الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

ماكرون ولافروف… سباق التنافس إلى إفريقيا

يعتقد مراقبون أن روسيا تنجح في إفريقيا لأنها تستثمر دبلوماسياً في عدم ثقة الشعوب والحكومات الإفريقية بفرنسا

كيوبوست- عبد الجليل سليمان

فيما بدَت وكأنها محاولة لإعادة التموضع الفرنسي في إفريقيا، عقب عدة انتكاسات أصابت العلاقة بين فرنسا وبعض دول القارة في الآونة الأخيرة، ابتدر الرئيس الفرنسي المنصرم؛ وللمرة الأولى عقب توليه حصته الثانية من الرئاسة، جولة إلى القارة يزور خلالها الكاميرون وبنين وغينيا بيساو؛ وذلك بالتزامن مع جولةٍ أخرى يقوم بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي حط رحالة بالعاصمة المصرية القاهرة، السبت الماضي، قبل أن يغادرها إلى الكونغو وأوغندا ليختتم زيارته بالعاصمة الإثيوبية ومقر الاتحاد الإفريقي؛ أديس أبابا.

 وفيما يريد إيمانويل ماكرون إصلاح علاقات بلاده المتوترة مع بعض دول وسط وغرب إفريقيا، فإنّ دولاً أخرى، على رأسها روسيا، تهفو إلى إيجاد موطئ قدم راسخ في القارة البكر، لا سيما في المستعمرات الفرنسية السابقة، الغنيّة بالموارد الطبيعية.

اقرأ أيضاً: دعوات أوكرانية للتجنيد تثير الجدل في إفريقيا

بعد وصوله الاثنين إلى العاصمة الكاميرونية ياوندي (وسط إفريقيا)، توغل ماكرون أكثر إلى بنين وغينيا بيساو في خطوة وصفها الإليزيه بأنها تهدف إلى “تجديد علاقة فرنسا مع القارة الإفريقية”.

الجولتان الفرنسية والروسية، تحملان أجنداتٍ متشابهة، على رأسها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وأثرها السالب على سلاسل إمدادات الحبوب، خاصة القمح، إلى إفريقيا، الأمر الذي أدّى إلى زيادة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، ما يضاعف احتمال حدوث أزمة غذائية، قد يكون لها آثار وخيمة على الأوضاع الهشة بالقارة التي تعتمد على الواردات الروسية والأوكرانية من القمح والشعير وزيت عباد الشمس بأكثر من 40%، فيما تصل لدى بعض الدول مثل مصر والسودان إلى 80%.

ملفات أخرى؛ مثل مكافحة الإرهاب، والحوكمة، وسيادة القانون، والعلاقات الثقافية، مطروحة كذلك على طاولة الزيارتين.

وقفة احتجاجية في العاصمة التشادية نجامينا ضد الوجود الفرنسي- وكالات

فرنسا بّره

تبدو جولةُ ماكرون الإفريقية وكأنها تعقبٌ لروسيا التي تستثمر تاريخها (غير الاستعماري) في علاقاتها بالقارة، فتضع يدها على جمهورية إفريقيا الوسطى عبر (فاغنر)، وتنتشر إلى مالي، وتهفو إلى تشاد حيث تتصاعد المشاعر الشعبية العدائية ضد الوجود الفرنسي، إذ تعلو الهتافات بالشعار القوي “تشاد حُرة، فرنسا برّه”، لكن روسيا لا تتوقف فتضع قدماً في السودان من خلال العلاقة بين فاغنر وقوات الدعم السريع، بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان (حميدتي)، وها هو لافروف يلتف حول خاصرة فرنسا (وسط إفريقيا)، في الكونغو وأوغندا، ثم يستهدف أديس أبابا، عاصمة الاتحاد الإفريقي الذي هرع رئيسه الحالي الرئيس السنغالي ماكي سال رفقة رئيس مفوضيته موسى فكي إلى سوتشي لمقابلة الرئيس الروسي بوتين، ما اندلعت الحرب في أوكرانيا، لطلب استئناف تسليم الحبوب والأسمدة إلى إفريقيا، بعد أن أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى تعريض ملايين الأسر في القارة للخطر.

محمد إبراهيم

وفي السياق، يقول المحلل السياسي والصحفي محمد إبراهيم، لـ”كيوبوست” معلقاً على الجولتين، أن روسيا هي الأكثر ربحاً في الغالب، خاصة أنها تستثمر دبلوماسياً في عدم ثقة الشعوب والحكومات الإفريقية بفرنسا بسبب ماضيها الاستعماري، وأشار إبراهيم إلى أن ذلك يتجسد في تصريحٍ أدلى به سيرجي لافروف قبل شروعه في جولته الإفريقية، حيث قال: “نحن لا نفرض أي شيء على أحد، ولا نُخبر الآخرين كيف يعيشون”، وأن سياستنا في إفريقيا قائمة على “العلاقات الإنسانية والتجارية والاستثمارية”، لذلك فلا أعتقد أن فرنسا ستتمكن قريباً من إيقاف الزخم الروسي القادم إلى القارة، ما لم تُحدث تغييراً جذريّاً في علاقاتها التقليدية، وفقاً لتعبيره.

اقرأ أيضاً: هل “حان الوقت” لرحيل فرنسا عن تشاد؟

هدفان باريسيان

يستطرد إبراهيم، زيارة ماكرون إلى الدول الثلاث، تكشف أن للجولة هدفين رئيسين، اقتصادي وأمني، فالكاميرون التي تعاني من الهجمات الإرهابية في شمالها، تعتبر وفقاً لتقارير دولية موثوقة؛ الاقتصاد الرائد في وسط إفريقيا، والأمر ينطبق على بنين التي تُعد الأكثر استقراراً سياسياً وأمنياً في الوسط الغربي وغرب القارة، وإن شهد شمالها أيضاً عملياتٍ إرهابية متقطعة في السنوات الأخيرة.

وينطبق الأمر نفسه على غينيا بيساو، التي تترأس الآن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس). وهذا بالضبط ما صرحت به الرئاسة الفرنسية، إذ أكدّت أن أجندة الجولة تتلخص في أزمة الغذاء التي سببتها الحرب في أوكرانيا، وتحديات الإنتاج الزراعي، وقضايا الأمن، وفقاً لإبراهيم.

مؤيدون للمجلس العسكري في مالي يتظاهرون ضد فرنسا ويرفعون صوراً لبوتين- أرشيفية

يواصل إبراهيم حديثه إلى “كيوبوست”، بالنسبة للرئيس البنيني، باتريس تالون، فإنّ هناك دائماً مقابل نظير استقرار العلاقة بفرنسا، فالرجل يصبو إلى صمتٍ فرنسي عن المسائل الداخلية في بلده، ولا يريد التطرق إلى قضية اعتقاله لخصومه السياسيين، ولا إلى المسائل المتعلقة بالحكم الرشيد وسيادة القانون، وإلاّ ربما سيذهب إلى موسكو أيضاً، لكنه لن يتوانى في الاستمرار بعلاقة بلده التاريخية مع باريس حال استجابت لشروطه التي من ضمنها مساعدته في التصدي للهجمات الإرهابية في شمال البلاد عبر الدعم الجوي والاستخباري والمعدات العسكرية، فضلاً على قضية استعادة الآثار التاريخية والممتلكات الثقافية المنهوبة الخاصة بمملكة داهومي.

اقرأ أيضاً: بعد الانسحاب الفرنسي.. كيف ستبدو خارطة الإرهاب في مالي والساحل؟

موسكو.. قبول نسبي

محمد عبد الباقي فضل السيد

من جانبه، يشير الصحفي المهتم بالشؤون الإفريقية، محمد عبد الباقي فضل السيد، إلى أهمية غينيا بيساو الكبيرة بالنسبة لفرنسا، في هذه المرحلة الحساسة من علاقتها بمستعمراتها الإفريقية السابقة، فبحكم منصبه كرئيسٍ للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، يتولى الرئيس الغيني أومارو سيسوكو الملفات المتعلقة بالانقلابات العسكرية في غينيا وبوركينا فاسو ومالي، والتي وصلت علاقاتها مع فرنسا إلى أدنى مستوياتها.

يضيف فضل السيد، متحدثاً إلى “كيوبوست”، مع تنامي الرفض الشعبي والرسمي للوجود الفرنسي في إفريقيا، فإنّ زيارة ماكرون ليست موضع ترحيب في الغالب، بيد أن ذلك لا يعني أن موسكو مرحب بها، لكنها الآن الأكثر قبولاً من باريس، التي تأمل أن يتمكن ماكرون من استعادة صورته في مواجهة الرأي العام الإفريقي الذي تسود وسطه فكرة مفادها، أن الرئيس الفرنسي يحاول تكريس ما يسمونه بالميثاق الاستعماري الجديد، ومع ذلك، فإن بمقدور باريس العودة مجدداً إلى إفريقيا إن تخلت عن دعم الأنظمة المستبدة، وتبنت سياسة تتسم بالتكافؤ الاقتصادي.

اقرأ أيضاً: دولة الجهاديين في إفريقيا.. حلمٌ يتحقق أم سراب صعب المنال؟!

نفوذ متنامٍ

بالنسبة لجولة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، فإنها تستهدف تعزيز النفوذ الروسي في القارة، مستغلة الأزمة الأوكرانية والمخاوف الإفريقية المتعلقة بإمكانية تعطل سلاسل التوريد العالمية للقمح، جراء الحرب وخطر انعدام الأمن الغذائي.

ويتضح ذلك جلياً عند قراءة تصريحات لافروف في القاهرة، محطة زيارته الأولى، حيث أكد التزام مصدري الحبوب بالوفاء بجميع التزاماتهم تجاه مصر، كما أكد التزام شركة روساتوم الروسية للطاقة الذرية المملوكة للدولة ببناء محطة طاقة نووية مكونة من أربعة مفاعلات في مصر، فيما تدرس شركات روسية إمكانيات بناء خط أنابيب رئيسي لنقل النفط من مدينة بوانت نوار إلى شمال الكونغو، بجانب مشروعات اقتصادية أخرى للتنقيب عن المعادن والزراعة والطاقة والمساعدات العسكرية.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

عبد الجليل سليمان

مراسل السودان

مقالات ذات صلة