساعدوه في رؤية الأخطاء مع اقتراحاتٍ بتصحيح المسار.

ووفقاً لبومبيو “إذا كنت لا تستطيع تحمل النقد الذي يأتيك مع توليك أي منصب قيادي، فلا يجب أن تكون في القيادة، خاصة في دولة مثل أمريكا، حيث حرية التعبير هي الأساس، والتي تكفل حق انتقاد ترامب من قبل معارضيه، ومن لم ينتخبه”.

الإعلام الأمريكي في شقٍّ كبير منه عمل كثيراً على مناهضة الرئيس ترامب رويترز

من جانبٍ آخر، يعتبر بومبيو أن الأكثر إزعاجاً، تشويه أقواله وأفعاله وتحريفها من قبل صحفيين، سعياً إلى خبطات صحفية حتى وإن استندت على معلوماتٍ مغلوطة. ويضيف “كان من الرائع بالنسبة لي ولأمريكا أن يكون لدي رئيس غير مستعد للانصياع لرغبات وسائل الإعلام… هل كان الرئيس ترامب يرغب في أن يكون الإعلام مناصراً له؟ بالطبع. هل نفَّذ السياسة الخارجية الأمريكية وفقاً لما تريده وسائل الإعلام؟ بالطبع لا. أحد الأسباب التي جعلتني أنا وهو نعمل معاً بشكلٍ جيد هو أن حساسيتنا لمطالب الإعلام كانت في حدها الأدنى… لم تكن سياستنا الخارجية: أمريكا أولاً لتصمد لو استسلمنا لانتقادات المراسلين، وكتاب السياسة الخارجية، وحتى العديد من زملائنا الجمهوريين.. ولو رضخنا لما أراده “المثقفون” مثلاً لأنهت أمريكا علاقتها الحيوية مع السعودية، في أعقاب مقتل خاشقجي”.

ويؤكد بومبيو أن الإعلام الأمريكي في شقٍّ كبير منه عمل كثيراً على مناهضة الرئيس ترامب بما فيهم الإعلاميون الذين يتلقون رواتب من الحكومة الأمريكية، كانوا ضمن هذا الفريق “للأسف”. ويضرب بومبيو مثالاً بالوكالة الأمريكية للإعلام العالمي، وهي المنظمة التي تشرف على صوت أمريكا (VOA)، والحرة، ووكالات أخرى. ويقول: “لقد تم إنشاؤها لمساعدة الولايات المتحدة على إخبار العالم بأن بلدنا قوة من أجل الخير، وأنها قوة عظيمة بسبب احترام الحرية والمعايير الديمقراطية… لكنهم بدلاً من الترويج لأمريكا، شوهت تقاريرهم سمعة بلدنا”.

اقرأ أيضاً: عزاء للرئيس أم تشييع لعهده؟ ترامب يمر بأصعب اختبارات القيادة!

ويذكر بومبيو من ضمن الاتهامات الكاذبة التي دأب على التعرض لها من وسائل الإعلام: أنه من دعاة الحرب، وهو ما لم يحدث ويقول: “في عهدي، لم تندلع حروب جديدة، وانتشر السلام لأننا تمكنا من الاستفادة من الردع… نجاحنا في الحرب والسلام حدث في جزء منه نتيجة قدرتنا على تجاهل الكارهين وامتصاص النار التي كان المجتمع الإعلامي يوقدها باستمرار”.

يجب أن يُساءل الرئيس شي والحزب الشيوعي الصيني عن جريمة نشر فيروس قاتل، فدون المساءلة سيحدث هذا مرة أخرى.

•  الفصل الثاني عشر: المطالبة بالمساءلة

يشرح بومبيو في هذا الفصل انتشار فيروس كورونا، ويذكر أنه مثل العديد من الأمريكيين، تابع القليل من الأخبار التي بدأت قرب نهاية عام 2019 حول موجة من الأمراض الجديدة في الصين. لكن الأمر برمته بدأ بالفعل في التصاعد في 2 يناير 2020، حين تلقى مكالمات هاتفية من د. روبرت ريدفيلد، مدير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية (CDC)، “أخبرني أنه كان يعمل مع نظيره الصيني لمحاولة فهم ما يبدو أنه فيروس شديد العدوى… قال إن الاثنين كانا يتعاونان بشكلٍ جيد حتى الساعات الأربع والعشرين الماضية، عندما اختفى نظيره… قال لي: أريدك أن تحاول إعادة فتح قناة الاتصال مع الصين… اتصلت بكبير الدبلوماسيين الصينيين، يانغ جيتشي، في وقتٍ مبكر من صباح يوم 3 يناير. قلت له: نحن نعرف مشكلة الفيروس لديكم، ونريد إرسال فريق لمساعدتكم على فهمها بشكلٍ أفضل.. ورد أنه سيأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار… لكنه لم يتصل مطلقاً”.

ويقول بومبيو بحسرة “كانت النتيجة مدمرة… فقدنا مليون أمريكي اعتباراً من صيف 2022، وفقد العالم عدة ملايين في دولٍ مختلفة، وخسر الاقتصاد مئات المليارات من الدولارات، وضربت عمليات الإغلاق التقدم التعليمي لأطفالنا في مقتل… منع الرئيس شي وطاقمه العالم من الوصول إلى أي معلومات حول الفيروس الذي بدأ في بلاده، وأصبح وباء عالمياً… يجب أن يساءل هو والحزب الشيوعي الصيني بجريمة نشر فيروس قاتل، فبدون المساءلة، سيحدث هذا مرة أخرى”.

الدكتور ديفيد ريدفيلد مدير مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها- وكالات

ويستغل بومبيو هذا الأمر للمقارنة بين النظام الصيني المستبد، وحرية التعبير في الولايات المتحدة، والتي تعني أن القادة مُساءلون طوال الوقت، ولا يمكن للجمهور غير الراضي أن ينتقد فحسب، بل يمكنه أيضا التصويت لعزل المسؤولين من مناصبهم، ويمكن كذلك محاكمة من يرتكب جرائم في المناصب السياسية. وعلى النقيض من ذلك، فإن زعماء الصين الشيوعيين ليسوا مسؤولين على الإطلاق أمام مواطنيهم، هم فقط يفرضون الرقابة، ويكذبون ويخفون الحقيقة. ولم يعمل قادة الصين على حماية بلدهم أو العالم من مثل هذا الوباء بل كان الأهم بالنسبة لهم إخفاء تفشي المرض وإخفاء الأطباء والصحفيين الآخرين الذين حذروا من الفيروس، وشككوا في كذبة الحزب الشيوعي الصيني”.

عرضت الولايات المتحدة إرسال فريق من خبراء الأمراض المعدية إلى الصين، لكن الصين رفضت منحهم الإذن بالدخول… ولم يشارك الحزب الشيوعي الصيني جينوم الفيروس مع العالم حتى 12 يناير. ويتذكر بومبيو العديد من التفاصيل لما حدث لاحقاً، وكيف أن ترامب كان يحاول التأكد من توفر معدات الوقاية الشخصية الكافية الصحية، وأن ترامب اضطر إلى الإشادة بالصين لتعاملها مع الفيروس خوفاً من التعرض لخطر وقف الحصول على معدات الوقاية الشخصية التي يتم شحنها من الصين. وقد استخدم ترامب هنا فكرة “أمريكا أولاً” ما يعني عدم تعريض قدرتنا على شراء معدات يمكن أن تنقذ الأرواح من الصين للخطر.

اقرأ أيضًا:  تساؤلات حول تسرب مختبر ووهان.. ومنجم مهجور يحتل مكان الصدارة!

ويضيف بومبيو أنه كان مصراً على أن تقول الصين الحقيقة، لذلك عقد في 25 مارس، مؤتمراً صحفياً في وزارة الخارجية، وهاجم الصين بسبب قرارها إخفاء كارثة عالمية تلوح في الأفق. ويقول معلقاً على ردة فعل الصين عن كلامه: “أظن أن كلماتي القاسية أثرت على مكالمة الرئيس ترامب المقررة مسبقا مع شي جين بينغ في المساء التالي، 26 مارس. بدأت المحادثة بشكلٍ ودي، حيث عرض شي الأدوية التي أكد لنا أنها ستوقف أعراض كورونا، إذا احتاجها ترامب. ومع ذلك، كانت مهمة شي الحقيقية هي طردي. وقال: شوه بومبيو سمعة الشعب الصيني… بومبيو غير ناضج ويعرض للخطر كل ما بنيناه معا”.

ويتذكر بومبيو اعتقاده أنه سيفقد منصبه “كنت في المكتب البيضاوي عندما دخل ترامب، ورآني لأول مرة منذ مكالمة شي، قال: أنتم بحاجة إلى معرفة أن شي يكره هذا الرجل… مايك، أنت تعرضنا جميعا للخطر.. معدات الوقاية الشخصية، صفقتنا التجارية.. توقف رجاء.. وهذا ما التزمت به لاحقاً”. لكن هذا الالتزام لم يمنع بومبيو من محاولة تقصي حقيقة الفيروس، وحاول الاعتماد على منظمة الصحة العالمية لكنه يرى أن موقفها كان باهتاً ومسترضياً للصين نتيجة للتأثير الذي مارسه مدير منظمة الصحة العالمية، د.تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الذي وصل إلى منصبه بدعمٍ صيني.

فريق عمل البيت الأبيض لفيروس كورونا د.أنتوني فوسي ود.ديبورا بيركس ومدير مركز السيطرة على الأمراض والجراح العام جيروم آدامز يستمعون إلى ترامب خلال الإحاطة اليومية في واشنطن.. أبريل 2020- “رويترز”

ويذكر بومبيو أن الإخفاقات التراكمية لمنظمة الصحة العالمية في المراحل الأولى من الوباء دفعت الإدارة الأمريكية إلى الإعلان عن فشل المنظمة في دورها الأكثر أهمية، ومن ثم أعلنت الولايات المتحدة في 7 يوليو 2020 الانسحاب رسمياً من المنظمة. ومرة أخرى يعود بومبيو إلى الدور السلبي الذي لعبه الإعلام ويقول إن قرار الانسحاب دفع وسائل الإعلام إلى انتقاد إدارة ترامب بالنقد اللاذع لمجرد قرارنا مساءلة منظمة تجمع حوالي 450 مليون دولار سنوياً من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين.

وينتقل بومبيو لمناقشة ما يعتبره “أمراً شديد القلق”، وهو التغلغل الصيني في المجتمع الأمريكي والذي يأخذ صوراً عدة، على سبيل المثال المراكز اللغوية والثقافية التي تديرها الصين، وتسمى معاهد كونفوشيوس وتعمل في الجامعات الأمريكية، هذه المراكز حاول الحزب الشيوعي الصيني من خلالها غسل أدمغة النخب الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تتبع شبكات التجسس الصينية داخل الولايات المتحدة أصعب مما نعتقد، وفقاً لبومبيو.

من جانبٍ آخر هناك حرب معلومات تمارسها الصين داخل الولايات المتحدة، ويذكر بومبيو بعض الإجراءات التي نهضت بها وزارة الخارجية “أجبرنا خمس عشرة مؤسسة إعلامية صينية تديرها الدولة على التسجيل كبعثات حكومية للغة الصينية، وفرضنا قيوداً جديدة على ما يمكن أن يفعله “الدبلوماسيون” الصينيون داخل الولايات المتحدة… الجامعات معرضة للخطر بشكلٍ خاص، وليس فقط لأن الصين تبرعت بحوالي مليار دولار للكليات الأمريكية من 2013 إلى 2020. لكن في عام 2019، درس حوالي 11000 أمريكي في الصين. وفي العام نفسه، درس ما يقرب من 370 ألف طالب صيني في الكليات والجامعات الأمريكية. وفي حين أن الغالبية العظمى من هؤلاء الطلاب يرغبون فقط في الحصول على تعليم جيد، فإن هناك البعض ممن يسرقون الأبحاث، ويسعون إلى التأثير في مجتمع الطلبة الأمريكيين”.

اقرأ أيضًا:  الجرائم والمضايقات العنصرية ضد الآسيويين ترتفع إلى مستوى قياسي خلال جائحة “كوفيد-19”

ويذكر بومبيو جهود إدارة ترامب المبذولة لمحاسبة الحزب الشيوعي الصيني، ومن ذلك النهوض بعمل دبلوماسي للتأكد من أن المرشح الصيني لقيادة المنظمة العالمية للملكية الفكرية لم يفز في الانتخابات، وكثفت الولايات المتحدة التدريبات المشتركة مع حلفائها في جميع أنحاء المحيطين الهندي والهادئ. وحماية المستثمرين الأمريكيين من خلال التهديد بشطب الشركات الصينية من بورصة نيويورك إذا لم تمتثل لمعايير المحاسبة الأمريكية، والتحدث علناً عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الحزب ضد مسلمي الأويغور والأقليات العرقية الأخرى في شينجيانغ.

ويختتم بومبيو الفصل باعتقاده أن جهوده أتت أكلها، ودليل ذلك أنه فور خروجه من منصبه مع انتهاء ولاية ترامب طبق الحزب الشيوعي الصيني عقوباتٍ اقتصادية عليه وعلى آخرين (25 مسؤولاً أمريكياً) ممن حارب “التوحش الصيني”. ويقول: “لم يكن الهدف الأساسي من هذه العقوبات منعي أو منع أي من المسؤولين الآخرين الخاضعين للعقوبات من أي شيء حقيقي. كان القصد إرسال رسالة إلى المسؤولين في الإدارة الجديدة بالحذر!”.

الشيخ محمد بن زايد رجل ذكي، كان يعلم أن القوة الاقتصادية لدولة الإمارات مهمة؛ ولكنها ليست كافية لضمان النجاح والاستقلال.

•  الفصل الثالث عشر: اختر الحلفاء المناسبين

“التحالفات ضرورية لأمن الولايات المتحدة وازدهارها”، هكذا يبدأ بومبيو هذا الفصل الذي ناقش فيه العديد من التحالفات المهمة للولايات المتحدة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. ويعبر بومبيو بافتخار عن كون العديد من أعداء الولايات المتحدة يفتقدون الحلفاء، ويضرب مثالاً: “قد تعتبر روسيا أن بيلاروسيا حليف، لكن هذا فقط لأن فلاديمير بوتين يمكن أن يسحق نظام ألكسندر لوكاشينكو إذا أراد ذلك… وليس لدى الصين حلفاء حقيقيون، فقط دول تتصرف بشكلٍ ودي لأنها تخشى الحزب الشيوعي الصيني”.

ويفصل بومبيو في هذا الفصل الجهود المبذولة للوصول إلى الاتفاقات الإبراهيمية، ويستهل بقوله: “أريد أن أوضح شيئاً واحداً حول الاتفاقات الإبراهيمية… إنها ليست في جوهرها قصة عن إسرائيل، أو الدول العربية، أو حتى إيران، إنها قصة الشرق الأوسط بأكمله. هي قصة تحالفات مبنية على أن تكون أمريكا قوة للخير في المنطقة… كما اتضح خطأ رؤية إدارة أوباما للسلام في المنطقة، حيث اعتقدت إدارته بضرورة معالجة القضية الفلسطينية قبل أن تتمكن إسرائيل من صنع السلام مع المزيد من جيرانها… والأسوأ خطاب الرئيس أوباما في القاهرة الذي اعتذر فيه عن النفوذ الأمريكي في المنطقة بعد الحادي عشر من سبتمبر، ما أعطى إشارات للخصوم بأننا ضعفاء وغير حازمين… وجاء قرار السياسة الخارجية الأكثر حماقة في عصرنا: الاتفاق النووي لإدارة أوباما مع إيران، حيث اعتقدوا أن استرضاءهم سيعيد تشكيل المنطقة، رغم أن إيران المصدر الرئيسي لمشاكلها، فقد زودت حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي الفلسطيني بالأسلحة والتمويل، وسحقت شعبي واقتصادات لبنان والعراق من خلال تأثير الجماعات الإرهابية الشيعية في سياساتها. وأدى دعم إيران للمتمردين الحوثيين إلى تفاقم كارثة حقوق الإنسان في اليمن… جاءت إدارتنا لتصور الشرق الأوسط بطريقةٍ جديدة تماماً… لم ننظر إلى الأمور على أنها يهود مقابل عرب، أو إسرائيل مقابل الجميع… يمكننا أن نرى بعيون جديدة كيف كانت المنطقة تستعد لإعادة الاصطفاف، قوى السلام والاستقرار (إسرائيل وبعض الجيران العرب) ضد قوى التطرف والدمار (النظام الإيراني ووكلاؤه والجهاديون السنة، مثل داعش والقاعدة).

الشيخ عبدالله بن زايد ورئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الخارجية البحريني بعد توقيع اتفاقات أبراهام 2020- “أسوشييتد برس”

ويوضح بومبيو أن رياح التغيير لا تهب دائماً بقوة، في بعض الأحيان يكون النسيم حاملاً لعلامات إيجابية، وفي هذا الصدد يعتبر قيام الرئيس ترامب بأول رحلة مباشرة على الإطلاق من الرياض إلى القدس في عام 2017، بالإضافة إلى زيارة نتنياهو في عام 2018 لسلطنة عمان، من العلامات البسيطة لكنها إيجابية.

ذكرني الشيخ محمد بن زايد مراراً وتكراراً بإخفاقات أمريكا في المنطقة، كما رآها، وعرض أفكاره حول كيفية تجنبها؛ هو رجل يضع الإمارات في المقام الأول.

ويؤكد بومبيو الدور الذي بذله قادة ذوو رؤية، والكثير من العمل الشاق الذي بذل. ويقول: “أحد هؤلاء القادة سمو الشيخ محمد بن زايد، المعروف عنه معارضته القوية للإسلاموية. وتحت قيادته، وقيادة شقيقه الراحل الشيخ خليفة، منحت الإمارات الحرية لشعبها وملايين المغتربين الذين يعيشون داخلها، وباتت الإمارات مركزاً ضخما للأعمال التجارية الدولية العالمية، وبلد رحب لسنواتٍ عديدة بالأفكار الغربية، ومنها الجامعات ومراكز الفكر، بما في ذلك الحرية الدينية. كان الشيخ محمد بن زايد رجلاً ذكياً، ومنزعجاً من القوة الإيرانية، رجلاً يحب عائلته وشعبه بشدة، كان يعلم أن القوة الاقتصادية لدولة الإمارات مهمة، ولكنها ليست كافية لضمان النجاح والاستقلال. ذكرني مراراً وتكراراً بإخفاقات أمريكا في المنطقة كما رآها، وعرض أفكاره حول كيفية تجنبها. وأوضح أنه كان يعتمد على أمريكا لاستخدام قوتها لكبح جماح الشر من إيران… هو رجل يضع الإمارات في المقام الأول، وهذه مسؤوليته… لقد أعجبت بذلك، وساعد فريقنا لاحقاً على الإبحار في المياه المعقدة لصنع السلام”.

ترامب خلال استقبال الشيخ محمد بن زايد – أرشيف

ويصف بومبيو لقاءه بالشيخ طحنون بن زايد، حينما كان رئيسا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ويقول عنه: “شخصية إماراتية مهمة أخرى… تجده مبتسماً دوماً لكن الشيخ يفكر ويحلِّل في كل دقيقة… عملنا معا وبجد ونجاح في عدد من القضايا… لقد أصبحنا شركاء وأصدقاء جيدين، وشاركنا دائماً أدواتنا لجعل بلداننا أكثر أمانا”.

اقرأ أيضًا: أنماط العلاقات العربية- الإسرائيلية ومستقبل السلام في ظل اتفاقات أبراهام

ويشير بومبيو إلى الدور السلبي الذي لعبته السلطة الفلسطينية بقوة ضد جهوده، وسربت السلطة الفلسطينية باستمرار قصصاً مخيفة حول ضم فلسطين، وخيانة العرب لها، لكن قادة الدول الأربع: الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين، لم يتأثروا، وحافظوا على مسار اختيار الحلفاء المناسبين وحققوا السلام.

في المقابل، يشير إلى الدور الإيجابي للمملكة “ولولا الموافقة الضمنية من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لما ظهرت اتفاقيات إبراهيم إلى حيز الوجود، والعالم مدين له بالامتنان لما فعله، فليس من السهل على زعيم المملكة العربية السعودية أن يبارك الخطوات نحو السلام مع إسرائيل… على الرغم من صغر سنه -كان يبلغ من العمر واحداً وثلاثين عاماً عندما أصبح وليا للعهد- فقد أظهر محمد بن سلمان نفسه بالفعل كفاعل ذكي في بيئة سياسية معقدة وقاسية… لقد أظهر حبه للشعب السعودي، وشاركه رؤيته لجلب الحداثة إلى المملكة، إلى جانب الرخاء والأمن… يرى البعض أن جهوده خيالية، من خطط مدينة نيوم المستقبلية إلى بناء مؤسساتٍ تعليمية عالمية المستوى في الرياض، إلى جهوده في القضاء على التشدد.. لكن الواضح أن نموذجه في القيادة يحقق نجاحات”.

 الجزء الأول : مايك بومبيو… مذكرات مقاتل من أجل أمريكا (1-5)

الجزء الثاني : مايك بومبيو… مذكرات مقاتل من أجل أمريكا (2-5)

الجزء الثالث : مايك بومبيو… مذكرات مقاتل من أجل أمريكا (3-5)

♦باحثة سياسية

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

د.أمل صقر

باحثة سياسية

مقالات ذات صلة