الواجهة الرئيسيةشؤون عربيةملفات مميزة
ماذا لو عاد مقاتلو داعش إلى بلدانهم في شمال إفريقيا؟
حوالي 6000 آلاف من مقاتلي داعش انضموا إليها قادمين من دول شمال إفريقيا

خاص كيو بوست –
بعد الضربات الأخيرة التي تلقاها تنظيم داعش في كل من سوريا والعراق، والتي أسفرت عن طرده من عاصمته، ومحاصرته في إحدى أكبر المدن التي كان يسيطر عليها، لا تبدو الوجهة التي سينقل إليها عناصره واضحةً بشكل كامل.

تشير تقديرات بعض الخبراء إلى أن داعش سيحاول مع الوقت نقل ثقله العسكري إلى مناطق جنوب شرق آسيا، باعتبارها أراضيَ خصبة يمكن أن تنمو فيها أفكار متطرفة مشابهة لأفكار التنظيم. تقديرات أخرى ترى أن من الصعب التنبؤ بدقة عن الوجهة التي يمكن للتنظيم أن يسلكها خصوصًا في ظل “الصفقة القذرة” التي كشفتها قناة بي بي سي البريطانية والتي قام التنظيم بموجبها بنقل مئات من عناصره المسلحين خارج مدينة الرقة إلى مكان مجهول، وعبر اتفاقية سرية ضمنت لهم حرية الحركة والتنقل تحت غطاء شاحنات وحافلات مدنية.
لذلك، يبدو أن مراسم الاحتفال الوشيكة بتطهير المناطق السورية والعراقية من تنظيم داعش، يجب أن تترافق مع متابعة مسارات التنظيم، حتى لا يتمكن من بناء قواعد جديدة في أماكن غير متوقعة بطريقة من شأنها أن تعيد إحياء التنظيم بعدما باتت نهايته قريبة.
وفي إطار مساعي التنظيم للبحث عن أماكن بديلة، من المرجح أن يقوم التنظيم بنقل ثقله إلى مناطق يحافظ فيها على نفوذ كبير. ومن بين هذه المناطق شمال إفريقيا، حيث يمكن للتنظيم أن يعقد تحالفات مع جماعات متشددة في ليبيا ونيجيريا من شأنها أن تعيد إلى التنظيم بعضًا من قواته التي خسرها، خصوصًا في ظل مبايعة بعض تلك الجماعات لتنظيم داعش من قبل، أو مناصرتها عن بعد، أو على الأقل التوافق الفكري بينهما.
وفي ظل مقدرة التنظيم على إعادة تجديد قوته في كل مرة كان يصل إلى مرحلة الهزيمة الكاملة، سيسعى داعش بكل تأكيد إلى بناء علاقات مع مثل هذه الجماعات بهدف استعادة قواه الخائرة في سوريا والعراق.
ليبيا: مركز الانطلاق
يبدو أن استمرار الحرب الليبية، ودخول البلاد في السنة السابعة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، سيهيئ للتنظيم أن يزيد من قوته المتمركزة في ليبيا، والتي تمكنت من السيطرة على بعض الأراضي في مناطق الساحل الليبي. إلى جانب ذلك، يعتبر انشقاق بعض أعضاء المجموعات الجهادية التي كانت تبايع تنظيم القاعدة كأنصار الشريعة في ليبيا وتونس من شأنه أن يدفع بهم إلى داعش إذا ما عمل الأخير على استقطابهم وتجنيدهم في صفوفه.
على أية حال لن يكون بإمكان التنظيم الصمود طويلًا أمام حملة البنيان المرصوص التي أطلقتها حكومة الوفاق الليبية بدعم من الأمم المتحدة، إلا إذا تمكن التنظيم من استعادة قوته هناك بالاستفادة من العناصر العائدة، إضافة إلى العناصر الذين هربوا إلى الصحراء على إثر ضربات البنيان المرصوص.
تشير التقديرات إلى أن حوالي 6000 آلاف من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا منذ عام 2011، انضموا إليها قادمين من دول شمال إفريقيا. ومع تزايد المعارك التي يخسرها التنظيم في سوريا والعراق، من المرجح أن يعود بعض هؤلاء إلى دول شمال إفريقيا، خصوصًا دول تونس والجزائر والمغرب، بدلًا من التوجه إلى أماكن أخرى في العالم، كجنوب شرق آسيا أو أوروبا. إن عودة هؤلاء ستشكّل تهديدًا أمنيًا خطيرًا على تلك الدول، على غرار ما فعله “العائدون من أفغانستان”، في حال تمكنوا من إعادة هيكلة بناهم العسكرية كما كانت في سوريا والعراق.
وقد يعود هؤلاء المقاتلون الذين تدربوا على استخدام الأسلحة الثقيلة واكتسبوا خبرات قتالية إلى بلادهم بنية شن هجمات داخل أراضي دولهم، بعد أن تفككت دولتهم المزعومة.
وسيكون في مثل هذه الحالات على حكومات الدول الإفريقية أن تتعامل مع هؤلاء الأشخاص بحزم لمنع مثل تلك النشاطات، لكن هذا بالتأكيد لن يكون شيئاً سهلًا.
إن اتحاد “العائدين من سوريا” مع مناصري التنظيم في دول شمال إفريقيا، سيمّكن التنظيم من تكوين خلايا صغيرة تجمع بين الخبرة القتالية (من العناصر العائدين)، والمعرفة بطبيعة الدول (من العناصر المبايعين المحليين) بما فيها معرفة المجالات التي من شأنها أن تشل النظام في تلك الدول، أو طبيعة الأشخاص الذين يمكن أن يجري استهدافهم.
على الأغلب ستشكل مدينة سرت الليبية منصة ينطلق منها الفكر الجهادي إلى بقية مناطق شمال إفريقيا، عبر البحر إلى كافة المناطق في شمال إفريقيا، لكن هذا لا يعني أن يقوم التنظيم بإنشاء مراكز قوى تابعة له في مناطق أخرى تكون تابعة للمركز الإقليمي.
ويبقى الخطر محدقًا أيضًا إذا عمل العائدون من سوريا على تنظيم هجمات منفردة، على غرار بعض الهجمات التي جرى تنفيذها في أوروبا، والتي تعرف عادة باسم “هجمات الذئاب المنفردة”. قد يكون لهذه الهجمات تأثيرات كبيرة على الوضع الأمني داخل دول شمال إفريقيا، خصوصًا أن عملية كشف مثل هؤلاء تكون أعقد من عمليات الكشف عن الخلايا المنظمة، لأن سقوط أحد أفراد الخلية في يد القوات الأمنية من شأنه أن يكشف عن كامل أفراد الخلية، أما إذا قرر “الذئب” تنفيذ عمليته بقرار شخصي، فسيكون من الصعب التنبؤ بطبيعة ومكان هذه العملية. أما إذا نفذها بتوجيه من التنظيم عبر الإنترنت فسيصبح على الحكومات متابعة شبكات التواصل التي يجري استخدامها بين التنظيم في الخارج مع بلدانها، الأمر الذي يعني إلقاء مسؤولية كبيرة على عاتق القوات الأمنية.