الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
ماذا لو فشلت محادثات الاتفاق النووي مع إيران؟

كيوبوست- ترجمات
ماريا فانتابي وفالي نصر ♦
بالتزامن مع جولة الرئيس بايدن في الشرق الأوسط التي تأتي في لحظة حاسمة، وتهدف إلى بذل محاولة جديدة لإحياء المحادثات المتوقفة مع إيران بخصوص إحياء الاتفاق النووي، نشر موقع “فورين أفيرز” مقالاً يبحث فيه الخيارات المتاحة أمام إدارة بايدن في حال الفشل في التوصل إلى اتفاق يمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية.
يشير المقال إلى أن إسرائيل تعهدت منذ فترة طويلة بألا تسمح لإيران بأن تصبح دولة نووية؛ وهي تعمل من خارج الأطر الدولية متعددة الأطراف لضمان ذلك، واغتالت العديد من العلماء والمسؤولين العسكريين الإيرانيين، وتنفذ هجمات على أهداف إيرانية في سوريا، وتعزز قدراتها الهجومية استعداداً لضرب المواقع النووية الإيرانية. كما يسعى الإسرائيليون، وبدعم أمريكي، إلى تشكيل تحالف عسكري مع عدد من الدول العربية ضد إيران. وقد عقدت الولايات المتحدة، في مارس الماضي، اجتماعاً ضم مسؤولين أمنيين من مصر وإسرائيل والأردن وقطر والبحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؛ بهدف دمج منظومات تبادل المعلومات الاستخباراتية وأنظمة الدفاع الجوي في مواجهة التهديدات الإيرانية.
ومع أن إدارة بايدن ترى أن إحياء الاتفاق النووي هو أفضل طريقة لكبح طموحات إيران النووية، فإنها في حال فشل ذلك تبدو مستعدة لتبني نهج إسرائيل بهذا الخصوص؛ ويعني ذلك أنها سوف تدعم إسرائيل في تنفيذ هجمات في العمق الإيراني وفي جهودها لتشكيل تحالف عسكري عربي ضمن إطار اتفاقيات إبراهيم.

يلفت المقال إلى أن هذا الوضع يشبه إلى حد كبير الوضع في السبعينيات؛ عندما كلَّف الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، شاه إيران بأمن الشرق الأوسط. وهذا نهج محفوف بالمخاطر؛ فشرطي الشرق الأوسط الذي ستعينه الولايات المتحدة هذه المرة لا يسعى لتجنب الصراع، بل هو الفاعل الإقليمي الأكثر وضوحاً الذي يدفع باتجاه التصعيد. وينبغي للولايات المتحدة أن تتبنى نهجاً مختلفاً يهدف إلى تجنب الصراع من خلال الجمع بين الأمن الإقليمي المعزز وتشجيع العلاقات الدبلوماسية القوية بين إيران والدول العربية.
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته نفتالي بينيت، قد أطلق العنان لما يُعرف باستراتيجية الأخطبوط ضد إيران، وانطوت هذه الاستراتيجية على أعمال التخريب والاغتيالات والحرب الإلكترونية والهجمات على الأفراد والضباط الإيرانيين والبنية التحتية الإيرانية، وعلى حلفاء إيران في العراق ولبنان وسوريا. وتميز هذا النهج الذي يتجاوز التركيز على المنشآت النووية الإيرانية ويطول الجمهورية الإسلامية نفسها بأنه أكثر عدوانية وتعقيداً مما سبقه.
اقرأ أيضاً: جو بايدن والشرق الأوسط الجديد
وكان من الأمور الحاسمة في استراتيجية بينيت، بناء قدرات إسرائيلية في دول مجاورة لإيران، وقد انطلقت عمليات التخريب والاغتيالات داخل إيران من قواعد في أذربيجان وإقليم كردستان العراق المجاورين لإيران. كما أعرب بينيت عن أمله في أن توفر اتفاقيات إبراهيم ثقلاً إقليمياً موازناً لإيران بعد أن وسعت هذه الاتفاقيات بالفعل من نفوذ إسرائيل في الخليج العربي.
وعلى الرغم من خطوات إسرائيل الهجومية؛ فإن إيران تسعى لكسب الوقت وتجنب المواجهة المباشرة مع إسرائيل، وتعمل على تطوير برنامجها النووي وتعزيز قدراتها الصاروخية وطائراتها المسيرة وتوسيع قدراتها العسكرية في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وفي الوقت نفسه؛ تهاجم إسرائيل من خلال وكلاء لها مثل “حماس” و”حزب الله”، وتبدي استعداداً متزايداً لاستهداف المواقع الاستخباراتية الإسرائيلية القريبة من حدودها، وتضغط على الدول التي تسهل الهجمات الإسرائيلية عليها. كما ضغطت على حلفائها في العراق لإصدار قانون يجرم التطبيع مع إسرائيل، وللضغط على حكومة كردستان العراق شبه المستقلة؛ لتقليص تعاونها مع إسرائيل.

وفي خضم هذه الاضطرابات المتزايدة، يتفاوض أعضاء من إدارة بايدن في الدوحة، بالتنسيق مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي، لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، بعد أن أدى قرار الرئيس السابق ترامب، بالانسحاب منها، إلى زيادة سيطرة المتشددين في إيران وإلى تقليص الفترة اللازمة لها لصنع القنبلة النووية. كما دفعت العقوبات الأمريكية على طهران بتجارة النفط الإيرانية إلى العمل في الخفاء؛ الأمر الذي أتاح موارد مالية هائلة للحرس الثوري الإيراني من هذه التجارة غير المشروعة. وبطبيعة الحال فإن هذا الوضع سيدفع بالعديد من قيادات الحرس الثوري إلى معارضة الاتفاق النووي؛ لأنه سوف يعيد عائدات النفط إلى الحكومة الإيرانية. وقد عززت الهجمات الإسرائيلية موقف هؤلاء الذين يرون في الاتفاق مجرد مكيدة أمريكية لتقويض مكانة إيران وقدرتها على الرد العسكري.
ومن المؤكد أن الصفقة سوف تبعث بالحياة في الاقتصاد الإيراني، وستخلق فرصاً تجارية كبيرة لإيران مع جيرانها العرب الذين تسعى إسرائيل لتعزيز علاقاتها معهم. ويمكن للقادة الإيرانيين الذين يؤيدون الاتفاق الاستفادة من هذا الأمر في التغلب على مقاومة الحرس الثوري إذا كانت الوعود الاقتصادية كبيرة وفورية ومؤكدة.
اقرأ أيضًا: في الذكرى الـ26 لتفجيرات الخبر: باحث سعودي يفتح ملف الدور الإيراني في دول الخليج
وفي الأسابيع المقبلة، سيكون الدور الأمريكي حاسماً في منع حرب الظل القائمة بين إيران وإسرائيل من الخروج عن السيطرة وتحولها إلى مواجهات أكبر تنقل التوترات من بلاد الشام إلى شبه الجزيرة العربية، وتطيل أمد الأزمات السياسية في العراق ولبنان، وتفشل الهدنة الهشة في اليمن، وربما تعيد إشعال الصراع في سوريا. وكل ذلك سيجبر الولايات المتحدة على العودة إلى التركيز على المنطقة في الوقت الذي تحتاج فيه إلى التركيز على روسيا والصين.
ولتجنب هذه النتائج لا بد للحكومة الأمريكية من وضع خطوط حمراء لإسرائيل تحد من هجماتها الاستفزازية، كما ينبغي لها أن تضع الخطوط العريضة لاستراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال إطار دائم لمنع الصراعات. والطريقة الأكثر فعالية لتحقيق ذلك هي التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران؛ الأمر الذي من شأنه أن يزيل أسباب التحركات الإسرائيلية، وبالتالي يقلل من احتمالية الهجمات الانتقامية الإيرانية؛ بما في ذلك الهجمات على منشآت وناقلات النفط التي يمكنها أن تضر بأسواق الطاقة العالمية.
كما يمكن لهذا الاتفاق أن يؤدي إلى تحسن علاقات إيران مع جيرانها الخليجيين، وحتى لو تعثر الاتفاق، يمكن أن يكون تحسُّن العلاقات العربية- الإيرانية عامل كبح لأنشطة إيران الإقليمية العدوانية. كما أن مصلحة الدول الخليجية في إنهاء الصراعات الإقليمية تتطلب المزيد من الحوارات بين طهران والرياض؛ بغض النظر عن مصير الاتفاق النووي.

ويمكن للدفع باتجاه علاقات أقوى بين إيران وجيرانها العرب أن يوفر فرصة لواشنطن لإعادة توجيه الأمن الإقليمي وبناء دعم أوسع للسيطرة على التصعيد بين إسرائيل وإيران. ويجب على واشنطن أن تقرن ضرورة احتواء طهران عسكرياً بتشجيع الدبلوماسية الإقليمية للتأثير على سلوكها. واليوم؛ تسعى إسرائيل لاستمالة العرب للانضمام إلى مظلة أمنية مناهضة لإيران، وإيران لديها كل الأسباب لثني العرب عن اتخاذ مثل هذه الخطوة، ويمكن للدول العربية استخدام هذا الموقع لتشجيع كل من إيران وإسرائيل على الكف عن الاستفزازات التي تهدد المنطقة وعلى ضبط حرب الظل الدائرة بينهما. ويجب أن تستفيد إدارة بايدن من جولته في المنطقة؛ لتشجيع العرب على ذلك.
♦ماريا فانتابي: مستشارة مركز الحوار الإنساني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
♦فالي نصر: أستاذ الشؤون الدولية ودراسات الشرق الأوسط في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز.
المصدر: فورين أفيرز