الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة

ماذا سرقت أوروبا من إفريقيا؟

كيوبوست- ترجمات

هوارد فرينش♦

نشرت مجلة “فورين بوليسي” مؤخراً مقالاً بقلم هوارد فرينش تحت عنوان “ماذا سرقت أوروبا من إفريقيا؟”، يناقش فيه سلسلة من الإعلانات الصادرة عن دولٍ غربية، ومتاحف كبرى، حول استعدادها لإعادة التحف الفنية التي تم الاستيلاء عليها من إفريقيا، على مدى القرن ونصف القرن الماضي تقريباً.

ومن هذه المتاحف متحف سميثسونيان في واشنطن، ومتحف ميتروبوليتان في نيويورك، والعديد من المتاحف الكبرى في بريطانيا وفرنسا. وتمثلت ذروة هذه الإعلانات في وصول وفد حكومي ألماني إلى نيجيريا يحمل 20 قطعة تعرف بتسمية “برونزيات بنين” إحداها لقناع ملكة من مملكة بنين السابقة في غرب إفريقيا. وقد صرح أحد أعضاء الوفد أن هذه القطع قد “عادت إلى حيث تنتمي”.

اقرأ أيضاً: المتحف البريطاني.. أكبر مقتنٍ للقطع الأثرية المسروقة في العالم

نُقل عن وزير الثقافة النيجيري قوله: “قبل عشرين عاماً أو حتى عشر سنوات، لم أحد ليتوقع عودة هذه البرونزيات إلى نيجيريا، لأن العقبات التي كانت تحول دون ذلك كانت مستعصية”. يشير كاتب المقال إلى إن كلمات الوزير النيجيري تجعل من السرقة المشينة للآثار تبدو وكأنها أمر بسيط. وتقول: “بصفتي شخص يعمل في التاريخ الإفريقي، فأنا أشعر أن هذه الإجراءات تحقق العدالة التصالحية مع الماضي المؤلم. وإعادة هذه القطع التي لا تقدر بثمن لا تزال غير كافية”.

ما لم يتم اتخاذ أي إجراء بشأنه هو إعادة دراسة الظروف التي تم في ظلها نهب الكثير من التراث الثقافي لإفريقيا، وما يجب فعله بهذا الشأن في ظل عدم الاستقرار والفقر الحالية في القارة. وهنا يشير كاتب المقال إلى كتابه الأخير “ولدتُ في السواد: إفريقيا والأفارقة وصناعة العالم الحديث من عام 1471 إلى الحرب العالمية الثانية” الذي يعالج فيه مسألة استنزاف أعداد هائلة من الأفارقة لتوفير العمالة المربحة في ظل العبودية التي كانت منتشرة في الغرب، حيث تم شحن ما يزيد على 12.5 مليون إفريقي مقيدين بالسلاسل عبر المحيط الأطلسي إلى الأمريكيتين للعمل في المزارع. الأمر الذي أضاع على إفريقيا عملهم وعمل نسلهم المحتمل دون رجعة، وفرض شكلاً لا يزال غير معترف به من أشكال الفقر الجماعي في القارة.

إحدى التحف الأثرية التي أعادتها ألمانيا إلى نيجيريا الشهر الماضي- نيويورك تايمز

هذا بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين قُتلوا في الفوضى التي أطلقها الأوروبيون في إفريقيا، لتسهيل عملية الاتجار بالرقيق، وكذلك المعدلات الرهيبة للوفيات في سفن الرقيق، حيث تشير التقديرات إلى أن ما نسبته 42% فقط تمكنوا من النجاة ليصلوا إلى أسواق النخاسة في العالم الجديد. كل ذلك يعني أن خسارة إفريقيا تجاوزت 25 مليون شخص على أقل تقدير، وإذا علمنا أن العدد الإجمالي لسكان القارة في القرن الثامن عشر لم يكن ليتجاوز 100 مليون شخص فسيبدو جلياً مدى فداحة هذه الخسارة.

وبقدر ما كانت هذه الضربة غير المعترف بها مدمرة، كانت هنالك طرق أخرى، وربما تكون أكثر أهمية، أعاق بها الغرب تنمية القارة. وقد استمرت هذه الطرق طويلاً بعد قرون تجارة الرقيق. واستمر ذلك إلى أن اتخذ ارتباط أوروبا بإفريقيا منعطفاً تاريخياً في مؤتمر برلين بين عامي 1884 و1885، حيث قامت القوى الإمبريالية الكبرى -في ذلك الوقت- بتقسيم القارة من أجل السيطرة السياسية عليها، ونهب مواردها وخلق أسواق كبيرة للبضائع المتدفقة من الاقتصادات الصناعية الأوروبية الناشئة.

اقرأ أيضاً: تجارة الرق عبر الأطلسي… وصمة عار تاريخية في جبين الغرب

ويشير كاتب المقال إلى ما كتبته المؤرخة بريندا بلامر: “لقد أعطت القوى العظمى في برلين لنفسها تفويضاً مطلقاً للغزو العسكري لإفريقيا، وسرعان ما هزمت فرنسا داهومي، وبريطانيا بنين وأشانتي، حيث سرقت الجيوش الغازية كنوز السكان الأصليين. كما أدت الحملات العقابية الألمانية ضد انتفاضة ماجي ماجي في تنجانيقا بين عامي 1905 و1907 إلى مقتل 120 ألف إفريقي، وقامت القوات الألمانية في جنوب غرب إفريقيا بإبادة قبائل هيريرو وهوتنتوت. وفي ولاية الكونغو الخاصة بالملك ليوبولد تم قطع أذرع الأفارقة الذين رفضوا العمل في مزارع المطاط”.

ويتساءل الكاتب كم شخصاً في الغرب قد سمع أي شيء عن قبيلة هوتنتوت؟ وكم شخصاً يعرف أن فظائع لملك ليوبولد قد ساهمت -بشكلٍ كبير- في جعل بلجيكا التي قتلت عشرة ملايين إفريقي دولة غنية؟

أضرم ناشطون بلجيكيون النار في تمثال الملك ليوبولد الثاني- ذا هيل

من المفارقات أن التركيز على حساب الخسائر في الأرواح قد يحجب مسألة أخرى لا تقل عنها أهمية، فقد عمدت الهجمة الإمبريالية الواسعة على إفريقيا، على القضاء على الممالك الإفريقية في الوقت الحاسم الذي كان ينبغي فيه إقامة الدول الحديثة. وأثناء تنفيذهم لخططهم هذه، عمل الأوروبيون على تبرير أفعالهم من خلال عرض صور التخلف والهمجية الإفريقية.

بينما في الواقع كانت الدول الإفريقية، مثل بنين وأشانتي والكونغو والعديد غيرها، ترسي أسس تقاليد النظام والحكم، والتي غالباً ما كانت متطورة جداً. وفي الوقت نفسه كانت العديد من هذه الدول تخوض حرباً توسعية كما فعلت أوروبا في القرون الأخيرة بهدف التكتل السياسي والتوحد. ولو أن هذه الدول تركت وشأنها لكان من الممكن أن تغير وجه القارة المؤلفة اليوم من 54 دولة رسمت حدودها قوى خارجية، ولكانت شعوب إفريقيا قد شكَّلت مناهجها الخاصة في الترتيبات المؤسسية للحكم.

ومن أكثر الأمثلة المثيرة للاهتمام التجربة التي جاءت من غانا، حيث أقامت مجموعة فانتي العرقية اتحاداً واسعاً توصل إلى كتابة دستور أخذ شكله النهائي عام 1871 نص على وجودِ رئيس للملوك، ومجلسٍ للملوك والشيوخ، ومجلسٍ وطني. وقد رأى البريطانيون والهولنديون والدنماركيون في ذلك تهديداً مباشراً لمكتسباتهم، وعملوا بجد لضرب أسس هذه المؤسسات المحلية.

اقرأ أيضاً: رئيس الوزراء الهولندي يعتذر عن دور بلاده في تجارة الرقيق

وتحت هذه الضغوط الإمبريالية تراجعت فيدرالية فانتي، لكن أحلام السيادة التي أطلقتها استمرت فترة طويلة. وفي مطلع القرن العشرين ثابر المفكر اللامع من جولد كوست، جوزيف هايفورد على محاولة ربط المستعمرات الناطقة بالإنجليزية في غرب إفريقيا معاً من خلال حكمٍ موحد في ظل المؤسسات المحلية مستوحياً ذلك من فيدرالية فانتي. حتى إنه كان على استعداد لأن يبقى وطنه جزءاً من الإمبراطورية البريطانية، واكتفى بالحكم الذاتي، ولكن بريطانيا رفضت ذلك بالطبع.

واختتم الكاتب بقوله: “بقدر ما يكون مغرياً معرفة ما كان سيكون عليه تاريخ إفريقيا، يبقى من المستحيل معرفة ذلك على وجه اليقين، لكن ما يمكن لاستعادة الفن الإفريقي أن يساعد في توضيحه هو أن نهب إفريقيا كان أكثر بكثير من مجرد قطع أثرية، وأن الدين الأخلاقي للقارة هو أكبر بكثير من أن يسدد بعودة هذه القطع”.

♦كاتب عمود في “فورين بوليسي”، وأستاذ في كلية الدراسات العليا للصحافة في جامعة كولومبيا، ومؤلف العديد من الكتب المهمة.

المصدر: فورين بوليسي

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة