الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

لماذا ينبغي أن يكون الدعم الأمريكي لتايوان أكثر وضوحاً؟

كيوبوست – ترجمات

ريتشارد هاس، وديفيد ساكس♦

على مدى أربعةِ عقود، ظلَّت الإدارات الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة تقاوم الإجابة عن السؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد تهرع للدفاع عن تايوان إذا ما شنت الصين هجوماً مسلحاً أم لا؟ فقد ساعد الغموض المتعمد الذي تبثه واشنطن بشأن هذه المسألة على إثناء الصين عن محاولة “إعادة توحيد” تايوان مع البر الرئيسي؛ حيث لم يكن بوسعها التأكد من أن الولايات المتحدة ستقف مكتوفة الأيدي.

اقرأ أيضاً: هل تعيد الولايات المتحدة والصين الحرب البيلوبونيسية مرة أخرى؟

في الوقت نفسه، ثبطت هذه السياسة تايوان عن إعلان الاستقلال -وهي خطوة كان من شأنها أن تُعجِّل بحدوث أزمة عبر المضيق- لأن قادتها لم يتمكنوا من التأكد من دعم الولايات المتحدة القاطع. بيد أن السياسة المعروفة باسم الغموض الاستراتيجي قد استنفدت مفعولها. ومن غير المرجح أن يؤدي الغموض إلى ردع العدوانية المتزايدة للصين في ظل قدراتها العسكرية المتنامية.

وقد حان الوقت لكي تطبق الولايات المتحدة سياسة الوضوح الاستراتيجي، وهي سياسة تنص صراحة على أن الولايات المتحدة سترد على أي استخدام صيني للقوة ضد تايوان.

تلاشي مزايا الغموض

عندما قطعت الولايات المتحدة العلاقات مع تايوان عام 1979 وتخلت عن معاهدة الدفاع المشترك مع الجزيرة، أقر الكونغرس قانون العلاقات مع تايوان الذي أوضح أن الولايات المتحدة تحافظ على التزامات خاصة تجاه تايوان. وأكد القانون أن الولايات المتحدة ستنظر في أي مسعى من شأنه تحديد مستقبل تايوان بطرقٍ أخرى غير الوسائل السلمية؛ بما في ذلك المقاطعة أو الحظر، ويشكل تهديداً للسلم والأمن في منطقة غرب المحيط الهادئ، وهو مبعث قلق بالغ للولايات المتحدة.

قالت رئيسة تايوان تساي إنغ ون خلال حديثها في جامعة كولومبيا بنيويورك “إنه من المهم للمجتمع الدولي أن يدعم تايوان حرة وديمقراطية”.. يوليو 2019- “رويترز”

وذكر القانون أيضاً أن الولايات المتحدة ستحتفظ بقابلية الدفاع عن تايوان، وستوفر للجزيرة الأسلحة اللازمة لأمنها. ولكن الأهم من ذلك، أن القانون لم يعلن صراحة أن الولايات المتحدة سوف تتدخل للدفاع عن تايوان. وقد نجح الغموض الأمريكي في ردع الصين عن مهاجمة تايوان؛ حيث لم تتمكن بكين قط من التأكد مما سيكون عليه الرد الأمريكي. والصين تريد قبل كل شيء الحفاظ على بيئة خارجية سلمية؛ حتى تتمكن من التركيز على تنميتها الاقتصادية.

وفضلاً عن ذلك، وحتى لو اختارت الولايات المتحدة عدم التدخل بشكل مباشر، فقد زودت المؤسسة العسكرية التايوانية بما يكفي من المعدات المتطورة التي تجعل المؤسسة العسكرية الصينية غير مهيأة لإلحاق الهزيمة بها. وأن أي خطأ في تقدير الموقف من شأنه أن يعرض التنمية الاقتصادية في الصين، وحكم الحزب الشيوعي الصيني للخطر. 

شاهد: فيديوغراف.. قوى العالم الجديد تعيد صياغة قوانين اللعبة السياسية

وعلى الرغم من هذا الوضع؛ فإن الإبقاء على سياسة الغموض هذه لن يحافظ على السلام في مضيق تايوان خلال العقود الأربعة المقبلة. فالعديد من العوامل التي جعلت منه مساراً حكيماً قد تغيرت بشكل جذري. حيث أصبح لدى الصين الآن القدرة على تهديد المصالح الأمريكية ومستقبل تايوان. والإنفاق الدفاعي الصيني يبلغ 15 ضعف إنفاق تايوان، كما تم تخصيص جزء كبير منه لمواجهة الطوارئ في تايوان. وقد ركز التخطيط الصيني على منع الولايات المتحدة من التدخل بنجاح نيابة عن تايوان.

الرئيس الصيني يستعرض الأسطول العسكري الصيني في بحر الصين الجنوبي 2019- “أسوشييتد برس”

تايوان كهدف للصين بعد هونغ كونغ

وفي عهد الرئيس شي جين بينغ، أصبحت الصين أكثر حزماً من أي وقتٍ مضى في الدفاع عن مصالحها. وقد تعهد شي ذات مرة للرئيس الأمريكي باراك أوباما، بأن الصين لن تقوم بعسكرة بحر الصين الجنوبي؛ لكنها فعلت ذلك في السنوات الأخيرة. حيث سجنت الصين ما لا يقل عن مليون فرد من أقلية الأويغور، كما اشتبكت علناً مع الهند على طول الحدود المتنازع عليها بين البلدين.

وقد كثَّفت المناورات العسكرية في مضيق تايوان، كما كثَّفت جهودها الرامية لعزل تايوان دولياً. وما يثير القلق بالقدر نفسه بالنسبة إلى تايوان هو أن الصين قد جردت هونغ كونغ على مدار العام الماضي من كل مزايا حكمها الذاتي تقريباً. وفي ضوء هذه الاتجاهات، فإن هدف الصين في فرض سيطرتها على تايوان بالقوة إذا لزم الأمر، لا بد أن يؤخذ على محمل الجد.

اقرأ أيضاً: هل وصلت الخلافات بين الهند والصين إلى نقطة اللا عودة؟

وهناك تكهنات بأن الرئيس الصيني سوف يزاوج بين طموحاته والوسائل الجديدة المتاحة له لتحقيق “حلم الصين” وفرض “إعادة التوحيد” مع تايوان، وربما في أقرب وقت ممكن من عام 2021. ولا ينبغي لأحد أن ينفي إمكانية أن تكون تايوان هي هونغ كونغ القادمة.

إن التايوانيين براغماتيون ويدركون أن السعي وراء الاستقلال، الذي من شأنه أن يستفز الصين، ليس في مصلحة الجزيرة. ووفقاً لذلك، فإن أقل من 10% من السكان يؤيدون السعي إلى الاستقلال في أقرب وقت ممكن، بينما تفضل الأغلبية الإبقاء على الوضع الراهن بدلاً من المخاطرة بالحرب. وأخيراً، وفي حين أن البعض ربما يتساءل عما إذا كانت تايوان 1979 الاستبدادية، والتي حُكمت بموجب الأحكام العرفية، تستحق الدفاع عنها، فقد ازدهرتِ الجزيرة منذ ذلك الحين لتصبح ديمقراطية قوية مع عمليات انتقال منتظمة وسلمية للسلطة.

مظاهرات في تايوان ترفع شعارات الاستقلال عن الصين.. 2019- “أسوشييتد برس”

وهي تتمتع بأعلى نسبة من عضوات الهيئات التشريعية النساء في آسيا، وهو ما يقرب من ضعف مثيلتها في الولايات المتحدة. ومن خلال استجابتها الرائدة عالمياً لوباء “كوفيد-19”، أظهرت تايوان قدرتها الهائلة في مجال الصحة العالمية، وسخاءها في تقديم يد العون إلى البلدان التي تحتاج إليها. وهي شريك حيوي للولايات المتحدة في مجموعة من القضايا العالمية، ومن مصلحة الولايات المتحدة الدفاع عن المكاسب التي حققتها تايوان بشق الأنفس.

اقرأ أيضاً: بين ألمانيا وأيسلندا وتايوان.. ماذا نتعلم من القيادات النسائية في إدارة أزمة كورونا؟

وبخلاف ذلك، هناك شيء واحد لم يتغير على مدى هذه العقود الأربعة، وهو أن استيلاء الصين المفترض على تايوان لا يزال يتعارض مع المصالح الأمريكية. وإذا فشلت الولايات المتحدة في الرد على مثل هذا الاستخدام الصيني للقوة، فإن حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين؛ مثل اليابان وكوريا الجنوبية، سوف يستنتجون أنه لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة وأنها تنسحب من المنطقة.

ومن ثمَّ فإن هؤلاء الحلفاء الآسيويين إما أن يسعوا إلى استيعاب الصين، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تفكك التحالفات الأمريكية وانهيار ميزان القوى، وإما أن يسعوا للحصول على أسلحة نووية؛ في محاولةٍ للاعتماد على الذات استراتيجياً. وأيّ من هذين السيناريوهين من شأنه أن يزيد إلى حد كبير من احتمالات نشوب حرب في منطقة مركزية بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي.

السفن الحربية الصينية تطلق صواريخ خلال هجوم وهمي على جزيرة في مضيق تايوان عام 1996 في ذروة التوترات بين البلدين- “أسوشييتد برس”

فحقيقة أن الولايات المتحدة والصين وتايوان قد حافظت على السلام في مضيق تايوان لمدة 40 عاماً من خلال التحايل على قضية تشكل واحدة من أعظم إنجازات السياسة الخارجية للولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب. وهي شهادة على فن الحكم الماهر لهنري كيسنجر والعديد من خلفائه الذين أدركوا أن تسوية هذه القضية بشروط مقبولة من جميع الأطراف كان بعيد المنال. لكن من غير المرجح الآن أن يحافظ الغموض على الوضع الراهن.

وللحفاظ على هذا الإنجاز ومواصلة ردع المغامرة الصينية، يتعين على الولايات المتحدة أن تتبنى موقفاً واضحاً استراتيجياً، وأن تعلن بوضوح أنها سترد على أي استخدام صيني للقوة ضد تايوان. ومن شأن مثل هذه السياسة أن تقلل من احتمالات سوء التقدير الصيني الذي يشكل العامل الأكثر احتمالية للحرب في مضيق تايوان.

اقرأ أيضاً: مكيافيلي وكيسنجر.. والواقعية في العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين

وبوسع البيت الأبيض أن يوضح هذه السياسة الجديدة من خلال بيان رئاسي وما يصحبه من أمر تنفيذي يؤكد دعم الولايات المتحدة سياستها المتعلقة بالصين الواحدة؛ ولكنه ينص أيضاً بشكل قاطع على أن الولايات المتحدة سترد إذا تعرضت تايوان إلى هجوم صيني مسلح. وسيوضح البيان أن الولايات المتحدة لا تؤيد استقلال تايوان؛ مما سيردع تايوان عن محاولة الاستفادة من السياسة الجديدة للولايات المتحدة.

الانتظار ربما يؤدي إلى كارثة

ولا شك أن البعض سيعارض هذا التغيير؛ بحجة أنه قد يخاطر بحدوث أزمة، أو أنه قد يؤدي إلى انقطاع العلاقات الأمريكية مع الصين، أو كليهما. ولكن الولايات المتحدة يمكنها أن تقلل من احتمالات الانهيار من خلال الإبقاء على سياسة الصين الواحدة، وإعادة التأكيد أن الولايات المتحدة لا تتخذ موقفاً بشأن جوهر أي ترتيب بين الصين وتايوان طالما تم التوصل إليه سلمياً وبموافقة الشعب.

الرئيسة التايوانية تتابع خطة إصلاح قوات الاحتياط في الجيش الوطني- “رويترز”

وقد تحرك الرئيس الصيني بسرعة ضد هونغ كونغ؛ ولكن إذا أصدرت الولايات المتحدة بياناً واضحاً بأنها سترد على أي هجوم مسلح على تايوان -واتخذت خطوات لإضفاء المصداقية على الأمر- فسوف يفكر مرتين في قضية تايوان وإحداث مواجهة مع الولايات المتحدة. وفوق كل شيء، فإن الدافع وراء تحركات الرئيس الصيني هو الرغبة في الحفاظ على هيمنة الحزب الشيوعي على النظام السياسي في الصين.

ومن شأن محاولة فاشلة لـ”إعادة توحيد” تايوان مع الصين أن تعرض تلك الهيمنة إلى الخطر، وهذه مخاطرة من غير المرجح أن يتخذها شي جين بينغ. ومن ثمَّ فإن تعزيز الردع سيساعد على منع حدوث أزمة عبر المضيق، وسيساعد على وضع علاقات الصين والولايات المتحدة على أرض أكثر ثباتاً من خلال تقليل فرص الحرب. أما أولئك الذين يزعمون أن هذه السياسة الجديدة تضيف التزاماً أمريكياً إضافياً في وقتٍ تعاني فيه البلاد التزاماتٍ مُفرطة بالفعل، فلا ينبغي لهم أن يخدعوا أنفسهم. وحلفاء الولايات المتحدة في آسيا يفترضون بالفعل أنها سوف تُدافع عن تايوان. ومن شأن اتخاذ قرار بعدم القيام بذلك أن يعرض هذه التحالفات إلى الخطر.

اقرأ أيضاً: كيف تتفكك القوة الأمريكية وتنتهي هيمنة القطب الأوحد بلا عودة؟

وقد اختارتِ الإدارة الأمريكية الحالية الارتقاء رمزياً بالعلاقة مع تايوان، والتشكيك في سياسة صينٍ واحدة، وكلاهما موقفان يتعارضان مع القضية؛ لأن الشاغل الأكبر للصين يتلخص في أن تايوان سوف تتحرك نحو السعي للاعتراف بها كدولة مستقلة. وعلى النقيض من ذلك، من شأن الوضوح الاستراتيجي أن يتجنب مثل هذه التحركات الرمزية لصالح سياسة تركز على استعادة الردع. ولعل أفضل طريقة لضمان عدم حاجة الولايات المتحدة إلى الدفاع عن تايوان هو إرسال إشارة إلى الصين بأنها على استعداد للقيام بذلك. وعموماً فإن ما يحدث أو ما لا يحدث في مضيق تايوان قد يقرر مستقبل قارة آسيا برمتها.  

الكُتّاب:

  • ريتشارد هاس دبلوماسي أمريكي ورئيس مجلس العلاقات الخارجية.
  • ديفيد ساكس؛ باحث زميل في مجلس العلاقات الخارجية.

المصدر: فورين أفيرز

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة