الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة

دراسة جديدة: هل نميل للزحف نحو اليمين كلما تقدمنا بالسن؟

الجانب الآخر للشيخوخة

ترجمة كيو بوست – 

المصدر: مجلة سايكولوجي توديه الأمريكية، بقلم د. ستيف تيلور.

عندما تشارك في أية مسيرة احتجاجية حول قضايا سياسية أو اجتماعية، فمن المحتمل أن تجد معظم المشاركين فيها من فئة الشباب. فقد بات من التقليدي في غالب الأحيان أن يكون الشباب مثاليين، وأن يكونوا أكثر ميلًا للتعبير عن عدم رضاهم عن الأعراف والمؤسسات الاجتماعية، في حين أن الأشخاص الأكبر سنًا يميلون إلى الرضا عن الوضع القائم.

من المرجح أيضًا أن يميل الشباب إلى الأحزاب اليسارية في الساحة السياسية، في حين أن الأشخاص الأكبر سنًا يميلون إلى اليمين. وقد تجلى هذا في انتخابات العام الماضي في المملكة المتحدة، عندما صوت 60٪ من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و24 عامًا لصالح حزب العمل اليساري، بينما صوت 61٪ من الأشخاص الذين تجاوزوا سِن 64 عامًا لصالح حزب المحافظين اليميني.

وأظهرت نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة نمطًا مماثلًا. فقد أظهر أحد الاستطلاعات أن 55٪ ممن تتراوح أعمارهم ما بين 18- 29 عامًا صوتوا لصالح هيلاري كلينتون، بينما صوت 37٪ لصالح دونالد ترامب. وأظهرت معدلات الموافقة الأخيرة للرئيس أن 22٪ فقط من الأمريكيين الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة موافقون عليه، مقارنة بموافقة 43٪ من أولئك الذين بلغوا 50 عامًا أو أكثر. وبالعودة إلى المملكة المتحدة، صوّت 75٪ من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا -في تصويت بريكسيت لعام 2016- لصالح بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، مقارنة بتصويت 39٪ فقط ممن تجاوزوا سن ال65.

من المعروف أيضًا أن كبار السن يميلون إلى القومية أكثر من الشباب، ويظهرون أكثر تحيزًا ضد أفراد المجموعات العرقية والقومية الأخرى. وأظهرت الأبحاث أن الأشخاص البيض من كبار السن هم أكثر عنصرية ممن هم أصغر سنّا. وتشير أبحاث أخرى إلى أن كبار السن أكثر ميولًا لتشكيل صور نمطية تؤدي بالنتيجة لمزيد من التعصب.

 

الهوية والخطر

لماذا يميل كبار السن إلى اليمين؟ هل السبب في ذلك هو أنهم ترعرعوا في أوقات أقل ليبرالية، وأنهم حافظوا على وجهات نظرهم السابقة؟ أم أن هنالك ميلًا طبيعيًا للزحف نحو اليمين كلما تقدمنا بالسن؟ في فترة الانتخابات البريطانية، تحدث صديق لوالدي عن حجم كرهه لحزب العمل اليساري، فسألته “أليس من الغريب أن الشباب يتوجهون للتصويت لحزب العمل بينما يختار الكبار الحزب المحافظ؟”، فأجابني: “ذلك لأننا أكثر حكمة”، فأجبته مازحًا: “ليس بالضرورة، ربما لأن عقولكم آخذة بالتخريف”.

والأخطر من ذلك هو أن “نظرية إدارة الإرهاب” قد توفر إجابة واحدة. فوفقًا لتلك النظرية، حين يعي الناس قضية موتهم، يصبحون أكثر عرضة لاتخاذ سلوكيات دفاعية أو وقائية. لقد ابتكر الباحثون ما أسموه بيئة  “حتمية الموت” – التي جعلت الناس واعين بحرص حول قضية موتهم، وكانت الاستجابة لذلك هو سعي الناس نحو المناصب، والماديات، والتعصب. وهم على الأرجح أكثر توافقًا مع الأعراف المقبولة ثقافيًا، وأكثر تماثلًا مع جماعاتهم القومية والعرقية.

ويبدو أن الدافع وراء هذا السلوك هو تعزيز أهمية وقيمة الفرد في مواجهة الموت، أو لكسب حس الأمان والانتماء، كوسيلة لحماية نفسه من خطر الموت. وإذا طبقنا ذلك على الشيخوخة، نجد أنه كلما تقدم الناس في العمر، زادوا إلمامًا بقضية موتهم، وأصبحوا أكثر قلقًا بشأن ذلك، وبالتالي أكثر عرضة للتعصب والقومية.

هنالك عامل آخر، هو أن كبار السن يشعرون بالتهديد في العالم الحديث. وبينما أصبح العالم أكثر تعقيدًا من الناحية التكنولوجية، يكافح كبار السن من أجل فهمه ويشعرون فيه بالغربة. لذلك قد يتفاعلون مع تهديد الموت بطريقة مماثلة، فيتمسكون بهويتهم الجماعية (التي ربما تكون عرقية أو قومية أو سياسية أو دينية – وغالبًا ما تكون جميعها في آن واحد) بقوة أكبر تؤدي إلى زيادة الشعور بعدم الثقة أو العداء تجاه جماعات أخرى.

ويمكن أن يشكل “التعود” كذلك عاملًا من تلك العوامل. فكلما عشنا أكثر في مجتمعاتنا، كلما غدت الأعراف الاجتماعية عادية أكثر بالنسبة لنا، وزاد تقبلنا لمواقف وقناعات لم تكن يومًا عادلة أو مقبولة لدى الأطراف الخارجية. كما يمكن أن يكون السلوك الأكثر جنونًا مقبولًا عندما يتأصل بعمق ويعرض على أنه عادي. ولكن الشباب اليوم ينظرون للعالم بعيون جديدة، وهم أقل اعتيادًا على تلك التقاليد. فالتفاوتات والممارسات غير الأخلاقية باتت واضحة لهم، لذا تجدهم أكثر تحفيزًا لمن حولهم على تغييرها.

 

الجانب الآخر للشيخوخة

تجدر الإشارة إلى أن هذه ليست إلا تعميمات. في الحقيقة، لقد كتبت في السابق مدونات عدة عن اتجاه معارضٍ قد يحصل في مرحلة الشيخوخة: التناسي والقبول إلى جانب مزيد من التكيف مع اللحظة الراهنة، مما يرقى إلى مستوى التطور الروحي.

وبينما يصبح بعض كبار السن (وربما الغالبية منهم) أكثر قلقًا وأقل شعورًا بالأمان، إلا أن البعض الآخر يشعرون بسلام مع الحياة. وتكمن الإشارة إلى ذلك من خلال البحث في علم النفس الإيجابي، الذي يظهر عمومًا أن الشيخوخة واحدة من أسعد المراحل في حياة الإنسان. وكما أشار عالم النفس التنموي إريك جونسون، فإن مرحلة الشيخوخة مرحلة مليئة بالتناقضات: فيمكننا أن نميل نحو الاعتزاز بالنفس، الحكمة والقبول، أو نميل نحو المرارة والاستياء. لذلك، ليس من المحتوم قطعًا أن نصبح أكثر قومية وتحيزًا. وإلى حد كبير، فإن الخيار خيارنا.

 

المصدر: مجلة سايكولوجيه توديه الأمريكية

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة