الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
لماذا يهتم الأوروبيون بالصراع في ليبيا؟
لكل من إيطاليا وفرنسا وألمانيا دوافعها المختلفة للولوج في الأزمة الليبية ومحاولة إنهائها بأقل الخسائر الممكنة

كيوبوست
تكتسب الأزمة الليبية اهتماماً خاصاً لدى الدول الأوروبية في الفترة الأخيرة، رغم أن تلك الدول التي أسهمت في إسقاط نظام القذافي لم تنجح على مدار السنوات التسع الماضية في إتمام عملية انتقال ديمقراطي سلس للسلطة.
ورغم أن التباين في وجهات النظر بشأن التعامل مع أطراف النزاع في الأزمة الليبية قد انعكس بوضوح على مواقف عدة دول؛ من بينها فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليونان وقبرص، حتى وصلت إلى درجة التناقض أحياناً؛ فإن ثمة أموراً توحد التحركات الأوروبية تجاه ليبيا.
اقرأ أيضاً: ليبيا.. فتاوى الصادق الغرياني تؤجج الصراع وتخدم الإخوان
محددات الاهتمام الأوروبي بالأزمة الليبية
فرض الأمن ومكافحة الإرهاب: تبدو مسألة إحكام السيطرة الأمنية في الداخل الليبي مسألة مصيرية بالنسبة إلى أوروبا؛ بسبب الموقع الاستراتيجي الذي تتميز به الدولة الليبية، ووجود ساحل يمتد إلى نحو ألفَي كيلومتر على البحر المتوسط، والذي تنطلق منه مراكب الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا. فبعد نجاح الاتحاد الأوروبي في التعاون مع دول الشمال الإفريقي والتنسيق الأمني الكامل معها توقفت رحلات الهجرة غير الشرعية بشكل شبه كامل خلال السنوات الأخيرة، إلا أن ليبيا بقيت المنفذ الأخير غير المؤمن بشكل كامل[1].

وعلى الرغم من الرفض الحاسم الذي قوبل به المقترح الأوروبي بإنشاء معسكرات للاجئين في شمال إفريقيا؛ فإن ثمة تعاوناً واضحاً خلال السنوات الماضية أدى إلى تراجع أعداد المهاجرين، خصوصاً بعد إطلاق عملية صوفيا التي استمرت من 2015 حتى نهاية مارس الماضي، والتي تضمَّن نشاطها الحدَّ من الاتجار في البشر، وأحبطت مئات العمليات، وأوقفت العشرات من أفراد عصابات التهريب، ودمرت وصادرت القوارب التي يمتلكونها[2].
اقرأ أيضًا: التهديد العثماني الجديد في “المتوسط” وشهية السلطان أردوغان للنفوذ
تخشى أوروبا؛ خصوصاً فرنسا، من تحول ليبيا إلى مركز للجماعات الإسلامية المتطرفة، بالتزامن مع عملية نقل المرتزقة من سوريا بدعم تركي، بما يهدد المصالح الفرنسية بالأساس، في ظل العلاقات القوية التي تجمع بين باريس ودول الساحل الإفريقي، ووجود قوات فرنسية في مستعمراتها السابقة؛ الأمر الذي يجعل هذه القوات في خطر حقيقي[3].
كما أن موقع ليبيا الجغرافي والأوضاع الأمنية الهشة داخلياً، قد تجعلها نقطة التقاء للشبكات الجهادية الموجودة من أقصى الساحل الإفريقي بالغرب إلى أقصى الساحل الإفريقي بالشرق؛ حيث توجد 5 مجموعات إرهابية شديدة الخطورة على ارتباط بتنظيم القاعدة، هي “بوكو حرام” في نيجيريا، و”القاعدة” في المغرب الإسلامي شمال الصحراء الكبرى، وحركة “الشباب المجاهدين” الصومالية، وحركة “أنصار الدين” السلفية الجهادية في مالي، وحركة “التوحيد والجهاد” في غرب إفريقيا.[4]
اقرأ أيضاً: مع استمرار تدفق السلاح التركي.. “الوفاق” الليبية تعترض على مهمة الاتحاد الأوروبي
استغلال الثروات الطبيعية: تمتلك ليبيا ثروات لا تقتصر على النفط فقط؛ فلديها 116,6 طن ذهب احتياطي؛ لتكون في المركز 32 عالمياً والثالث إفريقياً والرابع عربياً[5]، ويقدر الاحتياطي الخاص بها من الغاز بنحو 54,6 تريليون قدم مكعب؛ بما يجعلها في المرتبة 21 عالمياً من حيث احتياطات الغاز. بينما تتوقع وكالة الطاقة الأمريكية أن يرتفع الاحتياطي النفطي من 48 مليار برميل إلى 74 مليار برميل؛ لتكون في المركز الخامس عالمياً في احتياطات النفط الصخري[6].

ومن شأن تواصل الصراع في ليبيا أن يؤدي إلى استمرار الاضطراب في عملية توريد النفط؛ بما قد يؤثر سلباً على الأسعار عالمياً، ارتباطاً بالتراجع في الإنتاج والاضطراب الذي وصل عدة مرات إلى مرحلة التوقف الكامل؛ وهو المتغير الذي تراجعت أهميته في الأسابيع الأخيرة بعد أزمة “كورونا” وانخفاض أسعار النفط إلى مستويات قياسية، لكنه يبقى جزءاً من المعادلة في ظل السعي الأوروبي لتأمين مصادر بديلة للغاز عن روسيا[7].
ومع اكتشافات الغاز في حقول المتوسط، فإن تنافساً آخر أصبح قائماً بين الشركات الكبرى في مجال التنقيب عن الغاز، بعد إبرام حكومة السراج اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع تركيا؛ وهي الاتفاقية التي على الرغم من عدم توافقها مع القوانين الدولية، وعدم موافقة البرلمان الليبي عليها؛ فإنها خلقت حالة من التوتر والجمود، وفرضت دوراً مستقبلياً لتركيا في أي مشروعات مستقبلية لإيصال غاز المتوسط إلى أوروبا، إذا تم الاعتراف بها.
اقرأ أيضًا: “الوفاق” تستجدي التوافق بعد خسائر فادحة في ليبيا
التصدي لمحاولات الهيمنة التركية: رغم اختلاف الأسباب والدوافع؛ فإن الدول الأوروبية تتفق على التصدي لمحاولات الهيمنة التركية على ليبيا.

وتعتبر قبرص أبرز المتضررين من محاولات الهيمنة التركية وعرقلة أي استغلال لمواردها الطبيعية؛ وهو ما دفع الحكومة القبرصية إلى التقدم بشكوى إلى محكمة العدل الدولية في ديسمبر الماضي، على خلفية التمسك التركي بعدم الاعتراف بحق الحكومة القبرصية في القيام بأي أعمال تنقيب عن الغاز قبل إبرام اتفاق سلام لإنهاء تقسيم الجزيرة، في الوقت الذي تنفذ فيه تركيا عملية تنقيب في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص[8].
وتتصدى اليونان للتحركات التركية من أجل الدفاع عن حدودها البحرية بشكل واضح؛ حيث رفضت أثينا الاعتراف باتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين أردوغان والسراج واعتبرتها غير شرعية، كما طردت السفير الليبي من أراضيها واعتبرت موافقة السراج على الاتفاقية انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية، ولجأت إلى الأمم المتحدة للاعتراض عليها[9].

وعلى الرغم من إعلان إيطاليا وفرنسا وألمانيا تمسكها بالحل السياسي؛ كمخرج وحيد لإنهاء الأزمة الليبية؛ فإن لكل منها دوافعه المختلفة التي تتغير وفق تطورات الأحداث على الأرض، في ظل عدم قدرة أي من طرفي النزاع الرئيسَين حسم المعركة عسكرياً خلال الفترة الماضية.
اقرأ أيضاً: أردوغان يواصل مغامرته “المتهورة” في ليبيا
فإيطاليا تنظر إلى ليبيا باعتبارها مستعمراتها السابقة التي يجب أن تحافظ على نفوذها فيها، فضلاً عن أنها الأقرب حدودياً لها من ناحية البحر، كما أن شركة “إيني” الإيطالية هي أكبر منتج أجنبي للمحروقات في ليبيا، ولديها طموح بالحصول على نصيب الأسد في استكشافات الغاز والنفط بالمتوسط؛ وهي الأمور التي بات النفوذ التركي يهددها بشكل واضح[10].

أما فرنسا فتضع الملف الليبي على رأس أولوياتها الخارجية، رغم انتقاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سياسات سلفه ساركوزي، والتي دفعت ببلاده الي التدخل في الأزمة الليبية عام 2011. وعلى الرغم من إخفاق جهود الوساطة؛ فإن باريس تسعى للعب دور أكبر في الأزمة الليبية، تعزيزاً لنفوذها في الشمال الإفريقي، مع رفض فرنسي قاطع للممارسات التركية في ليبيا، والتي ترى فيها باريس تهديداً لمصالحها في شمال إفريقيا بشكل عام وليس ليبيا فقط[11].

في المقابل، تتحرك ألمانيا من أجل سد ثغرة رئيسية في الهجرة غير الشرعية؛ لتجنب تكرار ما حدث ما بين عامي 2014 و2016 من هجرة مئات الآلاف بحراً وتدفقهم إلى أوروبا، في واحدة من أكثر المشكلات التي هددت الاستقرار في الداخل الألماني، وكادت تطيح بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من منصبها، فضلاً عن رغبة في برلين في انتزاع إحدى أوراق الابتزاز التركية المحتملة مستقبلاً؛ وهي ورقة المهاجرين الراغبين في العبور من ليبيا إلى أوروبا[12].
المراجع
[1]https://www.roayahnews.com/articles/2019/6/30/10290/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%AF%D9%85%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7
[2] http://www.libya-al-mostakbal.org/top/20470/%D9%82%D8%A7%D8%A6%D8%AF-%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%B5%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%A7-%D8%A5%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%B0-%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D9%85%D9%86-34-%D8%A3%D9%84%D9%81-%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%AC%D8%B1-%D9%85%D9%86%D8%B0-%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85.html
[3] https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1327769-%D9%85%D8%B1%D8%AA%D8%B2%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%94%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%94%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A
[4] https://futureuae.com/ar-AE/Activity/Item/61/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A-%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%8A%D8%AC%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%A1
[5]https://www.alarabiya.net/ar/north-africa/2019/11/20/%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%B3%D8%AA%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%B7%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8-%D9%84%D8%AA%D9%85%D9%88%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D8%AA
[6]https://www.albayan.ae/one-world/political-issues/2020-05-18-1.3861715
[7] https://www.france24.com/ar/20200118-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D9%85%D8%A4%D8%B3%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A5%D8%BA%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%89%D8%A1-%D8%B9%D8%B4%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%8A%D9%86
[8]https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/2019/12/05/%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81-%D9%82%D8%A8%D8%B1%D8%B5-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D9%8A%D8%B5%D9%84-%D9%85%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9
[9]https://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKBN1YE16Y
[10]https://futureuae.com/ar/Mainpage/Item/5225/%D8%AA%D8%A3%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D9%88%D8%B0-%D8%AF%D9%88%D8%A7%D9%81%D8%B9-%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A5%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A9
[11]https://www.france24.com/ar/20200109-%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%AF%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%83%D8%AB%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D8%A8%D8%B4%D8%A3%D9%86-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%AF%D8%B9%D9%88%D8%A9-%D9%84%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A7%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1
[12]https://www.dw.com/ar/%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD-%D8%A3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A3%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%87%D8%A7-%D9%84%D8%AD%D9%84%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A9/a-52045090