الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

لماذا يقتل الفيروس الكثير من النساء الحوامل في الهند؟

كيوبوست- ترجمات

آليا أللانا♦

أخبرني الأطباء في المؤسسة الحكومية للعلوم الطبية، وهي مستشفى حكومي في نويدا، إحدى ضواحي دلهي، مؤخراً، أنه أثناء الموجة الأولى لـ”كوفيد-19″ عانت معظم النساء الحوامل اللاتي أُصبن بالفيروس أعراضاً متوسطة الشدة، وتمكنَّ من العودة إلى بيوتهن بعد بضعة أيام في المستشفى الذي يقدم خدماته المجانية لنحو ألفَي مريض من أهالي المنطقة والقرى المحيطة يومياً.

ولكن خلال الفترة الممتدة بين مارس ومايو، لاحظ الأطباء أن معظم النساء الحوامل اللاتي وصلن إلى المستشفى كانت لديهن عوارض متلازمة الضائقة التنفسية الحادة، وسرعان ما انهارت رئاتهن. ومن بين 15 امرأة كنَّ في جناح الأمراض النسائية في المستشفى، عندما تحدثتُ إلى الأطباء قبل أسبوعين، كانت 11 امرأة منهن بحاجة إلى دعم الأكسجين، واثنتان على جهاز التنفس الاصطناعي، وواحدة كانت تتعافى.

تعاني النساء الحوامل، اللاتي يضعف لديهن جهاز المناعة، ظهورَ ندوبٍ واسعة على الرئتَين بعد الإصابة بالفيروس. قال الطبيب: “بدت رئاتهن بيضاء كالعظام في صور الأشعة السينية. وكانت الندوب فيها مملوءة بالسوائل التي ترشح من الأوعية الدموية إلى الرئتين”..

اقرأ أيضاً: لغز كوفيد الجديد في الهند.. لماذا ارتفعت نسب الإصابة فجأة؟

ومع وصولِ الموجة الثانية الأشد من الجائحة، منذ منتصف فبراير، بدأ الأطباء الهنود يلاحظون حاجةَ النساء الحوامل إلى كمياتٍ كبيرة من الأكسجين، وحاجتهن إلى المزيد من التدخلات الجراحية لتسريع الولادة قبل أوانها، ونسباً مرتفعة من الإجهاض وموت الأجنة.

في الثاني من مايو أُصيبت بالكان ثاكور بحكة في حلقها ما لبثت أن تطورت إلى سعال. كانت حاملاً في شهرها السابع، وتنتظر ولادة طفلها الرابع. جرَّب الأطباء المحليون في مدينتها فريداباد، إعطاءها الباراسيتامول وشراباً مهدئاً للسعال، ومصلاً من الغلوكوز والحديد؛ ولكنها أصبحت عاجزةً عن التنفس، وبدأت تسعل دماً.

أخذها زوجها زاكير خان، الذي يُدير متجراً للأدوية الشعبية، إلى مستشفى لايف لاين القريب من منزلهما، وبعد أن نظر الطبيب إلى صورة الأشعة السينية، قال لهما إن رئتَي السيدة ثاكور متضررتان بشدة. لم تكن هنالك أسرَّة فارغة في المستشفى، حاول الزوجان عبثاً الحصول على سريرٍ في أحد عشر مستشفى؛ بعضها لم يكن لديه أسرَّة وبعضها لم يكن لديه أكسجين أو أجهزة تنفس، وطلب بعضها الآخر مبالغ طائلة مقابل العلاج.

يعاني الكثير من المستشفيات في الهند نقص الأكسجين- “دويتشه فيله”

مَضَت ثلاث عشرة ساعة على مغادرتهما المنزل، وكانت السيدة ثاكور تنزف من أنفها. مسح السيد خان وجهها قبل أن ينهار تماماً. اتصل بهما أحد أقربائهما ليخبرهما بوجود سرير شاغر في قسم الأمراض النسائية في المستشفى الحكومي في نويدا. وصلا إلى المستشفى عند الثالثة صباحاً، وحمل السيد خان زوجته بين يدَيه.

قام أحد الأطباء بتثبيت أنبوب الأكسجين على أنف السيدة ثاكور، وأعطاها تدفقاً مستمراً من الأكسجين بمعدل 50 لتراً في الدقيقة، ولم يتجاوز مستوى الأكسجة لديها معدل 80%، الذي يقل كثيراً عن معدل 95% الطبيعي. سأل طبيب مبتدئ: “هل ستتمكن من النجاة؟”؛ ولكن الطبيب الأكبر سناً لم يُجب. لقد كانت السيدة ثاكور ذات السبعة والعشرين عاماً تناضل من أجل حياتها.

عندما دخلت السيدة ثاكور إلى المستشفى كان الأطباء يعالجون امرأة حاملاً في شهرها الثامن؛ حيث تمكنوا بمساعدة جهاز التنفس الاصطناعي من المحافظة على معدل الأكسجة لديها عند معدل 80%. وعندما أظهر التصوير بالأمواج فوق الصوتية أن جنينها يتمتع بصحة جيدة، بدأ الأطباء يفكرون في إمكانية إخضاعها لولادة جراحية؛ ولكن التخدير سيخفض نسبة الأكسجة لديها إلى مستويات خطيرة.

اقرأ أيضاً: آرون كي شاني: الجيش الهندي مصمم على إدارة أزمة “كورونا” بشكل كامل

سأل أحد الأطباء: “هل يمكننا إنقاذ الجنين؟”، لم يتمكن الأطباء من اتخاذ قرار التضحية بالأم في سبيل إنقاذ الجنين أو التضحية بالجنين على أمل شفاء الأم. قال لي أحد الأطباء: “لا ينبغي أن يتخذ أي طبيب قراراً كهذا”. بعد ساعات قليلة توفيت الأم والجنين معاً.

على بُعد 850 ميلاً من المستشفى الذي ترقد فيه السيدة ثاكور، ولد 1000 طفل بصحة جيدة خلال شهر مايو في مستشفى ناير المخصص لعلاج النساء الحوامل المصابات بـ”كوفيد-19″ في مومباي، أكثر المدن الهندية اكتظاظاً بالسكان. وهناك أيضاً توفيت 17 امرأة من الحوامل خلال شهر أبريل وحده، معظمهن بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين من العمر.

تذكرتُ تجربتي الشخصية عندما كنت حاملاً بابنتي: الوهن الشديد في الثلث الأول من الحمل، وتسارع ضربات القلب في الثلث الثاني، وكم تضخم بطني في الثلث الأخير؛ مما جعلني أتنفس بشكل أعمق وأعمق.

غاياش أنصاري يدفن زوجته غولشان التي كانت في الشهر الثامن من حملها عندما أُصيبت بـ”كوفيد-19″ في مومباي- “رويترز”

خلص تقرير صادر عن مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، الذي قام بدراسة قرابة 400,000 امرأة بين سن الخامسة عشرة والرابعة والأربعين، إلى أن النساء الحوامل اللاتي يُصبن بـ”كوفيد-19″ أكثر عرضةً للحاجة إلى غرف العناية المركزة، والمساعدة التنفسية والأكسجة الغشائية خارج الجسم. ويزداد خطر الوفاة بين الحوامل بنسبة 70%، بالمقارنة مع غيرهن من النساء، كما ترتفع نسبة إصابتهن بالجلطات الدموية.

يولد قرابة 67,000 طفل في الهند كل يوم، وهذا يعني أنه كان هنالك قرابة مليونَي امرأة في الشهر التاسع من حملها في الهند، عندما بدأت البلاد حملة التطعيم في يناير الماضي. في 29 أبريل دعا اتحاد جمعيات التوليد وأمراض النساء في الهند إلى إعطاء الأولوية في اللقاح للنساء الحوامل والمرضعات، مؤكداً أن فوائد التطعيم أكبر بكثير من مخاطره النظرية بعيدة الاحتمال.

اقرأ أيضاً: التحورات والسياسة واللقاحات.. العوامل وراء أزمة كوفيد في الهند

أعطت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وبلجيكا الأولوية في اللقاح إلى النساء الحوامل؛ ولكن لم يسمح حتى الآن للنساء الهنديات بالحصول على لقاح “كوفيد-19″؛ لأن الحكومة الهندية أشارت إلى نقص البيانات التجريبية التي تدعو الحاجة الملحة إلى تلقيحهن. في 19 مايو الجاري، أوصت وزارة الصحة الهندية بإعطاء اللقاح للنساء المرضعات؛ ولكنها قالت إن “مسألة تلقيح النساء الحوامل لا تزال قيد البحث والمداولة”.

أوصت وزارة الصحة الهندية بإعطاء اللقاح للنساء المرضعات- “سي إن إن”

تضجُّ وسائل التواصل الاجتماعي الهندية بنداءاتِ الاستغاثة اليائسة، وأخبار الوفيات المحزنة لنساء حوامل؛ بسبب مضاعفات الإصابة بـ”كوفيد-19″. وهذه الوفيات المتزايدة تعيد الهند إلى الوراء بعد عقودٍ من التقدم في خفض معدل وفيات الأمهات الحوامل.

في عام 1946، قبل عامٍ واحد من استقلال الهند، كانت تموت 2000 امرأة من بين كل 100,000 حالة ولادة. وقد أسهمت في ارتفاع هذا العدد عوامل عديدة؛ منها القابلات غير المؤهلات، ونقص التجهيزات والولادات المنزلية، ونقص وسائل النقل في حالات الطوارئ في المناطق البعيدة؛ ولكن على مدى العقود التالية ساعدت الجهود المستدامة في تحسين خدمات صحة الأم، وتشجيع الولادة في المستشفيات بدلاً من المنازل، وتحسين مستوى الرعاية قبل الولادة وبعدها، وعلى خفض معدل وفيات الأمهات إلى 130 حالة من بين كل 100,000 وفقاً لبيانات عام 2016، والآن باتت الجائحة تهدد بخسارة هذه المكتسبات.

اقرأ أيضاً: كيف تعيد الجائحة تشكيل الهند بشكل يفوق الخيال؟

أشارت دراسة نشرتها المجلة الدولية لطب النساء والتوليد، إلى أن العلاج الطبي للنساء الحوامل بين أكتوبر 2019 وفبراير 2020، وبين أبريل وأغسطس 2020، قد تراجع بنسبة 45.1% في حالات الولادة في المشافي، مع زيادة بمعدل 7.2% في حالات الحمل عالي الخطورة، وزيادة بمعدل مرتَين ونصف المرة في القبول في وحدات العناية المركزة. كما أدى الخوف من التقاط العدوى إلى انخفاض زيارات النساء للمستشفيات بعد الولادة.

تحدثتُ إلى أكثر من خمسين دار رعاية في مختلف أنحاء البلاد، وكانت جميعها ترفض قبول النساء الحوامل المصابات بـ”كوفيد-19″. بعض هذه المراكز كان يخشى من التقاط العدوى، وبعضها لم يكن يمتلك الموارد اللازمة للعناية بالنزيلات المصابات بها، والنزيلات السليمات في الوقت نفسه، وبعضها الآخر لم يكن مجهزاً للعناية بالمرضى المعرضين إلى مخاطر عالية. ومعظم دور الرعاية لا تحتوي على غرف عناية مشددة، وليس لديها أطباء متخصصون.

اقرأ أيضًا: أزمة كورونا في الهند.. 4 أسباب ستخرج الاقتصاد العالمي عن مساره

خلال تجوالي في ولاية مهاراشترا -إحدى أكثر مناطق الهند تضرراً بالجائحة- توقفتُ في عشرات المراكز الصحية الريفية. وقد أفاد معظمها بأنه يعاني نقصاً في الأطباء والمتخصصين الموفدين من قِبل الحكومة؛ بما في ذلك الجراحون، وأطباء النساء، وأطباء الأطفال. ومعظم هذه المراكز يفتقد أيَّ شكلٍ من أشكال العناية ما قبل الولادة، على الرغم من وجود برنامج حكومي لتقديم هذه العناية مجاناً.

ويصيب الفيروس أيضاً النساء الحوامل من الطبقات العليا والمتوسطة في المدن الهندية الكبرى، واللاتي يمتلكن الموارد المالية اللازمة، وإمكانية الحصول على رعاية صحية أفضل من تلك المتوفرة لسكان القرى الفقيرة. وعندما ضربت الموجة الثانية من الجائحة مدينة دلهي في مطلع أبريل الماضي، أُصيب عدد من أفراد عائلة شاوهان في حي ساكيت في دلهي. أنشوما شاوهان التي كانت حاملاً في شهرها الثامن، عزلت نفسها في غرفة نومها؛ ولكنها في نهاية المطاف التقطت العدوى. قالت لي شقيقة زوجها: “في النهاية وجدها الفيروس”.

حتى أفراد الطبقات الميسورة يعانون نقص الأسرَّة في وحدات العناية المركزة في الهند- “نيويورك تايمز”

ومع تراجع نسبة الأكسجة لديها، وبعد عناءٍ كبير، تمكن أفراد عائلتها من العثور على سريرٍ شاغر في مستشفى صنرايز؛ حيث أخبرهم الأطباء أن علاج “كوفيد-19” الذي تحتاج إليه سيضر بالجنين، وأوصوا بجراحة قيصرية طارئة. وفي مساء 30 أبريل ولدت أنشوما طفلاً بصحة جيدة.

لم يتمكن أفراد عائلتها من زيارتها بسبب بروتوكولات الوقاية من “كوفيد-19″، وانهارت أنشولا عندما أخذ الأطباء وليدها إلى وحدة العناية المركزة الخاصة بالأطفال. ولكن بعد عدة ساعات، عندما تدهور وضعها الصحي، لم يكن لدى المستشفى جهاز تنفس اصطناعي. في صباح اليوم التالي، وبعد استغاثات وحملة على وسائل التواصل الاجتماعي، قامت بها ممثلة من نجوم بوليوود، تمكنت إدارة المستشفى من العثور على سرير في وحدة العناية المركزة في مستشفى آخر جنوبي دلهي، وقاموا بنقلها إليه على وجه السرعة؛ ولكن عندما وصلت إليه كانت أنشولا قد فارقت الحياة.

♦صحفية هندية؛ كتبتِ العديدَ من التقارير حول جائحة “كوفيد-19” في الهند.

المصدر: ذا نيويورك تايمز

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات