الواجهة الرئيسيةترجمات
ماري بيرد: دراسة العالم القديم تعلمنا كيف نفهم أنفسنا
في كتابها الإلكتروني الذي نُشر مؤخراً تتحدث ماري بيرد عن صورة الأباطرة الرومان من العالم التقليدي وحتى الآن

كيوبوست- ترجمات
في مقابلةٍ نشرتها صحيفة “فاينانشال تايمز“، قال جوش سبيرو، إن لقاءه البروفيسورة ماري بيرد؛ أشهر أستاذة للأدب الكلاسيكي على مستوى العالم، لم يكن عادياً على الإطلاق؛ فهي ليست مؤرخة التراث والمذيعة المرموقة فقط، بل أيضاً مناضلة شجاعة على وسائل التواصل الاجتماعي، عُرفت بإطلاق النيران على الإساءات التي لاحقتها بعد صعودها من متخصصة في آداب روما القديمة إلى نجمة إعلامية عالمية.
اقرأ أيضاً: أبعد من أساطيرنا حول “كورونا”.. أوبئة الألفية الأولى غضبٌ من الآلهة!
ونظراً لأن الجائحة كانت محور حديثه مع بيرد؛ فقد سألها عن مدى جدوى إيجاد أوجه التشابه بينها وبين أوبئة العالم القديم؛ التي قضى أحدها على الزعيم السياسي الأثيني الموقر بريكليس في عام 429 قبل الميلاد، أو تفشي طاعون جستنيان في القرن السادس الميلادي، الذي أباد 30 إلى 50 مليون إنسان وَفق بعض التقديرات.
وأجابت ماري بيرد، قائلةً: “إنها الطريقة المثلى طوال الوقت لتضعك أمام مرآة ترى فيها نفسك من الخارج؛ حيث لا يقدم الماضي (طرحاً جاهزاً لطيفاً)، لكنه يدربك على أن (كل نوع من ردود الأفعال التي ننظر لها كردود أفعال خالصة ما هي إلا منتج ثقافي بامتياز، وأن الشعوب المختلفة تختلف ردود أفعالها تماماً)”.

وأضافت: “علينا التوقف عن الامتعاض في ما يتعلق بأفكارنا حول الحقب التاريخية غير العلمانية؛ فمن السهل جداً أن نسخر من اليونانيين في القرن الخامس، حيث اعتقدوا أن الأمر برمته عقاب من الآلهة، وكذلك هوميروس”؛ لكننا نجد في الحقيقة أن “ما يدركه معظمنا عن كوفيد لا يقل غرائبية عما فعله القدماء”. وإذا كان اليونانيون التقليديون يوجهون صلواتهم إلى أسكليبيوس، إله الدواء، فإن طلاسم السلطات المعنية عن “الأصابع والوجه والمنزل”، والآراء الدينية المشتركة حول “العلم”، لا تختلف بالمرة.
اقرأ أيضاً: هل يمكننا الاحتماء بالفن حين تطغى المأساة على الواقع؟
وبالحديث عن وظيفتها الأكاديمية في ظل عام الجائحة القاسي على طلاب الجامعات، صرحت بيرد بعبارات ربما تُبهج عدداً قليلاً من طلابها عن اعتقادها بأن الجائحة ستؤدي إلى تحسين بعض الإجراءات الروتينية؛ فهي تؤيد تغيير قاعدة “تقديس الجلوس والكتابة لمدة 3 ساعات” خلال الامتحانات المتكررة بكثافة، وتقول إن المحاضرة التي تتطلب الحضور قد تكون أيضاً بلا روح؛ لكنها في الوقت نفسه تفتقد الاقتراحات السريعة أثناء المحاضرات، ومع ذلك تشير إلى أن طلاب الجامعات تروق لهم المحاضرات المسجلة، مؤكدةً أنه “من الجيد أن تتحلى بالقدرة على المشاهدة بشراهة”.

وقد بدأت ماري بيرد مسيرتها التعليمية في مدرسة الكلية الملكية بلندن، قبل أن تعود إلى نيونهام كمدرس عام 1984 وتميز تخصصها في التعليم من خلال مؤلفاتها عن الديانات الرومانية. وحظيت بحضور إعلامي بازر منذ فترة طويلة، في البداية عام 1992 من خلال عملها كمحرر تراث كلاسيكي، وكمدونة في موقع إلكتروني.
وأصبحت بيرد منذ كتابها الإلكتروني: «بومبي: حياة مدينة رومانية» الذي صدر عام 2008، واجهة معروفة عالمياً للبحث في التاريخ اليوناني والروماني، وتتميز بأفلامها الوثائقية التليفزيونية إلى جانب آرائها المعاصرة وشعرها الفضي الطويل وحذائها الرياضي الرائع.
اقرأ أيضاً: اليوم الدولي لمحو الأمية بهدف خلق عالم خال من الجهل
وهي الآن بمثابة علامة تجارية إعلامية، لدرجة أن برامجها تحمل اسمها؛ مثل برنامج “دعوة للقاء الرومان مع ماري بيرد”، أو “روما مع ماري بيرد.. إمبراطورية بلا قيود”. ومن المعروف أن الكلاسيكيات، التي تتضمن البحث في الأدب والفلسفة والماضي التاريخي في العالمَين اليوناني والروماني التقليديَّين، تحتل منذ فترة طويلة المكانة الأولى في الإبداع الثقافي والسياسي الغربي؛ لكن بيرد، حسب “الفاينانشال تايمز”، ربما تُبالغ في الدفاع عن أهمية العالم الكلاسيكي؛ لكن طابعها المتشكك هو ما جعل كتبها وأفلامها الوثائقية ممتعة للغاية.

فهي حريصة على هدم المسائل التي طالما اعتُبرت من المسلمات في ما يتعلق بالقدماء. وقد كانت أيضاً جزءاً من الحركة الهادفة إلى توسيع نطاق الكلاسيكيات، بتقديم البرامج المميزة عن النساء واللياقة البدنية مبكراً، لتتحدث عن مرحلة تهميش النساء -إلى جانب العبيد والمهاجرين والقادمين من خارج إيطاليا واليونان- على يد التيار السائد.
اقرأ أيضاً: “أجسادنا.. معاركهم.. ما الذي تفعله الحروب بالنساء؟”
وتقول بيرد إن الإمبراطورية الرومانية هي بمثابة “ماضٍ تاريخي للملونين”. والمثال الآخر هو أنها تولي اهتماماً بالكوزموبوليتانية الناشئة في روما؛ حيث اختتمت بحثها حول شعب ومجلس شيوخ روما في ماضي روما التاريخي، بأن الإمبراطور كركلا منح الجنسية في عام 212 بعد الميلاد لأكثر من 30 مليون شخص -من الذكور بالطبع- في جميع أنحاء الإمبراطورية.
وكانت بيرد المرأة الوحيدة التي شغلت وظيفة محاضر في كلية الكلاسيكيات بجامعة كامبريدج في عام 1984؛ حيث حرصت منذ زمن طويل على تنويع تركيبة أساتذتها، وتوسيع خلفية طلابها الجامعيين. وفي ذلك الوقت كان يهيمن على دراسة الكلاسيكيات تاريخياً داخل المملكة المتحدة كليات غير حكومية.

وهي تتعاطف مع الضغط من أجل إصلاح الجامعة وليس لهدمها؛ حيث تقول: “يراودني شك طفيف في أن الكلاسيكيات يجب أن تتغير؛ رغم أني افترضت ضرورة تغييرها منذ كنت طالبة جامعية”. ومع ذلك، فهي تتوخى الحذر للغاية من الحجج الداعية إلى وقف دراسة الكلاسيكيات كمادة واستيعابها في الأبحاث الدولية حول العالم التاريخي أو إعادة توزيع فروعها -الماضي التاريخي والفلسفة والأدب والأعمال الفنية وعلم الآثار- على كلياتها المتخصصة.
اقرأ أيضاً: روما القديمة وأزمة المهاجرين المتجددة!
وبسؤالها عن الإصلاحيين الذين يدَّعون دراسة الكلاسيكيات واستيعابها، قالت بيرد: “عمن نتعلم بمجرد أن ندرس العالم الكلاسيكي؟ إننا نتعلم عن أنفسنا بطريقة ما. ومن المؤكد أن طلاب الكلاسيكيات الجامعيين الذين أصبحوا سياسيين يتخيلون أنفسهم كأحد أبطالها؛ مثل أخيل الشجاع، أو أوديسيوس الماكر”.
وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حريصاً على قراءة افتتاحية الإلياذة باللغة اليونانية في إحدى المناسبات. ومع ذلك، عندما وصل الأمر إلى نقاش علني بينه وبين بيرد عام 2015، مع دعم جونسون لأثينا وبيرد لروما، اكتشف أنه مهزوم، وليس منتصراً، بعد تصويت المشاهدين.

وحول اليمين البديل، على سبيل المثال الذين يرفضون قبول فكرة أن روما القديمة كانت متعددة الأعراق ويعتبرون أن الهجرة أُقحمَت في إمبراطوريتها، كما انعكس في سلوك المتعصبين البيض مثيري الشغب في مبنى الكابيتول الأمريكي في يناير؛ حيث ارتدوا خوذات عسكرية تعود لليونان القديمة، كما لو كانوا يدافعون عن شعب من “البرابرة”، علقت بيرد قائلةً: “هؤلاء الأشخاص سطحيون وتعساء وبغيضون إلى حد كبير، وليس لديهم أدنى فكرة عن العالم التاريخي”.
شاهد: فيديوغراف: المدرج الروماني.. أثر حضاري في قلب عمان
حيث تركز بيرد على عوامل التفاؤل الزائد حول الاستفادة من الكلاسيكيات -مثل الإصلاحيين الفيكتوريين الذين يسعون إلى الديمقراطية الأثينية، واستكشاف أوسكار وايلد للشبق المثلي عن طريق أسلافه اليونانيين- وتتحدث عن كيفية “تبسيط” هذه الحجج على وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم تعرضها إلى مضايقات إلكترونية مثيرة للاشمئزاز، فإنها تحاول التفاعل مع القلة من منتقديها، على افتراض وأمل أن تنجح في الغاية التي تسعى إليها.

وفي كتابها الإلكتروني الذي نُشر مؤخراً، تتحدث ماري بيرد عن صورة الأباطرة الرومان من العالم التقليدي وحتى الآن؛ حيث تؤكد أنه يجب علينا تأمل تلك الصورة على نحو خاص، بحيث لا يقتصر الأمر حول مَن هم الأباطرة وماذا فعلوا فقط، بل وكيف ننظر إليهم بعين الاعتبار. وبسؤالها عن العامل الذي نسيء فهمه في التاريخ؟ قالت: “حسناً، لا أعرف؛ لكن التاريخ ليس نحن، علينا أن نعرف عمن نتعلم بمجرد أن ندرس العالم التقليدي؛ لأننا في الوقت نفسه نتعلم عن أنفسنا بطريقة ما”.
اقرأ أيضاً: الرومانسية والتطرف اليميني
وتضيف: “هناك حاجة دائمة إلى الترجمة وتأمل المواقع الأثرية. اذهب إلى فيلا رومانية لطيفة في بريطانيا، ستجد عبارة (غرفة نوم) مكتوبة على إحدى الغرف، ويجب أن تتساءل: لماذا؟ فالرومان لم يكن لديهم غرف نوم! وبالتالي فإننا لم ننتهِ بالكامل من محاولة رسم خريطة عالمنا الشخصي على غرار عالمهم. وسوف يصبح الأمر مملاً إذا فعلنا؛ لأن ما يلفت الانتباه أن هناك فرقاً”.
كما عبرت بيرد، خلال المقابلة، عن استيائها من السلوكيات المجتمعية المتطرفة التي وقعت مؤخراً ومحاولة محو أو إعادة كتابة التاريخ؛ حيث اعترضت على إزالة تمثال المستعمر سيسيل رودس، في أكسفورد، قائلةً: “هذه ليست الطريقة الوحيدة التي يمكن بها إظهار أن الشخصيات المخلدة غير لائقة. علينا أن نكون منصفين. أعتقد أنها أعظم عبرة لمن يعتبر، تذكرنا أننا قد نكون نحن أيضاً غير لائقين في مرحلة ما”.
المصدر: فاينانشال تايمز