الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

مأساة  المهاجرين الأفارقة في المغرب.. مافيا البشر والمتاجرة بالأرواح

أصابع الاتهام تتجه إلى عصابات منظمة تستغل أوضاع المهاجرين وتزج بهم في المجهول.. ومخاوف أمنية مغربية من تسلل إرهابيين

كيوبوست – حسن الأشرف

شهدت قضية محاولة اقتحام مئات المهاجرين المنحدرين من دولٍ إفريقية، والمقيمين بشكلٍ غير قانوني بالمغرب، سياج مدينة مليلية، الواقعة في الشمال المغربي، والخاضعة للسيادة الإسبانية، تطوراتٍ دراماتيكية أسفرت عن مقتل 23 مهاجراً، وإصابة آخرين، ما أدى إلى تطوراتٍ حقوقية وقضائية وسياسية لافتة.

ويتابع القضاء المغربي عدداً من المهاجرين الأفارقة غير النظاميين على خلفية “أحداث مليلية” بتهمٍ ثقيلة تتمثل في “الدخول بطريقةٍ غير شرعية للتراب المغربي”، و”العنف ضد موظفين عموميين”، و”التجمهر المسلح”، و”العصيان”، في الوقت الذي وجهت فيه إسبانيا والمغرب أصابع الاتهام إلى عصابات ومافيات الاتجار بالبشر، باعتبارها المتورطة في تحريض تلك الأفواج البشرية على اقتحام سياج مليلية الذي يفصلها عن مدينة الناظور المغربية.

اقرأ أيضاً: اليمن.. المهاجرون الأفارقة والإجرام الحوثي

وارتفعت أصوات حقوقية ودولية للمطالبة بفتح تحقيق فيما حصل، خصوصاً بعد مقتل 23 مهاجراً جراء محاولة اقتحام مليلية، كما عقد مجلس الأمن الدولي جلسة مغلقة لبحث أحداث مليلية، و”القمع العنيف” الذي تعرض له المهاجرون الأفارقة غير النظاميين، كما دخلت مفوضية الاتحاد الإفريقي على خط هذه القضية.

وتُعتبر محاولة الاقتحام العنيف لسياج مدينة مليلية، التي تعتبرها مدريد أرضاً إسبانيا مع مدينة سبتة، الأولى من نوعها بعد المصالحة الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا في مارس الماضي، وكان من بين دعائمها التعاون الثنائي للتصدي للهجرة السرية.

مقتل 23 مهاجراً جراء محاولة اقتحام سياج مليلية (صورة: أسوشيتد برس)

مواقف سياسية دولية

وتتطابق مواقف الحكومتين المغربية والإسبانية حيال ما حصل، حث اتهم الطرفان “مافيات الاتجار بالبشر” بكونهما وراء الحادث الدموي، من خلال استغلالها للظروف الإنسانية المزرية لهؤلاء المهاجرين، وحضهم على المغامرة باقتحام السياجات الحدودية دون أخذ بعين الاعتبار المخاطر الناجمة عن ذلك.

بالمقابل اعتبر سفير كينيا لدى الأمم المتحدة مارتن كيماني أن “المهاجرين هم نفسهم سواء قدموا من إفريقيا أو أوروبا، لا يستحقون أن تتم معاملتهم بوحشية”، فيما استنكر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك “هذا الحدث المأساوي والخسائر في الأرواح”.

اقرأ أيضاً: الاتحاد الإفريقي وإسرائيل.. حين يتسبب المراقب في أزمة

من جهته، انتقد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فقي محمد، ما سماها “المعاملة العنيفة والمهينة للمهاجرين الأفارقة الذين كانوا يحاولون عبور حدود دولية بين المغرب وإسبانيا”، داعيا إلى “فتح تحقيق في هذه المأساة”، قبل أن يذكِّر جميع الدول بالتزاماتها بموجب القانون الدولي بمعاملة جميع المهاجرين بكرامة، ووضع سلامتهم وحقوقهم الإنسانية في المقام الأول”.

تدبير الهجرة

د.محمد بن طلحة الدكالي

ويقول في هذا الصدد الدكتور محمد بن طلحة الدكالي، محلل سياسي وأستاذ جامعي، إن الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء تمثل نموذجاً إقليمياً لتدبير الهجرة بشكلٍ مسؤول وتضامني، يقوم على 3 ركائز هي: التضامن، والمسؤولية، والتعاون الدولي.

ويضيف الدكالي، في تصريحٍ لـ”كيوبوست”، بأن المغرب اختار تنفيذ برنامج واسع النطاق لتسوية أوضاع المهاجرين واللاجئين، وإدماجهم في المجتمع المغربي من خلال وضع برامج اجتماعية تمكن هؤلاء المهاجرين من الاندماج اجتماعياً، كما أنه يواصل بذل جهود جبارة خاصة في ما يتعلق بتفكيك شبكات تهريب المهاجرين وإجهاض محاولات الهجرة غير النظامية.

ولفت المتحدث إلى أن شبكات التهريب والاتجار بالبشر حاولت استغلال الظروف الاجتماعية لمواطني بعض بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، فزجت بهم في محاولة اقتحام مدينة مليلية، حيث سقط قتلى وجرحى بسبب سقوط بعضهم من أعلى السياج، وفي التدافع في محاولة اقتحام مليلية بالقوة.

ولفت الدكالي إلى أن المهاجرين الأفارقة استخدموا في تلك العملية مختلف أنواع الأسلحة البيضاء، وتراشق الحجارة مع القوات العمومية المغربية التي حاولت صد الهجوم عن السياج، وفق ما أظهرته بالدليل الملموس العديد من الصور والفيديوهات”.

اقرأ أيضاً: العالم عاجز عن مواجهة الهجرة

أطراف المسؤولية

ومن جهته، يرى الدكتور خالد الشرقاوي السموني، خبير في مجال حقوق الإنسان والعدالة ومكافحة الإرهاب، أن الحادث المأساوي الذي أودى بحياة 23 مهاجراً إفريقياً خلال محاولتهم اقتحام السياج الفاصل بين مدينتي مليلية والناظور يوم الجمعة الماضي، تتحمل مسؤوليته عدة أطراف.

د.خالد الشرقاوي السموني

ويشرح السموني، في حديثٍ مع “كيوبوست”، أن الطرف الأول هم المهاجرون الأفارقة غير الشرعيين الذين حاولوا اقتحام سياج مليلية المحتلة والاعتداء على القوات العمومية المغربية بالأسلحة البيضاء والعصي والحجارة، حينما حاولت منعهم من ذلك، ما أفضى إلى سقوط ضحايا وجرحى في صفوف هذه القوات والمهاجرين أنفسهم.

والطرف الثاني، وفق السموني، هو السلطات العمومية والمحلية التي لم تتخذ قراراتٍ حازمة لتفكيك المخيمات في الغابات المجاورة لمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، مع اتخاذ التدابير الرامية إلى إدماج المهاجرين وفقاً للسياسة الوطنية للجوء والهجرة، وأما الطرف الثالث المسؤول فهو عصابات ومافيا التهريب والاتجار بالبشر التي تجني أرباحاً من هذه الأنشطة غير المشروعة، والتي ينبغي التصدي لها بكل حزم وفقاً للقانون.

اقرأ أيضاً: 4 أسباب وراء رفض بعض الدول لميثاق الهجرة العالمي

ويزيد الخبير المغربي طرفاً رابعاً يتحمل مسؤولية الأحداث الدامية، يتمثل في السلطات الجزائرية التي تغضَّ الطرف عن تسلل هؤلاء المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء، إلى التراب الوطني المغربي عبر الحدود الشرقية للمملكة”، على حد تعبيره.

وذهب السموني إلى أن “تواجد هذا الكم الهائل من المهاجرين غير النظاميين بالمغرب، خصوصاً في شمال البلاد، يطرح كثيراً من المشاكل، من بينها عدم تحديد هوية هؤلاء وعدم معرفة البلدان التي قدموا منها، فضلاً على عدم توفرهم على محل إقامة قارة، وعدم تسجيل الولادات المترتبة عن العلاقات بين الرجال والنساء من بينهم، مما يجعلهم خارج نطاق المراقبة الأمنية”.

مئات المهاجريين الأفارقة اصطدموا مع القوات المغربية والحرس الإسباني في سياج مليلية (صورة: أسوشيتد برس)

وتابع المختص في قضايا الإرهاب بأن هؤلاء المهاجرين السريين يشكلون تهديداً على أمن الدولة، خاصة أن من بين هؤلاء من يحملون أفكاراً إرهابية أو متطرفة، حيث يُحتمل أن يكونوا قادمين من مناطق في جنوب الصحراء والساحل، تنتشر فيها التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم “بوكو حرم” أو “داعش”، أو تنظيم القاعدة”، مردفاً أن هذا يقتضي من الأجهزة الأمنية اتخاذ الحيطة والحذر، من خلال إنشاء نظام أمني لمراقبة المهاجرين غير الشرعيين”.

دعوات التحقيق

وفي السياق الذي تعالت فيه أصوات بضرورة فتح تحقيق شفاف ومستقل لمعرفة ملابسات ما حصل، ومن يقف وراءه، شكَّل المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية تعنى بحقوق الإنسان)، مهمة استطلاعية في المنطقة، لمواكبة المعلومات المتقاطعة بخصوص العدد الهائل للأفراد الذين حاولوا العبور في نفس الوقت، وحدة العنف وحجم الخسائر في الأرواح.

اقرأ أيضاً: هجرة الجزائريين إلى إسبانيا: حلم الرفاهية يتحطم على أسوار بلاد الأندلس

ووفق المجلس ذاته، تمت معاينة مجموعة من الصور والفيديوهات المنتشرة، التي اعتبر الكثير منها “لا علاقة لها بمحاولة عبور المهاجرين، وتتضمن تضليلاً ومعطيات غير حقيقية بشأن العبور الجماعي المكثف، وما نتج عنه”، وفق بلاغ للمؤسسة الرسمية ذاتها.

يقول الدكتور بن طلحة الدكالي إنه “في خطةٍ يبدو أنه كان مهيأ لها من قبل، خرجت بعض الأصوات الحقوقية منددة بما حصل، في محاولة الركوب على القضية، بدعوى فتح تحقيقٍ معمق لتحديد الظروف والملابسات لهذه المأساة”.

محاولة اقتحام سياج الحدود نحو مليلية- (رويترز)

وشدَّد الدكالي على أن “التحقيق يجب أن ينصب أساساً على الأيادي الخفية التي حركت أكثر من ألفي مهاجر بشكلٍ جماعي ومنظم، لمحاولة اقتحام سياج الحدود نحو مليلية”، متابعاً “نحن أمام عصابة إجرامية ألحقت خسائر جمة بملكية الغير، وتنظيم الهجرة غير الشرعية، والاتفاق الجماعي على الهجوم على السياج، والاعتداء على القوات العمومية”.

ولفت المحلل ذاته إلى أن وزارة الخارجية المغربية عقدت مؤخراً اجتماعاً مع سفراء بلدان إفريقية، والذين أعلنوا تضامنهم مع المغرب، ومع ضحايا شبكات التهريب والاتجار بالبشر الذين يستغلون ظروف بعض مواطني بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

حسن الأشرف

صحفي مغربي

مقالات ذات صلة