الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة
ماذا لو أصبحتَ غير مرئي للبعوض؟
وضع العلماء قدمهم في بداية الطريق نحو خلق بعوضة لا ترى المضيف البشري باستخدام تقنية كريسبر

تلخيص: كيوبوست
سابرينا إمبلير♦
تحاول سابرينا إمبلير، في مقالها، إلقاءَ الضوء على كيفية تفادي الإنسان الإصابة بلسعة البعوض من خلال جعل الإنسان مخلوقاً غير مرئي بالنسبة إلى البعوض. وتطرح في مستهل مقالها الأسئلة الآتية: إذا تمكنت من اختيار قوة خارقة لتتمتع بها، فماذا ستكون؟ وماذا يحدث إن استطعت التحليق أو أن تكون غير مرئي؟ وإن أعطيت خيار أن تصبح غير مرئي بالنسبة إلى البعوض، فهل سيتغير خيارك؟ من المؤكد أنك لن تحظى بفرصة التحليق بين النسور أو أن تفترش السحاب؛ ولكنك من الآن وصاعداً لن تضطر إلى الهروب من أسراب البعوض، وستكون محمياً من الأمراض الفتاكة التي تنقلها.
وتشير الكاتبة إلى مقال نشرته صحيفة “ذا نيويورك تايمز”، نقلاً عن مجلة “current Biology”، وجاء فيه أنه باستخدام تقنية التعديل الوراثي Crispr-Cas9، استطاع العلماء، ولأول مرة في تاريخ العلم، أن يجعلوا البشر غير مرئيين بالنسبة إلى بعوضة إيديس إيجيبتي التي تعتمد على مستشعرات بصرية لتجد فريستها؛ حيث استطاع الباحثون القضاء على قدرتها على رؤية فريستها واستهدافها عن طريق استئصال اثنتين من مجساتها المستقبلة للضوء.
اقرأ أيضاً: هل صحيح أن الحشرات تلدغ أشخاصاً أكثر من غيرهم؟!
“لم يجرِ أحد من قبل أبحاثاً في هذا المجال”، هذا ما صرحت به نيها ثاكري، الباحثة ما بعد درجة الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا- سان دييغو، والتي تبحث في استخدام كريسبر بوصفها أداة للتحكم في البعوض. على الرغم من أن الدكتورة ثاكري لم تشارك في البحث؛ فإنها ترى أن الدراسة “بداية عظيمة” على طريق فهم الآلية التي تتحكم في قدرة البعوضة البصرية.
إن بعوضة إيديس إيجيبتي، هي من الآفات التي عاناها البشر منذ الأزل. البعوضة الأنثى في بحثها عن الدم لوضع بيوضها تصيب مئات الملايين من البشر كل عام بالفيروسات المسببة لأمراض حمى الضنك والحمى الصفراء وزيكا.

يقول ين بينغ زان، الباحث ما بعد درجة الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا- سانتا بربرا، والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية: “كلما زاد فهمنا للطريقة التي يشعر بها البعوض بوجود الإنسان، استطعنا التحكم به أكثر باستخدام طرق صديقة للبيئة”.
تصطاد بعوضة أنوفيليس التي تنشر الملاريا ليلاً، بينما تصطاد بعوضة إيديس إيجيبتي نهاراً عند الفجر والغسق، وتعتمد كلتا السلالتَين على أسطولٍ من المستشعرات للإحساس بالدم، فمجرد نفخة من غاز ثاني أكسيد الكربون أثناء عملية الزفير كافية لتبدأ البعوضة رحلتها المسعورة بحثاً عن الكائن الحي.
اقرأ أيضاً: بين مكافحة الأمراض وصناعة الأدوية والمحاصيل الزراعية.. البيولوجيا الاصطناعية مفهوم جديد للحياة
وتنقل الكاتبة عن كريج مونتيل، عالم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا- سانتا باربرا، وأحد المشاركين في البحث، قوله: “يمكن للبعوض أن يستشعر بعض المؤشرات الحيوية في جلد الإنسان، كحرارة الجسم ورطوبته ورائحته. وفي غياب المضيف تهاجم البعوضة أقرب هدف شبيه أو بقعة داكنة. ومنذ 1937 لاحظ العلماء أن البشر بملابس داكنة أكثر جذباً لبعوض إيدس إيجيبتي؛ ولكن التقنية الجزيئية التي تمكن البعوض من رؤية هدفه لم تكن معروفة كثيراً آنذاك”.
وأشارت المجلة إلى تجارب كثيرة أُجريت لفهم قدرة البعوض البصرية، وقد كلفت أنفاق الرياح أو الغرف الكبيرة التي أنشئت لمثل هذه التجارب عشرات الآلاف من الدولارات. أظهرت التجارب الأولية التي أُجريت في أنفاق الرياح أن البعوض وبوجود ثاني أكسيد الكربون هاجم البقع المظلمة.
بما أن مختبر الدكتور مونتيل للأبحاث غير مجهز بنفق للرياح، قام الدكتور زان ببناء تصميم لم تتجاوز تكلفته مئة دولار؛ حيث بنى قفصاً فيه دائرتان، إحداهما سوداء والأخرى بيضاء، واستطاع بهذا التصميم الرخيص أن يحصل على النتائج نفسها التي أعطاها نفق الرياح. وفي ربيع عام 2019 أجرى الدكتور زان التجارب مستخدماً القفص. وفي الخريف من العام نفسه كرر جيف ريفل، عالم الأحياء في جامعة واشنطن، بمشاركة الخريجة كلير راش، وزميل ما بعد الدكتوراه دييغو ألونسو ساتن ألبيرتو، التجارب نفسها في نفق الرياح؛ للتأكد من النتائج.

ويشير المقال إلى ملاحظة كل من الدكتور مونتيل والدكتور زان، أن واحداً من البروتينات الخمسة المستشعرة للضوء في عين البعوض هو المسؤول عن قدرتها على رؤية المضيف البشري، والإحساس بوجوده كبقعة مظلمة، لذا قاما باستبعاد بروتين رودوبسن Op1؛ وهو بروتين الرؤية الأكثر انتشاراً في عين البعوض المعقدة، وهو المرشح الأول لأن يكون مسؤولاً عن قدرة البعوض على الرؤية. ثم قام الدكتور زان بحقن هذه الطفرة في الآلاف من بيوض البعوض، مستخدماً أداة ذات إبرة خاصة لها رأس صغير جداً. وعندما نمت هذه الطفرات الصغيرة، وبلغت مرحلة النضج، قام الدكتور زان بسحب نحو عشر إناث في أنبوب باستخدام شفاطٍ فموي، ثم نفخها في القفص مع زفير قوي.
وجاء في المقال أن سلوك هذه الإناث المعدلة كان مماثلاً لسلوك بعوض إيديس إيجيبتي؛ لأنها بمجرد إحساسها بغاز ثاني أكسيد الكربون اتجهت مباشرة إلى البقعة السوداء في القفص. بعد ذلك قام كل من الدكتور زان والدكتور مونتيل باستبعاد بروتين Op2؛ وهو البروتين الأقرب إلى بروتين رودوبسين، وهنا أيضاً لم تظهر أية علامات لتراجع الرؤية عند البعوض؛ ولكن عندما استبعد العالمان البروتينَين معاً، أخذ البعوض بالطيران بلا هدف، مظهراً عدم القدرة على التمييز بين الدوائر البيضاء والسوداء؛ لقد فقد قدرته على استهداف المضيف ذي اللون الداكن.
اقرأ أيضاً: التعديل الجيني على البشر والحيوان والنبات.. خطر مميت يلوح في الأفق
ولمعرفة ما إذا كانت إناث البعوض قد أُصيبت بالعمى الكلي أو أنها كانت فقط غير قادرة على رؤية البشر، أجرى الدكتور مونتيل والدكتور زان، سلسلة من التجارب لمعرفة كيف كانت استجابة هذه الإناث مزدوجة التعديل للضوء.
وتتابع سابرينا إمبلير، في مقالها، الحديث عما فعله العالمان حين اختبرا ما إذا كانت هذه الطفرات مزدوجة التعديل ستتحرك باتجاه الضوء؛ حيث قاما بعد ذلك بتوصيل أقطاب كهربائية لعيونها لتسجيل أي تغير في قوة التيار يمكن أن تطرأ كاستجابة للضوء، أخيراً وضعا الطفرات مزدوجة التعديل في أسطواناتٍ دوارة ذات خطوط عمودية بيضاء وسوداء؛ لاختبار ما إذا كانت هذه الإناث ستتحرك مع حركة الخطوط. اجتازت الإناث المعدلة الاختبارات الثلاثة، ولكن ما يجدر ذكره أن استجابتها في الاختبارَين الأخيرَين كانت أضعف من استجابة البعوض البري.

قال الدكتور مونتيل إن “ورقة البحث الجديدة يمكن أن تزودنا باستراتيجياتٍ مستقبلية للتحكم بأعداد البعوض؛ فعندما تعجز الأنثى عن رؤية مضيفها، لن تتمكن من إيجاد الدم المطلوب لتضع بيوضها، وبهذا يقل تعداد البعوض”.
لا يزال على الباحثين أن يضعوا هذه الطفرات مزدوجة التعديل أمام المضيف، وعندما يتم ذلك سيكون من المثير لفضول الدكتورة ثاكري، معرفة ما إذا كانت هذه القدرة الضعيفة على الرؤية قد تؤثر على قدرة البعوض في الوصول إلى الدم على الرغم من الحواس المتعددة التي تمتلكها هذه الحشرة. تقول الدكتورة ثاكري “إن ما يهمنا هو التخلص من لدغة البعوض”.
يساعد التغير المناخي الذي يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة في بعض المناطق على دخول بعوضة الإيديس إيجيبتي غير المرغوب بها إلى مناطق جديدة من الأرض كأجزاء من الصين وشمال أمريكا.
وتنقل سابرينا إمبلير، في ختام مقالها، حديث الدكتور مونتيل، من منزله في سانتا باربرا، حيث يقول: “نعاني كل عام جائحة جديدة لأحد الأمراض التي ينقلها البعوض” فقد لوحظت بعوضة الإيدس إيجيبتي لأول مرة في كاليفورنيا في عام 2011 في مقاطعة لوس أنجلوس، وانتشرت الآن لتصل إلى سكرامنتو في الشمال. سيستمر البعوض بالانتشار، واضعاً بيوضه على حقائبنا وسياراتنا، وعندما تفقس هذه البيوض ستبدأ الحشرات بالاصطياد فاتحةً عيونها معقدة التركيب بحثًا عن المضيفين.
♦مراسلة زميلة لصحيفة “ذا نيويورك تايمز”، تغطي الشؤون العلمية.
المصدر: ذا نيويورك تايمز