الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
ماذا ينتظر تونس بعد تمديد تعليق البرلمان؟
مركز ستراسفور للدراسات يطرح أسئلة جدية تتعلق بمستقبل تونس وسط حالة من الترقب والحذر داخل الأوساط التونسية

كيوبوست
في تقريره الأخير حول الأوضاع في تونس، طرح مركز ستراسفور للدراسات أسئلة تتعلق بمستقبل السياسة التونسية؛ حيث أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد، أنه مدَّد إلى أجل غير مسمى تعليق المجلس التشريعي. ولم يقدم الرئيس أي تبرير لهذه الخطوة؛ لكنه وعد بإلقاء خطاب في الأيام المقبلة. وكان سعيّد قد تسبب في صدمة عبر تونس، نهاية الشهر الماضي، بعد أن قرر تعليق عمل البرلمان لمدة 30 يوماً، وأقال رئيس الوزراء، وأعلن أنه سيتولى السلطة التنفيذية، إلى جانب رئيس وزراء جديد لم تتم تسميته بعد.
غير مفاجئ
قرار التمديد جاء متوقعاً ولم يكن مفاجئاً؛ لكنه عكس ما حاول أعضاء تنظيم الإخوان الترويج له خلال الفترة الماضية، حسب د.بدرة قعلول؛ رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في تونس، التي تقول لـ”كيوبوست”: إن مسألة رجوع البرلمان أصبحت من الماضي، والإجراءات التي تتخذ بحاجة إلى فترة ما بين 6 و8 أشهر حتى يمكن وضع البلاد على المسار الصحيح؛ نتيجة كثرة الملفات التي يجب التعامل معها، سواء الملفات الأمنية أو القضائية، وحتى يمكن القول إن البلاد ستنتقل من مرحلة انتقالية إلى مرحلة بناء واستقرار حقيقي يمكن تحقيقه.
اقرأ أيضًا: تونس بعد 25 يوليو
تشير رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية إلى أن الرئيس قام بإجراءات واضحة للمواطنين؛ خصوصاً في ما يتعلق بوزارة الداخلية، ومواجهة قيادات الإخوان الموجودين فيها، وبجانب التغييرات التي أجراها في الشهر الماضي سيكون هناك تغييرات أوسع تشمل المديرين العامّين قريباً؛ من أجل تحقيق الاستقرار بالملف الأمني، لافتةً إلى أن الرئيس لو تخلى عن مطالب الشعب وتحاور مع مَن يرفضهم المواطنون ستتراجع شعبيته؛ وهو ما يجعله يسير في الطريق الذي رسمه الشعب.

وقد أدت المماطلة المستمرة في تعيين رئيس وزراء وحكومة جديدَين، على الرغم من وعد سعيّد، في 25 يوليو، بالقيام بذلك “قريباً”، إلى تصاعد حالة عدم اليقين السياسي في تونس في أعقاب استحواذه الواضح على السلطة. ومن أجل الحفاظ على منصبه التنفيذي دون معارضة شعبية قوية، سيحتاج سعيّد إلى مواصلة التركيز على استئصال جذور الفساد. فمنذ توليه منصبه، أشرف سعيّد على العديد من تحقيقات مكافحة الكسب غير المشروع التي يدعمها التونسيون إلى حد كبير، حسب تحليل “ستراسفور للدراسات”.
وتماشياً مع هذا الاتجاه، فتحت السلطات القضائية في تونس -بموجب سلطة الرئيس- سلسلةً من التحقيقات في 28 يوليو، مع مسؤولين سياسيين، وأحزاب سياسية، ورجال أعمال، وأعضاء سابقين في البرلمان، بشأن مزاعم فساد وإساءة استغلال للسلطة. ويبدو أن التحقيقات عززت منذ ذلك الحين شعبية سعيّد؛ حيث قال 94% من التونسيين إنهم يوافقون على قرارات الرئيس، في استطلاع أجراه مركز “سيجما كونسيل” في أغسطس، مقارنة بـ87% قالوا ذلك في استطلاع أجرته شركة “إيمرود” للاستشارات، في 28 يوليو.
مسألة تعليق أعمال البرلمان معروفة في الأنظمة الديمقراطية حول العالم، حسب المحلل السياسي التونسي أحمد الذوابي، الذي يقول لـ”كيوبوست”: إن الأمر تكرر من قبل في كندا وبريطانيا، ويكون لوضع استثنائي، وهو نفس ما يحدث في تونس اليوم، مشيراً إلى أن حالة الخطر الداهم التي دفعت الرئيس للقرارات الاستثنائية لا تزال قائمة حتى اليوم، ويتعامل معها وَفق أجندة أولويات لصالح المواطن التونسي الذي بدأ يشعر بتحسن الأوضاع في دواليب العمل الحكومي خلال الفترة الماضية.

يشير الذوابي إلى أن هناك تحسناً ملحوظاً في الأسعار وتوافر السلع خلال الأيام الماضية؛ نتيجة التحرك من قوى الأمن لمواجهة المحتكرين، ومداهمة المخازن التي يتم فيها إخفاء السلع وغيرها من الإجراءات التي يلمسها المواطن يومياً، معتبراً أن مثل هذه الإجراءات زادت من شعبية الرئيس التونسي بشكل كبير؛ خصوصاً بين فئة الشباب التي صوتت لها في الانتخابات الرئاسية عام 2019، بجانب تأييده من جانب بعض المترددين في حسم موقفهم من قراراته فور إصدارها بعد تظاهرات 25 يوليو الماضي.

اقرأ أيضاً: استعادة الثورة التونسية من الإسلامويين
وقال العديد من القضاة والسياسيين ورجال الأعمال التونسيين الذين يواجهون تحقيقات معلقة تتعلق بالفساد مؤخراً لشبكة “فرانس 24″، إنهم حُرموا بشكل تعسفي من الحق في السفر أو مغادرة البلاد في الأسابيع الأخيرة. فقد وعدت حملة سعيّد الرئاسية لعام 2019 بشن حملات واسعة النطاق على الكسب غير المشروع، وهو ما يدعمه التونسيون إلى حد كبير؛ خوفاً من أن الوعود بمزيد من الحرية والفرص الاقتصادية التي تم إطلاقها في الربيع العربي لن تتحقق بالكامل دون التخفيف من الفساد الممنهج في البلاد.
ترقب وحذر
ومن خلال السيطرة على السلطة التنفيذية وعدم وجود إشراف برلماني، يستطيع سعيّد من الناحية الفنية إعادة ترتيب الحكومة التونسية على النحو الذي يراه مناسباً؛ لكنّ أصحاب المصلحة السياسية الآخرين في البلاد من المرجح أن يعملوا معاً لضمان عدم تعزيز الرئيس لسلطته. ويبدو أن أغلب الطيف السياسي التونسي حذر في الخروج بقوة مع أو ضد تحركات الرئيس؛ وذلك لأنه ما زال من غير المؤكد ما الذي يريده سعيّد على وجه التحديد.
تؤكد بدرة قعلول وجود رغبة في محاسبة الفاسدين؛ وهو ما ظهر في القرارات التي اتخذت بوضع العديد من القيادات تحت الإقامة الجبرية، وصدور قرارات منع من السفر. وعلى الرغم من العطلة القضائية خلال الفترة الماضية؛ فإن الرئيس تمسك بأن تكون المحاكمات عادلة وطبقاً للقوانين الحالية، معتبرةً أن فتحَ ملف المافيا السياسية في تونس التي تحالفت مع “النهضة”؛ سواء أكانت أحزاباً أم رجالَ أعمال، أمرٌ سيستغرق وقتاً.

ومع ذلك، من المرجح أيضاً أن تعمل مجموعة واسعة من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية في تونس، على كبح أية محاولات محتملة للسيطرة بشكل عدائي على السلطة. والآن بعد مرور ثلاثين يوماً، أصبح بوسع رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، (زعيم حزب النهضة الإسلامي)، أن يتساءل قانوناً عما إذا كانت الظروف “الاستثنائية” التي ذكرها سعيّد في تحريك إجراءات 25 من يوليو، ما زالت استثنائية في واقع الأمر.
اقرأ أيضاً: سيذكر التاريخ أن الغنوشي استجدى الدعم الداخلي والدولي دون جدوى
لكن إذا اختار الغنوشي استجواب سعيّد؛ فمن المرجح أن يفعل ذلك بحذر، حيث إن اتخاذ موقف قوي ضد تصرفات الرئيس (التي يؤيدها التونسيون على نطاق واسع) من شأنه أن يزيد من تشويه سمعة حزبه؛ فقد أصبح حزب النهضة -وهو أكبر حزب في البرلمان التونسي المعلق الآن- كبش فداء على نحو متزايد؛ باعتباره السبب وراء عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي المستمر في البلاد خلال السنوات الأخيرة. وفي 12 أغسطس، اعترف حزب النهضة علناً بالمسؤولية عن أزمات البلاد المختلفة وأن “الإنجازات التنموية” للحزب لم ترقَ إلى مستوى توقعات الشعب التونسي.
وسوف تؤدي حالة عدم اليقين الناجمة عن الانفراد بالسلطة التنفيذية لفترة غير محددة إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية طويلة الأمد التي تعانيها تونس. وقد تحسنت في الأسابيع الأخيرة موجة جائحة كورونا في تونس -والتي تجاوزت مثيلتها في أي بلد آخر في شمال إفريقيا من حيث الإصابات والوفيات- وهو ما قد يوفر دفعة قوية للنشاط الاقتصادي على المدى القريب.

لكن استمرار تعليق البرلمان من شأنه أن يعرقل عملية صنع سياسات اقتصادية فعالة. ومن المرجح أن يؤدي هذا الشلل السياسي، مقترناً بمجموعة من تحقيقات مكافحة الفساد الجديدة، إلى إعاقة التعافي الاقتصادي على المدى الطويل في تونس من خلال خلق المزيد من عدم اليقين واضطراب الأعمال.
تشير بدرة قعلول إلى أن استكمال المسار الحالي سيكون عبر مراجعة لدستور 2014؛ خصوصاً في ما يتعلق بنظام الحكم والقانون الانتخابي، وهو أمر سيتم فيه مراجعة الشعب عبر استفتاء، لافتةً إلى أن رئيس الجمهورية سيكلف رئيساً للوزراء أو وزيرَ أول لتسيير الأعمال خلال الفترة المقبلة لحين الانتهاء من المرحلة الحالية؛ بما يضمن انتهاء العشرية السوداء التي سيطرت فيها “النهضة” على مقاليد الحكم.
ومنذ توليه السلطة التنفيذية في 25 يوليو، أشرف سعيّد على يومَي تطعيم جماعيَّين ناجحَين وفعالَين بشكل استثنائي في أغسطس؛ مما يمثل تبايناً حاداً مع حملات التطعيم الفوضوية التي شهدتها البلاد في وقتٍ سابق من هذا الصيف. كما بدأت موجة (كوفيد-19) الصيفية في الانحسار خلال الأسابيع القليلة الماضية، والتي وصفها وزير الصحة في البلاد بأنها “كارثية” في الثامن من يوليو الماضي.
اقرأ أيضاً: كيف تعكس ردود الفعل على أزمة تونس التحول الجيوسياسي في الشرق الأوسط؟
وليس من الواضح ما إذا كان انخفاض عدد الإصابات مرتبطاً فعلياً بإجراءات سعيّد، لكن التوقيت سوف يساعد على تعزيز ثقة الجمهور في قيادة الرئيس. لكن المؤشرات الاقتصادية في تونس؛ بما في ذلك ارتفاع التضخم إلى 6.4% وارتفاع معدلات البطالة، لم تتحسن منذ تولى سعيّد السلطة التنفيذية. وبعد إعلان تعليق البرلمان، ألمح سعيّد أيضاً إلى إمكانية وصول مساعدات مالية خارجية، وهو الأمر الذي لم يتحقق بعد.