الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

ماذا يريد 12% من سكان العالم بعد قمة شرم الشيخ؟

ما الذي يريده سكان الدول المشاركة في القمة؟

كيو بوست –

“الأوروبيون والعرب، يريدون أن يبنوا مستقبلهم معًا”، هذا هو تصريح رئيس المفوضية الأوروبية “جان كلود يونكر” في ختام القمة العربية الأوروبية الأولى، التي استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية بين 24–25 فبراير/شباط 2019. ولكن السؤال الأهم بعد انتهاء تلك القمة: ماذا عن النتائج؟ وهو السؤال الذي يقودنا بدوره إلى ضرورة إلقاء نظرة عامة على الواقع العربي الحالي والوضع الراهن الذي جرى عقد تلك القمة في إطاره.

في خضم أزمات إنسانية واقتصادية عميقة تهدد معظم الدول العربية، نرى الأوروبيون يسعون من جديد إلى عقد قمم مع قادة منطقتنا العربية، ربما للبحث عن دور جديد، أو عن بناء مستقبل مشترك معنا، ربما أدركوا أخيرًا –بعد وقوع عدد من الحوادث الإرهابية في بلدانهم– أن ما يهدد منطقتنا العربية من أخطار إرهاب أعمى، وتطرف أحمق ليس بمعزل عنهم أو عن بلادهم، وأن السبيل الوحيد لإحلال السلام لدى الـ12% من سكان العالم –مجموع سكان المنطقتين– هو الحوار وعقد اللقاءات الدورية ومحاولة الوصول إلى مناطق مشتركة في التفكير.

اقرأ أيضًا: القمة العربية الأوروبية: هل تقف المنطقة أمام عهد جديد من المواجهة مع إيران؟

فمن وجهة نظر براجماتية بحتة، يدرك قادة الدول الأوروبية تمامًا أن الوطن العربي هو العمق الإستراتيجي والأمني لهم، وأن ترك بعض الدول العربية مرتعًا للإرهاب وعدم الاستقرار سوف يطالهم في نهاية الأمر ويؤثر فيهم سلبًا.

ولهذا كان من الضروري أن نرى الجميع يجلسون على طاولة واحدة بعد سنوات مما جرى الاتفاق على تسميته “الربيع العربي” الذي شجعته أوروبا، بل وشاركت فيه قواتها أيضًا في إطار حلف الناتو في ليبيا ضد قوات نظام معمر القذافي، كل ذلك دون أن يكون لدى تلك الدول العربية التي قامت فيها الثورات خطط لكيفية إنقاذها من السيناريوهات التالية لهذه الحروب والصراعات العنيفة، ومن جماعات الإسلام السياسي، البديل الوحيد المنظَّم إلى حد ما في تلك الدول، هذا بالإضافة إلى الدول التي وقفت داعمة لتلك الجماعات المشبوهة بالمال أحيانًا، وبتوفير الغطاء السياسي لها في أحيان أخرى كتركيا وقطر.

وهكذا بدأ الأوروبيون يدركون مع الوقت أن الإرهاب ما هو إلا جماعات مخادعة وكاذبة شجعتها قيادات دولهم في بداية الأمر، حتى تحولت هذه الجماعات مع الوقت إلى حركات مسلحة شديدة الخطورة على الجميع، بما في ذلك هم أنفسهم.

وبينما يلملم الوطن العربي جراحه جراء تلك الحالة من التمزُّق –إذ إن دولًا انهارت تمامًا وتحولت إلى شبه دول كسوريا، والعراق المثخن بجراح حربه ضد تنظيم داعش الإرهابي، التي خرج منها منتصرًا بعد إرهاق وخسائر كثيرة اقتصادية وبشرية، واليمن الذي يعاني تمرد جماعة الحوثيين على الشرعية الدستورية وقرارات الأمم المتحدة واستمرار حربهم ضد الجيش الوطني اليمني، بالإضافة إلى ما يحدث في ليبيا التي ما إن تخرج من أزمة حتى تدخل في أزمة جديدة، بالإضافة إلى نزوح الكثير من قوات تنظيم داعش الإرهابي إلى أراضيها مما جعلها في حالة عدم استقرار مستمرة، والقضية الفلسطينية، التي كانت قبل ما يعرف بالربيع العربي القضية الأهم في الشرق الأوسط، باتت لا تتقدم إلى الأمام بسبب الممارسات الإسرائيلية التي تعصف بكل المواثيق والمعاهدات الدولية، ناهيك عن الخلافات الداخلية بين المنظمات الفلسطينية– أصبح اللجوء إلى مثل تلك اللقاءات بما تشتمل عليه من تقريب لوجهات النظر وتبادل للخبرات أمرًا ملحًا.

اقرأ أيضًا: هل نجحت قمة وارسو في تشكيل تحالف دولي لردع السلوك الإيراني؟

كانت البداية مع كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التي تركزت في مجملها على الإرهاب الذي يهدد أوروبا والدول العربية، إذ أكد خلالها أن الإرهاب يستشري عبر انتقال العناصر المتطرفة من خلال الحدود من دولة إلى دولة، واتخاذهم بعض الدول ملاذًا آمنًا، لحين عودتهم لممارسة إرهابهم المقيت، أو من خلال حصولهم على الدعم والتمويل، مختبئين وراء ستار الجمعيات المشبوهة.

وقال السيسي أيضًا إن الإرهاب بات مع الأسف أداة تستخدمها بعض الدول لإثارة الفوضى بين جيرانها، سعيًا منها إلى تبوّؤ مكانة ليست لها على حساب أمن المنطقة وسلامتها. كما أكَّد أن المشكلة الرئيسة في الإرهاب تكمن في أن هناك تنظيمات إرهابية وجمعيات غير قانونية تعيش في دول توفر لها كل الدعم، المالي واللوجيستي، وهنا يشير الرئيس السيسي بكل وضوح إلى قطر وما تعيثه من فساد وخراب في الوطن العربي ودعمها للجماعات المتطرفة كجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وتنظيمات داعش والقاعدة التي وجد قادتها ملاذهم الآمن في الدوحة.

بينما أطلق العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، تحذيرًا من إرهاب آخر، هو ما تمارسه إيران في المنطقة العربية، تحديدًا في اليمن، إذ إن الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون تهدد الملاحة البحرية في مضيق باب المندب الذي يعتبر المنفذ الأهم بين العالم العربي والدول الخارجية، مؤكدًا أن ميليشيات الحوثي الإيرانية أطلقت حتى الآن أكثر من 200 صاروخ باليستي إيراني الصنع باتجاه مدن السعودية.

اقرأ أيضًا: قمة وارسو حول الشرق الأوسط تربك إيران وحلفاءها

وهنا تأتي أهمية هذه القمة؛ إذ يتم لأول مرة طرح مثل تلك القضايا في اجتماعات عربية دولية، وليس في اجتماعات عربية – عربية، فقد كانت القيادات العربية واضحة تمامًا في أزماتها التي ترى أن الدول الكبرى -منها الأوروبية بطبيعة الحال- شريكًا أساسيًا فيها. لا تريد الدول العربية الآن البحث عن شركاء تجاريين فقط، بل تريد أن يتفهم العالم الخارجي خطورة ما تعانيه كل دولة عربية من عدم استقرار داخلي نتيجة ممارسات -سواءً من تنظيمات داخلية أو خارجية- تسعى فقط إلى عدم الإصلاح وعرقلة السعي إلى التقدم، وهكذا كان على هذا الاجتماع الذي ضم ممثلي 49 دولة، منها 21 عربية و28 أوروبية، الخروج برؤى مختلفة عما تريده دول من اتفاقات وصفقات اقتصادية تسعى دائمًا إليها، للاستفادة من الوضع العربي العام.

كل هذه التحديات العربية كانت أمام قادة الدول الأوروبية في هذه القمة المختلفة التي خرجت بقرارات مهمة، تركز جميعها على أنه لا تزال هناك فرصة للتعاون المشترك بين جميع هذه الدول، وأن رؤية معظم الدول العربية سواءً للملف السوري، أو اليمني، أو الليبي تتفق مع رؤية دول أوروبا مع الاتفاق على وضعية مدينة القدس، وعدم شرعية وجود المستوطنات الإسرائيلية.

وجاءت القرارات التي خرجت في نهاية القمة العربية الأوروبية لتمثل انعكاسًا إيجابيًّا لما أرادته قيادات الدول العربية من أن تكون الدول الأوروبية شريكًا رئيسًا في الملفات ذات الاهتمام العربي، وأن يكون للتقدم الأوروبي الاقتصادي والأمني والسياسي دور إيجابي في حل القضايا الإقليمية في الوطن العربي، وأن يتضح للشعوب الأوروبية حقيقة الأزمات التي تحدث داخل الدول العربية، وأن الأمر لم يقتصر فقط على تحدي رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي نظيرها الإيطالي جوزيبي كونتي، في لعبة البلياردو خلال تواجدهم في قمة شرم الشيخ، أو عندما قاطع رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر المؤتمر الصحفي للرد على اتصال زوجته، فهذه العناوين الخفيفة الشيقة التي تناولتها وسائل الإعلام العالمية لم تكن هي فقط ما حدث في القمة.

اقرأ أيضًا: 5 مؤشرات تدل على حرب عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران قريبًا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة