الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

ليس الإسلام ما يثير قلق ماكرون.. بل مارين لوبان

حديث الرئيس الفرنسي حول أزمة المسلمين الفرنسيين.. يعكس ميل معظم السياسيين نحو اليمين المتطرف

كيوبوست- ترجمات

هـ. أ. هيليير♦

قبل الإفصاح عن خطته لمواجهة ما يعتبره “مجتمعاً موازياً” في فرنسا، حذَّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الجمعة الماضي، من احتمال أن تشكِّل الأقلية المسلمة التي يقدر عددها بستة ملايين فرنسي “مجتمعاً مناقضاً”، ومن أن الإسلام يواجه “أزمة” على الصعيد العالمي.

وليست هذه الطروحات بجديدة في فرنسا التي تحتضن العدد الأكبر من المسلمين في أوروبا الغربية. في الواقع، إن الهدف الوحيد لماكرون من هذا الطرح هو التلويح بأوراق اعتماده رئيساً حازماً تجاه الإسلام في بيئة سياسية شعبوية على حساب الأقلية المسلمة المحاصرة أصلاً.

والمفارقة هنا أن ماكرون لم يلحظ أن المبدأ الأساسي بفصل الدين عن الدولة في فرنسا، وحيادية الدولة تجاه المؤسسة الدينية يمنعانه تماماً من الخوض في الأمور المتعلقة بالخطاب الديني الخاص بمجتمع ما. ولكن في الواقع، فإن الأمر أخطر من ذلك بكثير.

في العام الماضي، نشرت صحيفة “الغارديان” مقالاً بعنوان “أسطورة أورابيا.. كيف سادت وانتشرت نظرية مؤامرة اليمين المتطرف”. وفي الواقع فإن هذه الفكرة ليست جديدة؛ فقد طرحتها جيزيل ليتمان (وتعرف أيضاً باسم بات يئور) قبل نحو عشرين عاماً، وقوبلت في حينها بموجة من النقد الأكاديمي نقضت كل مفاهيمها الموجهة إلى الشارع اليميني المتطرف في النرويج الذي جاء منه القاتل الجماعي أندريس بيرينغ بريفيك. (أندريس بريفيك، إرهابي يميني متطرف شن هجمات في النرويج قتل خلالها 77 شخصاً- المترجم).

اقرأ أيضاً: قراءة في مشروع إيمانويل ماكرون ضد “النزعة الانفصالية”

وتحرِّض هذه النظرية على تبني فكرة خاطئة تماماً، تقول إن المسلمين موجودون في أوروبا لشن حرب ثقافية تهدف إلى قلب منظومة القيم الأوروبية، ومن ثمَّ يجب على المسيحيين البيض القتال لإنقاذ حضارتهم. وعلى الرغم من أنها نظرية جامحة؛ فإن طرحها الذي يقوم على “انعزالية المسلمين” يحظى بالقبول من حيث الشكل، وهذا ما سمح لها بالانتشار والتوسع من فكرة هامشية إلى ما يشبه العقيدة السائدة منذ وقت طويل؛ لتصيب عدواها جناحَي السياسة الفرنسية، اليمين واليسار، وتتجاوزهما إلى ما هو أبعد من ذلك.

ليس من السهل تحديد مَن هو المسؤول عن إطلاق هذا الخطاب في فرنسا؛ ولكن لا بد لقائمة المسؤولين أن تضم أشخاصاً من أمثال المعلق السياسي إيريك زيمور، والمؤلف رونو كامو صاحب نظرية “الاستبدال الكبير” التي ألهمت الكثيرين في أوساط اليمين المتطرف في مختلف أنحاء العالم. وليس خطاب ماكرون إلا مؤشراً إضافياً على مدى انتشار هذه الأفكار.

اقرأ أيضاً: ردود فعل منددة بتهديدات إبراهيم منير لفرنسا بعد خطاب ماكرون

رونو كامو صاحب نظرية الاستبدال الكبير- “واشنطن بوست”

هنالك بالطبع كثير من الأزمات التي تواجه المسلمين في مختلف أنحاء العالم؛ سواء في أوطانهم أو كمجموعات دينية. فعلى سبيل المثال، تعيش أعداد هائلة من المسلمين تحت حكم أنظمة استبدادية، هذا بحد ذاته يشكل أزمة وإن لم تكن أزمة حتمية. (ومن غير الواضح في ما إذا كانت السياسة الخارجية لماكرون تنظر إلى مثل هذه الأنظمة على أنها إشكالية؛ بل من المرجح أنه يراها عكس ذلك). ولو أن ماكرون أخذ مسألة الحكم الرشيد للشعوب المسلمة على محمل الجد، لكان لذلك تداعيات كبيرة على السياسة الخارجية الفرنسية، وفشله في إعطاء هذا الأمر الأولوية التي يستحقها يسلب قدرة حديثه عن أزمة في الإسلام على الإقناع.

دائماً ما يتحدث علماء الدين المسلمين عن “أزمة السلطة” في التعليم الديني وعن الافتقار إلى استثمار العلم في تحديث المؤسسات التعليمية المختلفة التي تحاول أن تتعافى من إرث الحكم الاستعماري. إلا أن ماكرون، على حد علمي، لم يتطرق إلى تاريخ الاستعمار الفرنسي في هذا الصدد، وهذا أمر في غاية الأهمية باعتبار أن الحكم الفرنسي لشمال إفريقيا ترك أثراً سلبياً بارزاً على مختلف المؤسسات الدينية الإسلامية، وقلل من قدرتها على مواجهة تحديات العالم المعاصر.

اقرأ أيضاً: “صوت الإمام”.. كشف آليات هيمنة الخطاب الديني

إن تأثير هذا الإرث على المتطرفين لا يقل أبداً عن تأثير السياسات الاستبدادية السائدة في معظم دول العالم الإسلامي، إلا أن هذه السياسات ليست هي ما يشكو منه ماكرون وغيره من الساسة الأوروبيين. وخطاب ماكرون هو ببساطة محاولةٌ لاستمالة الناخبين اليمينيين قبل الانتخابات الرئاسية عام 2022؛ حيث يخوض منافسةً شديدة مع زعيمة التجمع الوطني اليمينية المتطرفة مارين لوبان، التي لا تتردد في تحميل المسلمين مسؤولية كل متاعب فرنسا.

وسواء أكان ماكرون مؤمناً بروايته حول الأزمة أم لا، فإن ذلك لا يهم. ما يهم حقاً هو حقيقة أن العديد من السياسيين البارزين في الاتحاد الأوروبي؛ بمَن فيهم الملتزمون بالقيم الديمقراطية، أصبحوا لا يترددون في إلقاء اللوم على الأقليات المسلمة في ما يتعلق بالأزمات الاجتماعية؛ لأن ذلك سوف يكسبهم المزيدَ من أصوات الناخبين. بينما القيادة السياسية الحقيقية تقتضي مواجهة هذا التيار، وليس ركوبه.

تقول الباحثة القانونية الفرنسية في جامعة تولوز 1 كابيتول؛ ريم سارة علوان: “لقد أصبحت كراهية المسلمين تجارة رابحة في فرنسا، فهي تزيد أعداد المشاهدين للقنوات الإخبارية التي تبث على مدار اليوم، وتعطي السياسيين منبراً للظهور الدائم. ربما لا يكون اليمين المتطرف في موقع السلطة في فرنسا؛ ولكن من المؤكد أن روحه موجودة فيها”.

وتضيف علوان أنه إذا انحصر الاختيار مرة أخرى بين ماكرون واليمين المتطرف، فإنه “يجب عليك أن تصوت لإنقاذ الجمهورية عندما تصل لوبان إلى الدورة الثانية من الانتخابات”.

اقرأ أيضاً: جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا تصل إلى أعلى مستوى في التاريخ

يحتل حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” مركز الصدارة في المشهد السياسي الفرنسي، وهذا هو بالضبط ما يجعل خطابه، وخطاب العديد من نواب حزبه، مصدراً للقلق. قبل عقدين من الزمن، لو أن سياسياً صرح بأن “الإسلام هو دين يعاني أزمة على مستوى العالم”؛ لكان من المؤكد أن هذا السياسي ينتمي إلى أقصى اليمين المتطرف. والأمر نفسه ينطبق على القول إن الحجاب “لا يتماشى مع حضارة بلدنا”؛ لكن ماكرون قال ذلك قبل سنتَين.

منذ وقتٍ غير بعيد، كان من المستغرب جداً أن يصرح شخص لا ينتمي إلى اليمين المتطرف بعبارة مثل “لا يمكنني أن أقبل أن تأتي سيدة لتشاركنا العمل في الجمعية الوطنية وهي ترتدي الحجاب”؛ ولكن هذه الكلمات جاءت على لسان آن كريستين لانغ، عضو البرلمان المعروفة عن حزب ماكرون الذي يصنف في تيار الوسط.

النائبة عن حزب “الجمهورية إلى الأمام” آن كربيستين لانغ- وكالات

والأسوأ من ذلك أن هجوم لانغ كان موجهاً ضد زعيمة طلابية منتخبة كانت تزور برلمان بلدها بصفتها مواطنة فرنسية. على ما يبدو، فإن مسألة الحجاب أصبحت أكثر أهمية من القيم المدنية ومن الحرية الفردية عند هؤلاء الذين يفترض أن يكونوا في موقع المدافعين عن الجمهورية العلمانية.

ومع كل هذا الحديث عن النزعة الانفصالية في المجتمع الفرنسي، يتم التركيز على المسلمات المحجبات اللاتي يؤدين كل واجباتهن المدنية أكثر بكثير من الشعبويين اليمينيين المتطرفين الذين يرتكبون الجرائم، وينتهكون القانون؛ مثل العضو السابق في حزب لوبان الذي حاول إحراق أحد المساجد، ثم أطلق النار على شخصَين حاولا منعه.

اقرأ أيضاً: روابط خطرة: حلقة الوصل بين اليمين المتطرف والجهاديين من منظور فرنسي

تقول علوان: “على الرغم من أن نظرية (الاستبدال الكبير) العنصرية التي تبناها الإرهابي الذي ارتكب المذبحة المروعة في كرايستشيرش بنيوزيلندا، كانت قد نشأت في فرنسا؛ فإن ماكرون لم يأتِ قط على ذكر خطر فكرة تفوُّق العرق الأبيض واليمين المتطرف”.

إن تصوير المسلمين كمشكلة عامة يؤتي ثماره في صناديق الاقتراع في فرنسا وأوروبا بشكل عام، وربما يمنح ماكرون الفوز بولاية ثانية؛ ولكن للأسف الشديد ستكون الأقلية الفرنسية المسلمة المحاصرة أصلاً هي مَن سيدفع الثمن.

♦زميل أول مشارك في المعهد الملكي للخدمات ومؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

المصدر: فورين بوليسي

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة