الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون عربية

مؤشر القوة الناعمة 2021: تقدم عربي وتراجع أمريكي.. والإمارات ضمن العشرين الأوائل

فَرَض التعامل الحكومي مع جائحة كورونا نفسه هذا العام كبند ثامن على قائمة البنود التي يستند إليها المؤشر في ترتيب الدول

كيوبوست

في تسعينيات القرن الماضي روَّج منظِّر العلاقات الدولية الأمريكي جوزيف ناي، لمصطلح “القوة الناعمة”، والذي عنى به: “القدرة على جعل الدول والأفراد يقومون بتصرفات لم يكونوا ليقوموا بها لولا الوقوع تحت جاذبية القوة التي تأثروا بها”. وحتى يتضح معنى “القوة الناعمة” فإنه من الممكن مقارنتها بالقوة الصلبة، والتي تشير إلى القدرة العسكرية والسياسية والاقتصادية على إجبار الآخرين على التصرف بطريقة معينة. أما القوة الناعمة فهي مختلفة في الوسيلة وليس الهدف؛ فهي سِحر النموذج الحضاري، وغِنى الثقافة وتنوع منتجاتها من الموسيقى وصناعة الأفلام إلى المطبخ والجامعات والمتاحف والمراكز البحثية وغيرها، تعلُّق الناس في أنحاء العالم بقراءة الأدب الروسي الكلاسيكي أو انجذابهم لموسيقى الألمان؛ من أمثال: بيتهوفن وبرامز وفاغنر، أو تسمُّرهم أمام الشاشات لمشاهدة أفلام هوليوود الأمريكية وبوليوود الهندية، وعربياً لا ننسى: أغاني أم كلثوم وفيروز ومحمد عبده وروايات نجيب محفوظ وأشعار محمود درويش، والقراءات القرآنية في شهر رمضان من الحرمين الشريفين.. هذه كلها من ملامح القوة الناعمة. وحتى نوضح أكثر ما يعنيه هذا المصطلح نقول إن القوة الناعمة هي: الرصيد الذي تمتلكه والذي يمكنك من التأثير على الآخرين؛ بحيث يصبح ما تريده هو نفسه ما يريدونه.

بنود ومعايير

ويأتي المؤشر العالمي للقوة الناعمة ليقيس ترتيب الدول في العادة حسب 7 بنود؛ هي: الإعلام، والتعليم والعلوم، والثقافة والتراث، والعلاقات الدولية، والحوكمة، والتجارة والاستثمار، وأخيراً قيم الشعوب؛ ولكن نظراً للظرف الاستثنائي الذي يمر به عالمنا تم إضافة بند ثامن وهو “الاستجابة لجائحة (كوفيد-19)”. ويتم في العادة إجراء استطلاعين للآراء؛ أحدهما يستهدف الجمهور العادي والآخر يتوجه إلى الخبراء؛ من أكاديميين ورجال أعمال ومحللين ماليين وصحفيين من باحثي مراكز الأبحاث.. وغيرهم. وبلغ حجم العينة المستهدفة لهذا العام 75778 شخصاً من 102 دولة.

لعل من أبرز نتائج مؤشر العام الحالي هو الانحدار المتسارع في ترتيب الولايات المتحدة في المؤشر مقارنة بالأعوام الماضية، محققةً رصيداً بلغ 90.55 فقط من 100؛ وهو أسرع انحدار بين جميع الدول. هناك عوامل عدة تفسر ما يحصل؛ لعل أبرزها التعامل منخفض الكفاءة للرئيس السابق ترامب مع الجائحة، وهو ما تسبب في احتلال بلاده مركزاً متأخراً في مؤشر “التعامل مع جائحة (كوفيد-19)”، بالإضافة إلى التوترات السياسية والعرقية التي تعصف بالبلاد والفوضى التي عمَّت الانتخابات الرئاسية وما تلاها.. كل هذا أسهم، حسب أحد الخبراء المشاركين في استطلاع الآراء، في “غياب أمريكا عن دورها كقدوة لباقي العالم، وهو ما كانت تلعبه في العادة، وهذا الغياب تزامن مع أشد الأزمات التي عصفت بالنظام الدولي”.

اقرأ أيضًا: كيف تآكلت الدبلوماسية الأمريكية؟

أما القوة الكبرى الجديدة وهي الصين؛ فقد عرفت هي الأخرى انحداراً في ترتيبها وإن لم يصل إلى مستوى الانحدار الأمريكي. العامل السلبي -حسب الخبراء- الذي أثر بشدة على صورة الصين، هو تغطية الإعلام الغربي لجائحة “كوفيد-19” في مدينة ووهان، أما العامل الإيجابي الذي حفظ مكانة الصين من الانحدار نحو القاع، فهو الأداء الحكومي الفعال والدقيق والذي احتوى الأزمة بكفاءة، للدرجة التي مكنت البلاد من استعادة حيويتها وتسجيل نمو اقتصادي في الربع الأخير من 2020.

إطلاق استراتيجية القوة الناعمة الإماراتية في 2017

تقدم إماراتي

شهد مؤشر هذا العام تألقاً عربياً لم يكن متوقعاً؛ فقد حسنت ست دول عربية ترتيبها بشكل مطرد، وجاءت الإمارات في مقدمة العرب؛ بل وتمكنت الدولة الخليجية من الوجود ضمن الدول العشرين الأُوَل في المؤشر، لتحتل المركز الـ17 عالمياً، واستطاعت الإمارات أن تحسِّن أداءها في كل البنود التي يعتمد عليها المؤشر، فقد احتلت المركز الـ18 في الحوكمة، والمركز الـ19 في التعليم والعلوم، والمركز الـ24 في قِيم الشعوب. أما في ما يتعلق بالتعامل مع جائحة “كوفيد-19″، فقد حققت المركز الأول في المنطقة، والـ15 عالمياً، وقد ساعدت معونات لقاح “كوفيد-19” التي وجهتها أبوظبي، في تحقيق هذه المرتبة المتقدمة. ولم يكن الأداء الحكومي فقط هو المساهم الوحيد في تألق الدولة؛ فقد ساعدت شركات مثل “طيران الإمارات” أو “موانئ دبي العالمية” أو “أدنوك”، في الترويج للإمارات بوصفها: وجهة المنطقة الفضلى من ناحية سهولة الاستثمار ومردوده العالي، بالإضافة إلى جودة الحياة العالية.

اقرأ أيضًا: كيف أسهم “آيدكس” و”نافدكس” في تطوير صناعات الإمارات الدفاعية؟

طاقة وحيوية ولي العهد السعودي تدفع قوة المملكة الناعمة إلى الأمام

السعودية تحصد الثمار

لطالما ارتبطت صورة السعودية بخليطٍ من العوامل المتداخلة، والتي أسهمت في تشويش صورتها في مؤشرات القوة الناعمة؛ لكن هذا كله آخذ بالتغير مع نشاط وانطلاق ولي عهد السعودية الحالي، وهو ما نتج عنه تحسن أداء المملكة في المؤشر؛ فقد احتلت المركز الـ39 في الثقافة والتراث، والمركز الـ27 في الحوكمة. ويصف أحد الخبراء المشاركين في المؤشر الحالة السعودية، قائلاً: “ما يحصل في السعودية لا يقل عن ثورة حقيقية في مجال القوة الناعمة.. فقد استطاعت بفضل إنجازات حقيقية ومتتالية أن تحسِّن مركزها وصورتها الذهنية لدى شرائح واسعة من الرأي العالمي.. ما أتوقعه أن السعودية ستستمر في التحسن حسب أداءها الحالي،  وكذلك التزامها بتحقيق الأهداف والرؤى التي رسمتها لنفسها مثل رؤية 2030.

المساعدات المصرية المكثفة أثناء جائحة “كوفيد-19”

انطلاقة مصرية

بدا لزمن طويل أن مصر تعيش على أمجاد ماضيها حين كانت العائلات العربية تتحلق حول الراديو لسماع أغاني أم كلثوم، وكان النتاج الثقافي والفني المصري يتصدر المشهد العربي، هذا الاحتكار أصبح جزءاً من الماضي كما أن اضطراب أوضاع البلاد الذي صاحب ثورة 2011 زاد من الانطباع بأن القوة المصرية الناعمة لم تعد كما كانت؛ لكن جهود القاهرة في الأعوام الأخيرة في مختلف المجالات لإعادة مصر إلى مكانتها بوصفها قوة إقليمية بدأت بمنح ثمارها، حيث تحسنت نتيجة لذلك مرتبة مصر بشكل هو الأفضل، محققة ارتفاعاً بلغ 0.08 نقطة في مركزها، وكذلك في الحوكمة. كما أن استجابة مصر لجائحة كوفيد ومساعداتها المكثفة لدول الإقليم والقارة الإفريقية بالذات أسهمت في تحسن صورة البلاد الذهنية؛ وهو ما أوحى -حسب أحد الخبراء- بأن مصر قادرة على تحمل مسؤولياتها في المجتمع الدولي رغم ظروف البلاد من بعد ثورة 2011.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة