الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

ليلة مع مالكوم إكس

كيوبوست

أحمد الحناكي♦

طالما شعرت بسوداوية تجاه الأفلام الأمريكية تغلفها الريبة والشك تجاه أهداف تسعى إليها مهما كانت هذه الأفلام عظيمة من الناحية الشكلية والفنية.

ليلة واحدة في ميامي؛ أحد القلة من هذه الأفلام التي استطاعت أن تناقش طبيعة الحياة التي يعيشها النجوم السود في أمريكا إبان الفترة الكالحة أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات.

من المؤكد أن هناك جوانب خفية في حياة السود يكتنفها غموض، أو قلق، أو خوف، أو توتر؛ كبيراً كان أم صغيراً، ثرياً كان أم مدقعاً في الفقر والكيفية التي يتعامل بها مع المجتمع الأبيض الذي يهيمن على كل شيء.

أراد المنتج أو الكاتب أن يناقش ما يحدث في نخبة من السود؛ صراعهم الداخلي الذي يعيشونه، رغماً عن أنه اختار قضية وعرة؛ هي منظومة أمة الإسلام التي يتزعمها إيلاجا محمد.

تم اختيار مالكوم إكس محوراً رئيسياً يعيش صراعاً نفسياً تجاه ما فهمنا أنه يرى فساداً من إيلاجا محمد، ويريد أن يثور على هذا العفن بشكل لا يسيء إلى الإسلام بحد ذاته.

اقرأ أيضًا: اغتيال مالكوم إكس تحت مجهر جديد.. Who Killed Malcolm X?

ربما تكون القضية قد تكررت من حيث لا تنظر إلى الأفراد؛ بل انظر إلى الدين نفسه، ولكن هل يا ترى يستطيع أي مؤمن بأيديولوجية، تسويقها دون أن يكون زعماؤها مثالاً ناطقاً للنزاهة الأخلاقية والمادية؟

أرفق الكاتب محمد علي كلاي، الملاكم المسلم الشهير، الذي كان شخصية فريدة من نوعها آنذاك، والفنان المطرب ساك كوك، ولاعب كرة القدم الأمريكية جيمس براون، الذي أصبح ممثلاً في ما بعد؛ بصفتهم أصدقاء لمالكوم إكس، وطبعاً يجمعهم اللون الأسود.. وارد أن يستفيد مالكوم من هذه الشهرة والقدرة على التأثير لهؤلاء؛ لكنه (أي مالكوم) يريد أن يستخدم طريقة أقرب إلى العنف، بينما يختلف معه الآخرون رغماً عن اتفاق الجميع على دونية مناوئيهم.

محمد علي كلاي

هذا لا يمنع أن هناك قسماً من البيض لا يقبلون ما يحدث واستشهاد مالكوم إكس بالفنان بوب ديلان بأغنيته “تعصف به الريح”، ومطلعها يقول: كم من الدروب التي على الإنسان أن يسلكها قبل أن يعترف به كإنسان؟

كان الحوار الذي صدم به جيمس براون معبراً وحقيقياً عندما استدعاه أحد كبار الطبقة الأرستقراطية البيضاء، وذهب إليه واستقبله الآخر بالترحيب المبالغ به، وعبر له عن فخره بما يقدمه في كرة القدم، الأمر الذي يجعله فخراً لنا في ولاية جورجيا، حسب تعبيره.

غير أن كل هذا قد تبخر عندما استدعت ابنة الرجل والدها كي ينقل أثاثاً، فعرض عليه براون أن يساعده بنقل الأثاث؛ كون الرجل كبيراً في السن ولطيفاً معه (كانوا في دكة خارج المنزل) غير أن هذا الأبيض اعتذر منه، قائلاً: نحن كما تعرف نمنع دخول السود إلى بيوتنا.

محمد علي برفقة مالكوم إكس- New York Daily News Archive  Getty Images

براون نفسه ذكر في ما بعد أن البيض يعتقدون أن تلطفهم بالحديث معك هو شيء كبير يقدمونه، وهو يقصد ذلك الذي استقبله أو مَن هو على شاكلته.

هذه المواقف كما نعرف تقود إلى نشوء جيل غاضب، وقد يمتد هذا الغضب إلى العنف والدمار؛ وهو أمر بديهي ومتوقع للأسف.

هل هذا يقرع جرس إنذار لما قد يحدث في بلد أو مجتمع تحدث به هذه الإرهاصات؟

نعم وبشدة؛ فالتفرقة وتفضيل فئة على أخرى أو تجاهلها أو إهمالها حتماً ستكون مآلها إلى ما لا تحمد عقباه.

اقرأ أيضًا: محمد علي كلاي… الملاكم الذي صرخ: “أنا الأعظم”!

أميل في كثير من القضايا التي تخص الحقوق والعدالة الاجتماعية إلى سن أنظمة عادلة تسندها القوانين الصارمة، وتجارب الدول الكبيرة؛ كأمريكا والهند وجنوب إفريقيا (مع اختلاف ظروف الأخيرة)، أثبتت نجاح ذلك.

في الخليج العربي ودول الشرق الأوسط تبرز مثل هذه القضايا مؤججةً نيران انقسام اجتماعي وطبقي وطائفي، وتختلف المعالجة من دولة إلى دولة؛ لكن التاريخ أثبت أن كل سياق خارج عن المألوف سيندثر قسراً كان أم طوعاً..

في الأخير أظن أو أجزم أن انحيازنا لقضايا العدالة يجب أن لا يشعرنا بأفضلية ما على مَن كان ضحية المجتمع أو تاريخ ما أو ظروف ما؛ إنما هي قناعة نعملها ولا ننتظر شكراً أو خلافه.

♦كاتب سعودي

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات