الواجهة الرئيسيةشؤون خليجية
ماذا بعد هجمات “أرامكو”؟
الشرق الأوسط على بُعد خطوة واحدة من سيناريو عام 1914

كيوبوست – ترجمات
يتطلب الصراع الدائر على المسرح السياسي في الشرق الأوسط، اليوم، من الجميع وقفة جادة؛ فممارسة الولايات المتحدة أقصى درجات الضغط على إيران وممارسة إيران الضغط في الاتجاه المعاكس مع تصاعد حدة الحرب الأهلية في اليمن، فضلًا عن غياب القنوات الشرعية التي يمكن للدول أن تعبر عن نوازعها التنافسية من خلالها.. كل تلك الأمور تدفع بالشرق الأوسط إلى منحدر شديد الخطورة. وإن كنا نحتاج على الدوام إلى العقول الهادئة الحكيمة، فإن منطقة الشرق الأوسط في أعز الاحتياج إلى تلك العقول الآن؛ للتخفيف من حدة الصراع وكسر الحلقة المفرغة للتصعيد المتواصل والوصول إلى حلول دبلوماسية حقيقية.
وفي حالة توافر أدلة كافية على قيام إيران بقصف البنية التحتية للنفط السعودي من داخل الأراضي الإيرانية، فإن معنى ذلك أن تغيُّرًا كبيرًا حدث في الاستراتيجية الإيرانية المتبعة على مدى الفترة الماضية؛ أي أن إيران لم تعد تكتفي بممارسة الضغط من خلال وكلائها في المنطقة مع إنكار مسؤوليتها عما يحدث في كل مرة، وهو ما يعني أن إيران بدأت في الضغط على الزناد بنفسها؛ ما سيجعل محاولات التخفيف من حدة التصعيدات أكثر صعوبة. وبالنظر من زاوية الولايات المتحدة وحلفائها، فمن الممكن أن يكون الأوان قد فات، وبالنسبة إلى هؤلاء سواء وُجد الدليل أم لم يوجد؛ فإن ما حدث هو اعتداء إيراني على الأراضي السعودية وتهديد صارخ لاحتياطي النفط العالمي، وهو ما يستدعي رد فعل حاسمًا.
لكن، كيف سيكون رد الفعل؟ تلك هي المعضلة الحقيقية؛ فمحاولة رد الهجوم بهجوم آخر من الممكن أن تدفع إلى سلسلة لا تتوقف من الحروب والحروب المضادة، ما قد يضع دول الخليج في مواجهة النار ويشعل نيران الحرب في المنطقة بأسرها. وبطبيعة الحال هناك دول ستتأثر أكثر من سواها بهذا الصراع؛ وعلى رأسها اليمن والعراق وسوريا ولبنان وإسرائيل.
إيران
على ضوء حالة التوتر الدائمة بين الولايات المتحدة وإيران، يمكننا أن نستنتج بعض الأمور؛ فالتاريخ القريب يذكرنا بعديد من الهجمات التي قامت بها إيران على حقول النفط داخل مضيق هرمز والمناطق المحيطة به، فضلًا عن دعم إيران لقوات الحوثي في مواجهة مجموعة أخرى من الخصوم اليمنيين المدعومين من السعودية.. كل تلك الأحداث تجعلنا نتخطى سؤال: هل تورطت إيران في الهجوم أم لا؟ إلى السؤال الأكثر عقلانية عن كيفية تورط إيران في الهجمات الأخيرة؟!

وسواء قامت إيران بدعم الحوثيين بالسلاح والتكنولوجيا أو دعم بعض الجماعات المعارضة في شرق السعودية؛ حيث تم تنفيذ الهجمات، أو أنها قامت حتى بتنفيذ الهجمات بشكل مباشر، فإن أيًّا من تلك الاحتمالات لا يعني سوى أمر واحد: أن الإيرانيين ينظرون إلى السعودية باعتبارها أكثر الأطراف تواطؤًا على تدمير الاقتصاد الإيراني.
ويمثل استهداف إيران معامل تكرير النفط في السعودية في أحد جوانبه محاولة لإجبار الولايات المتحدة على التراجع عن ممارسة الضغوط عليها؛ فالقيادة السياسية الإيرانية تعلم مسبقًا أن أمرًا كهذا سيتسبب في ارتفاع أسعار النفط العالمية، ما قد ينتج عنه بعض التداعيات على الاقتصاد الأمريكي نفسه. وعلى الجانب الآخر، ستعد الخسائر التي تكبدتها السعودية خلال تلك الهجمات تعويضًا انتقاميًّا للإيرانيين عن الانهيار الاقتصادي الذي تسببت فيه المملكة، إنها محاولة ناجحة لضرب عصفورَين بحجر واحد.
اقرأ أيضًا: لماذا يُعد الهجوم الأخير على السعودية فرصة إيران المنتظرة؟
وفي حالة قيام الولايات المتحدة والسعودية بأي عمل انتقامي ضد إيران، فمن الجائز حينها أن تنفذ طهران تهديداتها بعمل هجمات مضادة أشد حدة؛ إما من داخل أراضيها وإما باستخدام حلفائها كحزب الله. ومن الممكن أن تتضمن تلك الهجمات أهدافًا وأصولًا خاصة بالولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة؛ وهو ما قد يتسبب في ارتفاع حدة التصعيدات التي قد تطول إسرائيل ولبنان والعراق واليمن، ومن ثَمَّ تتبقى لدى إيران ورقة أخرى بإمكانها تحسين موقفها في حال حدوث مفاوضات، وذلك من خلال مضاعفة انتهاكاتها للاتفاق النووي عام 2015.
العراق
لقد نفت الحكومة العراقية بشكل كامل احتمالية أن يكون قد تم تنفيذ الهجمات من داخل الأراضي العراقية، وحدّة الإنكار الذي يمارسه العراق يعكس مدى قلقه؛ فالهجمات التي طالت منشآت “أرامكو” لم تكن هي الأولى من نوعها، لكنها مجرد حلقة في سلسلة هجمات بدأت من شهر يونيو الماضي وكادت تتسبب في تحويل العراق إلى تربة صالحة تتم قيادة الحرب بالوكالة من خلالها، ذلك فضلًا عن استهداف تلك الهجمات منشآت أمريكية بالمنطقة. وبالعودة إلى الوراء قليلًا، نجد أن الولايات المتحدة أشارت، في مايو الماضي، إلى قيام طائرة من دون طيار باستهداف البنية التحتية للنفط السعودي وتسببها في أضرار أقل مما حدث مع “أرامكو”؛ حيث أكدت أمريكا انطلاق الهجمة من داخل الأراضي العراقية، وهو الاتهام الذي نفته الحكومة العراقية جملة وتفصيلًا.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تراجعت عن اتهاماتها المبدئية للعراق، واستبدلت بذلك الإشارة إلى انطلاق الهجمات من المنطقة الواقعة جنوب إيران؛ فإن ذلك لا يمنع إمكانية استغلال الطرفَين المتحاربَين للعراق كورقة ضغط، فبإمكان الولايات المتحدة أن تواصل ضغطها على بغداد، وصولًا إلى انضمامها إلى صف العقوبات الاقتصادية على إيران، وبإمكانها كذلك أن تدفع الحكومة العراقية إلى التضييق على القوات شبه العسكرية في العراق. أما على الجانب الآخر، فمن الجائز أن ترد الأصوات الموالية لإيران بإثارة المشكلات حول الوجود الأمريكي بالعراق ومواصلة الضغط على حكومة عادل عبد المهدي؛ مما قد يضطرها في نهاية المطاف إلى تقديم استقالتها.
من جانب آخر، هنالك احتمالية أخرى بالعراق؛ وهي أن يتم تصعيد الوضع وصولًا إلى قيام الولايات المتحدة بعمل ضربة انتقامية على إيران، حينها سترد الجماعات الموالية لإيران بشكل عنيف؛ ما قد يقود إلى حدوث المواجهة الأمريكية- الإيرانية المرتقبة، لكنها هذه المرة ستتم على أراضٍ عراقية، وهو ما قد يدفع العراق نفسه إلى الانحياز لصف إيران، وبالطبع سوف يذهب ذلك بالتحسُّن الذي شهدته العلاقات الاقتصادية والسياسية بين العراق وجيرانه في الخليج إلى العدم، وهو التطور الذي نما تدريجيًّا خلال العامَين الأخيرَين.
دول الخليج
اتسم رد فعل المملكة العربية السعودية على الهجمات بالغضب الشديد والحذر في الوقت نفسه، وهي تتصرف بالطريقة التي تسمح لها بتجنب التصعيد والسقوط في هاوية المواجهة المباشرة مع إيران؛ لكنها لم تتوانَ عن التأكيد أن الهجمات تمت باستخدام السلاح الإيراني، ذلك إلى جانب تحميل إيران المسؤولية الكاملة عما حدث، ومن ثَمَّ أطلقت حملة شرسة ضد طهران على صفحات الإعلام السعودي المحلي، وختمت ذلك بإصدار بيان عن وزارة الدفاع تعلن فيه انضمام المملكة إلى دوريات حراسة أمريكية مهمتها ردع أية هجمات جديدة على حقول النفط.

وفي حال العثور على أدلة كافية لإدانة إيران بمسؤوليتها عن الحادث، فمن الممكن ساعتها أن تنضم المملكة العربية السعودية إلى الولايات المتحدة في توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، أو حتى اتخاذ الطرق الدبلوماسية لممارسة المزيد من الضغط على طهران. ومن الجائز كذلك أن تقرر المملكة المضي قدمًا في كلا المسارَين بشكلٍ متزامن. وأيًّا كان رد فعل السعودية في ذلك الوقت، فإنه سيتخذ شرعية دولية؛ نظرًا لتوافر أدلة الإدانة. أما في حال غياب الأدلة فهناك طريق مفتوح أمام مضاعفة الجهود الدفاعية، وهو الفعل نفسه الذي سلكته دولة الإمارات العربية المتحدة بصحبة المملكة، وذلك حين طلبتا من أمريكا مضاعفة الدعم العسكري لهما بالمزيد من قوات الدفاع الجوي.
اقرأ أيضًا: مصدر لـ”كيوبوست”: لماذا تحمي إيران مصالح السعودية في العراق
إذن لا يُخفى على أحد الآن كون إيران قد استخدمت تقنيات عسكرية شديدة التطور في هجمات “أرامكو”، وهو ما يدعو إلى القلق، لا على الجانب السعودي وحده بل على نطاق واسع في أسواق النفط العالمية، ولدينا على سبيل المثال المهندسون الذي عملوا لمدد طويلة بمنطقة بقيق محل الهجوم، الذين أكدوا بعض الأمور؛ من بينها أن القائمين على تنفيذ الهجمات كانت تتوفر لديهم إمكانية إصابة الأهداف بدقة بالغة، حتى إن أجهزة الدفاع بالمملكة بصحبة صواريخ الباتريوت الأمريكية لم يتمكنا من التصدي للهجمات.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال في غاية الأهمية: إذا كان هذا هو الوضع مع أقوى دولة في المنطقة، فما الذي يمكن أن يحدث مع البنية التحتية شديدة الأهمية في الدول الأضعف والأقل تأثيرًا؟ ما الذي يمكن أن تتعرَّض له دول الخليج العربي الأخرى؟ وكيف سيكون وضع التجارة العالمية لحظة حدوث خسائر محتملة كالتي نتحدث عنها؟ ولكل الأسباب السابقة، تدرك الرياض تمامًا أن عدم اتخاذ ردود حاسمة معناه احتمالية تكرار تلك الهجمات في المستقبل.
ويتطلع كلٌّ من الإمارات والسعودية، في اللحظة الراهنة، إلى رد فعل الولايات المتحدة؛ حيث يمثل موقف أمريكا المقياس الذي تتبعه الدولتان في الفترة القادمة. ومن خلال ذلك سوف يحكم كل منهما على رغبة واشنطن ومخططاتها لحماية حلفائها في الخليج. ولا يمكن تجاهل أن الوضع الراهن تسبب على الأقل في اهتزاز ثقة زعيمَي الدولتَين في توافر تلك الرغبة أصلًا، وغني عن الذكر أن تلك التشككات كانت قد بدأت في التسلل إلى البلدَين منذ فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، واستمرت في الوجود خلال حكم ترامب. وفي حال وصول القيادات السياسية بالمملكة والإمارات إلى قناعة كافية بزوال أهمية الحماية الأمريكية؛ فمن الممكن أن تلجأ، حينئذٍ، إلى الاعتراف بأن إيران تتمتع بقدر أكبر من العدائية والعنف؛ وهو ما قد يدفعها (القيادات السياسية) إلا اعتماد الضغوط الاقتصادية والحلول النفعية كحل أخير لتأمين بلادها من الخطر الإيراني.
اليمن
سبق أن حذر زعماء ميليشيا الحوثي، لأكثر من مرة، بضرب البنية التحتية للنفط وخطوط المواصلات السعودية، مع المرور في معرض تحذيراتهم على وصف تلك الاعتداءات بالمتطورة. ولم يكتفِ زعماء المتمردين الحوثيين بذلك؛ بل وعدوا بالاستمرار في تنفيذ تلك الهجمات حتى اللحظة التي تستسلم فيها السعودية إلى مطالباتهم. مع الأخذ في الاعتبار أن تلك المطالب واضحة تمامًا، وهي أن توافق المملكة على إجراء مفاوضات مباشرة تجمعهم مع الحكومة اليمنية في صنعاء، وهي الحكومة نفسها المعترف بها دوليًّا والتي ينظر إليها الحوثيون باعتبارها مجرد وجهة لتنفيذ المصالح الأمريكية- السعودية في اليمن، وهم لذلك يرون أن حكومة عبد ربه منصور هادي غير قادرة على المضي قدمًا في إجراء المفاوضات إلا عبر المرور ببوابة السعودية، حتى لو كانت تلك المفاوضات ستنتهي بانتهاء حالة الحرب.

على الجانب الآخر، لا يتوانى منتقدو جماعة الحوثي عن وصفهم بالمتمردين الشماليين المدعومين من جهات خارجية لتنفيذ مصالح إيران؛ وهم بالتالي متورطون في هجمات “أرامكو”، ولا يمكن استبعاد قيامهم بالتنسيق مع رعاتهم الإيرانيين لضرب السعودية. وبالتالي فإن المخاطر التي تتهدد اليمن واضحة للعيان، وهناك حل واحد يتمثل في إجراء مفاوضات مباشرة بين الحوثي والقيادة السياسية في المملكة؛ لتخفيف حدة الهجمات العابرة للحدود، فضلًا عن فتح المجال السياسي لإجراء محادثات بين الأطراف اليمنية المتحاربة. وفي حال عدم الانصياع لذلك المسار، فإن اليمن سيظل مهددًا بالوقوع في فخ الحرب الباردة الدائرة بالمنطقة، ومن الممكن كذلك أن يتحول إلى هدف واضح لشن حرب عسكرية، أو على الأقل كهدف أمريكي تقوم من خلاله الولايات المتحدة بضرب الميول التوسعية الإيرانية.
اقرأ أيضًا: هل ستفرض الضغوط الدولية الاستقرار في اليمن قبل نهاية العام؟
ومن الممكن أن يتسبب الحل العسكري الذي قد تتخذه أمريكا باليمن في نتائج عكسية؛ فعلى عكس المتوقع قد ينتج عن ذلك زيادة حدة الحرب الأهلية، تلك التي سيتضرر من جرائها المدنيون اليمنيون والسعوديون على حدٍّ سواء، فضلًا عن القضاء على أي أمل يتعلق بعودة الاستقرار إلى المنطقة.
الولايات المتحدة
يمكن وصف موقف الولايات المتحدة حيال هجمات “أرامكو ” بالاضطراب والتوتر؛ فالهجمات التي فاجأت إدارة ترامب جرأتها أدَّت إلى حالة من التخبُّط؛ حيث سارع مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، إلى اتهام إيران بمسؤوليتها عن الهجمات، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ستتوصل إلى حقائق دامغة تثبت تورط إيران في تدمير البنية التحتية للنفط السعودي؛ لكن بعد يوم واحد من تصريحات بومبيو، خرج ترامب إلى العلن بخطاباته المعتادة موجهًا خطابًا ضمنيًّا إلى المملكة العربية السعودية، مفاده أن أمريكا لا ترغب في الانجرار إلى الحرب، وليس لديها ما تقدمه للسعودية في هذا الشأن.
وتعكس تلك الرسائل السياسية المتضاربة تخبطًا عميقًا في سلوك الولايات المتحدة تجاه إيران؛ فالأولى التي اعتادت على أن توجه خطابًا عدائيًّا تجاه طهران منذ عام 1979، تختلف عن الولايات المتحدة التي تشهد مطالبات عالية الصوت بتجنب الحرب مع إيران. ترامب نفسه كان قد وعد جمهوره بذلك، وبالتالي يمكن تفسير دعوة ترامب في 18 سبتمبر الماضي إلى تجديد العقوبات الاقتصادية على طهران في ضوء هذا التخبُّط، فترامب يحاول أن يتخذ موقفًا وسطًا بين رغبته في حرب من الممكن أن تفشل ورغبته في عدم فعل أي شيء على الإطلاق. وعلى الجانب الآخر ، نجد أن البنتاغون يتخذ موقفًا رافضًا من الحل العسكري.

أما على الصعيد البرلماني، فقد أثارت الهجمات الأخيرة عاصفة من الجدل داخل الكونجرس الأمريكي، وكانت التوجهات التي تحاول منع ترامب من الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران قد بدأت منذ العام الماضي؛ حيث شهد الكونجرس جدالات مطولة على مدى عام لبحث كيفية منع البيت الأبيض من شن حرب عسكرية غير مسؤولة، وهو ما شجعه عدد ليس بقليل من الديمقراطيين في مجلسَي النواب والشيوخ. أما عن الجمهوريين فلدينا ميتش مكونيل، زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ، والذي دعا إلى فرض عقوبات على إيران، الأمر الذي يحيلنا للتأكد من أن موقف أمريكا الحالي من إيران أكثر هدوءًا من الموقف المعتاد.
اقرأ أيضًا: متى يدرك ترامب أن استقرار الخليج يعني استقرار الداخل الأمريكي؟
وقد شهدت الأيام الماضية تراجعًا في موقف وزير الخارجية الأمريكي، فبومبيو الذي كان يتحدث بحدة بالغة عقب الهجمات مباشرة، عاد لينفي احتمالية وجود حرب وشيكة مع إيران، كما عبَّر عن رغبة الولايات المتحدة في الحل السلمي، وأضاف إلى ذلك تأكيده الدور الدبلوماسي للخارجية الأمريكية، لكن هذه الأمور لا تعني أن الولايات المتحدة لن تتخذ ردود أفعال مضادة لإيران على الإطلاق؛ بل من الممكن أن نشهد في المستقبل القريب رود أفعال غير معلنة وحربًا سيبرانية على أقل تقدير. كما أن هناك جهودًا حثيثة لجمع أكبر عدد من الأصوات ضد إيران خلال اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
إسرائيل
نتيجة لانشغال القيادة السياسية في إسرائيل بالانتخابات في 17 سبتمبر الماضي، لم نشهد أي اهتمام علني بهجمات “أرامكو” من الجانب الإسرائيلي؛ لكن على ما يبدو أن القادة الإسرائيليين يتهمون إيران بشكل غير معلن بتدبيرها الهجمات، كما أن هناك توافقًا يجمع المسؤولين الإسرائيليين حول تفسير الموقف الإيراني؛ حيث يرى هؤلاء أن إيران كانت ترغب في تغيير الموقف على أرض الواقع. ويفسر ذلك اقتراب موعد تجديد المفاوضات حول الوضع النووي الإيراني، وبالتالي لم تكن إيران ترغب في شيء مقدار رغبتها في عدم إجراء المفاوضات تحت العقوبات الاقتصادية؛ مما سينتج عنه قبولها باشتراطات قد تبدو مجحفة للإيرانيين، وذلك من وجهة النظر الإسرائيلية بالطبع.
فمن وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية، ينبغي أن يتم اتخاذ موقف رادع تجاه الهجمات الإيرانية، وفضلًا عن كون إيران قد هاجمت حليفًا رئيسيًّا للولايات المتحدة بالمنطقة، فإنها كذلك هدَّدت سيادة دولة أخرى وقامت بالإضرار بالولايات المتحدة وبمصدر عالمي من مصادر الطاقة. وفي الوقت نفسه، يتخذ المسؤولون الإسرائيليون موقفًا واضحًا تجاه أي تهديدات إيرانية، ففي حال قيام إيران بالهجوم على أي من معدات استخراج الغاز الطبيعي في المناطق البحرية أو مستودعات النفط الاستراتيجية الإسرائيلية؛ فإن إسرائيل لن تتردد في اتخاذ رد فعل عسكري تجاه طهران.
شاهد: فيديوغراف.. حماس وحزب الله.. أدوات إيران في حربها المرتقبة مع إسرائيل
وليس هذا كل شيء، بل هناك ما هو أسوأ؛ حيث لا يكف استخدام إيران تقنيات متطورة شديدة الدقة في هجمات “أرامكو” عن إثارة قلق الجانب الإسرائيلي، فإيران -من وجهة نظر إسرائيل- لا تتوانى عن تزويد وكلائها في لبنان وسوريا بمثل تلك التقنيات العسكرية المتطورة، وهو ما يضع الهجمات الأخيرة على رأس اهتمامات إسرائيل في الوقت الراهن.
الخلاصة
لا شك أن كل ما سبق يتنبأ باحتمالية اندلاع مأزق شامل في المنطقة، سيمتد بداية من إيران مرورًا بشبه الجزيرة العربية والبحر المتوسط ووصولًا إلى العراق وسوريا وإسرائيل. وليس من المستبعد أن تكون هذه هي الأزمة الكبرى في تاريخ المنطقة منذ سنوات؛ لذلك لا يمكن اعتبار هجمات “أرامكو” حدثًا صغير الشأن بأية حال من الأحوال، حيث لم تشهد المملكة نفسها هجومًا مماثلًا على البنية التحتية للنفط السعودي في التاريخ الحديث. وعلى كل حال، لم يتولَّد هذا المأزق من تلقاء نفسه؛ فهو مجرد نتيجة لسلسلة من الاستفزازات المتواصلة واتباع سياسة العين بالعين لزمن طويل.
ويجب أن ندرك جيدًا أن أية خطوة غير محسوبة في هذا التوقيت من الممكن أن تجر خلفها سلسلة من ردود الأفعال الخطيرة، وحينئذٍ يُتوقع أن يحدث سيناريو مأساوي شبيه بذلك الذي اجتاح منطقة الشرق الأوسط عام 1914.
علينا أولًا أن نفهم ما الأسباب التي أدت بالمنطقة إلى هذا الوضع العاصف، وعلينا كذلك أن نعرف كيف يمكن الرجوع عن ذلك السيناريو المشؤوم قبل الوقوع من حافة الهاوية. وهناك حل لا يمكن تجاهله، وهو إعادة إحياء المفاوضات الداخلية بين الأطراف المتحاربة في المنطقة؛ وعلى وجه الخصوص في اليمن. فعلى الأقل، هنالك رغبة لدى الحوثيين في إجراء محادثات سلمية مع المملكة العربية السعودية، وهم فضلًا عن ذلك يرغبون في إيجاد حل داخلي لإنهاء الحرب الأهلية، ويزعمون أن لديهم النية في التخفيف من حدة التصعيد.
وربما تكون هناك أسباب منطقية تمنع السعودية وحلفاءها اليمنيين من تصديق مزاعم الحوثيين؛ لكن حالة عدم الثقة هذه ليست مبررًا كافيًا لتجاهل الحل الوحيد للخروج من الأزمة، وهو المفاوضات؛ لأن خبرتنا في التاريخ القريب للمنطقة تؤكد أن الحلول العسكرية لا تتسبب إلا في نتائج عكسية.
المصدر: مركز مجموعة الأزمات الدولية