الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

لماذا يسعى مسلمو الهند إلى الليبرالية؟

مرت الأقلية المسلمة في الهند بأوقات عصيبة في السنوات الأخيرة على أيدي دعاة التفوق العرقي الهندوسي.. وعندما تُدفع الأقليات إلى مثل هذه الجدران فإنها قد تنسحب إلى عقلية الحصار التي تولد التطرف

كيوبوست – ترجمات

بات العالم الآن يعرف أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وحزبه المتعصب للهندوس بهاراتيا جاناتا، قد تسببا في تآكل المبادئ الليبرالية التي يقوم عليها الدستور الهندي، وتحويل البلاد بشكل مُطرد إلى ديمقراطية غير ليبرالية. ولا يخفى على أحد أن مودي يبني شعبيته استناداً إلى المظالم والتعصب الأعمى اللذين يثيران شعور الأغلبية بامتياز ضد الأقليات التي تعيش في خوف.

وكانت الطريقة التي استجاب بها الهدف الرئيس لهذا الهجوم الذي شنته الأغلبية، أمراً غير اعتيادي؛ لكنه يدعو إلى التفاؤل. نتحدث هنا عن الأقلية المسلمة في الهند، التي يصل عددها إلى ما يقرب من 172 مليون شخص يمثلون نحو 14.2% من إجمالي سكان الهند البالغ عددهم 1.32 مليار نسمة تقريباً، ويشكل الهندوس 79.8% منهم.

اقرأ أيضاً: تنامي التطرف الهندوسي

وقد مرَّت هذه الأقلية الدينية الكبيرة من المسلمين بأوقاتٍ عصيبة في السنوات الأخيرة على أيدي دعاة التفوق العرقي الهندوسي؛ فقد واجهوا عمليات إعدام خارج نطاق القانون، وأعمال شغب قاتلة، وحرماناً اجتماعياً وسياسياً. وعندما تُدفع الأقليات إلى مثل هذه الجدران، فإنها قد تنسحب إلى عقلية الحصار التي تولد التطرف؛ لكنَّ مسلمي الهند لم يأتوا بدعوات إلى الجهاد العنيف، ولا بهتافات للشريعة الإسلامية؛ بل إنهم تبنوا أسس الديمقراطية الليبرالية بدلاً من ذلك، وشددوا عليها من خلال وضع ثقتهم في دستور الهند والإصرار على حقوقهم الدستورية كمواطنين.

المسلمون الهنود يؤدون الصلاة خلال نهار رمضان في مدينة سريناغار- الهند- وكالات

وكان هذا المسلك المبشر بالأمل جلياً أثناء الاحتجاجات الحاشدة التي دامت ثلاثة أشهر؛ والتي بدأت في ديسمبر ضد قانون تعديل الجنسية، وهو قانون تمييزي صريح سنَّته الحكومة، ويقضي بتعجيل منح الجنسية للمهاجرين الهندوس والسيخ والبوذيين من البلدان المجاورة؛ لكن ليس المسلمين الذين حاول وزير الداخلية أميت شاه، تجريدهم من إنسانيتهم بوصفهم بـ”النمل الأبيض”.

واقترح شاه أيضاً وضع سجل وطني للمواطنين يتطلب أدلة مستندية عن مكان الميلاد والإقامة؛ وهو الأمر الذي يفتقر إليه العديد من الهنود، لا سيما الفقراء منهم. ويمكن لغير المسلمين الإفلات عبر الثغرة الموجودة في قانون تعديل الجنسية الجديد؛ لكن المسلمين سيجدون أنفسهم عديمي الجنسية وعرضة للإيداع في معسكرات الاحتجاز.

اقرأ أيضاً: كيف تعيد الجائحة تشكيل الهند بشكل يفوق الخيال؟

ورداً على ذلك، نظَّم حي شاهين باغ في نيودلهي، اعتصاماً لمدة 101 يوم ضد قانون الجنسية وسجل الجنسية المقترح، ولم تكن الاحتجاجات بقيادة رجال الدين المسلمين المحافظين؛ بل بقيادة النساء المسلمات. واحتل الآلاف خيماً للاحتجاج على مدار الساعة يومياً بالتناوب، ورفعوا لافتات تقول “إننا نقف من أجل السلام والوئام والأخوة”. كما رفعوا صوراً للزعماء الهندوس الذين قادوا حركة الاستقلال في الهند، وزينوا منصاتهم بديباجة الدستور العلماني.

وفي حملاتٍ أخرى خلال السنوات الأخيرة، لم تكن النساء المسلمات الهنديات يتحدين التفوق الهندوسي فحسب، بل أيضا النظام الأبوي داخل مجتمعهن. ومن خلال الطعون الناجحة أمام المحكمة العليا -التي تدعم مبادئ الهند الدستورية– حصلن على حظر قانوني عام 2017 بشأن “الطلاق الفوري”؛ وهو حكم شرعي متنازع عليه يمنح الرجال المسلمين الحق في التخلي عن زوجاتهم متى شاؤوا.

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لدى وصوله إلى مبنى البرلمان يوم افتتاح جلسة الميزانية.. نيودلهي يناير 2020- “أسوشييتد برس”

كما حصلت مجموعة أخرى من النساء المسلمات على قرار من المحكمة عام 2016 يقضي بإعمال حق النساء المكفول دستورياً في الدخول على قدم المساواة مع الرجال إلى ضريح صوفي في مومباي. وتشير كل هذه التحركات الليبرالية، وفقاً لشريك لاليوالا، المعلق الهندي المسلم، إلى “تحول جوهري في الاستراتيجية السياسية للمجتمع المسلم”. وأضاف أن “المسلمين الهنود يزاوجون بين الصياغات الدستورية عن الحرية والعدالة والمساواة وبين المفاهيم الدينية”.

ويقول عالم الأنثروبولوجي الهندي عرفان أحمد، المقيم في معهد ماكس بلانك في ألمانيا: إن ما يحدث هو تأكيد جديد وليس تحولاً؛ وهو ما كان يسعى المسلمون الهنود دوماً إلى تحقيقه بجانب التعددية.

ويضيف أحمد أن الاحتجاجات في شاهين باغ سلطت الضوء على الصدع بين حكم حزب الأغلبية الهندوسية بهاراتيا جاناتا، والمنحاز لها، ورؤية جديدة للديمقراطية من شأنها أن تدعم حقوق وكرامة جميع الهنود، بمَن فيهم المسلمون.

شاهد: فيديوغراف.. ثالوث غير مقدس يعمل على إضعاف الهند

ومع ذلك، فلا يزال هناك خطر من أن تؤدي القسوة التي ينتهجها حزب بهاراتيا جاناتا، إلى نتائج عكسية تدفع المسلمين إلى التطرف. ففي شهر سبتمبر، أُلقي القبض على عمر خالد، وهو زعيم طلابي يساري علماني مسلم، بتهمة محل جدال شديد؛ وهي إثارة الشغب بين الهندوس والمسلمين في شهر فبراير بمدينة دلهي، حيث كان أغلب الضحايا من المسلمين. وكل هذا يعني أن الهند تسير على مسار خاطئ للغاية. فالبلد الذي لا يتعامل مع أقلياته باعتبارهم بشراً متساوين لن يكون أضخم ديمقراطية في العالم؛ بل سيكون بمثابة طغيان للأغلبية.

متظاهرون يتجمعون عند المسجد الجامع خلال مظاهرة في نيودلهي.. حيث اندلعت اشتباكات دامية بين الشرطة الهندية والمتظاهرين بسبب قانون الجنسية الجديد.. ديسمبر 2019- “فرانس برس”

وقد تكون النتائج هي الصراع الاجتماعي والراديكالية وتراجع التقدم الاقتصادي، وتخريب صورة الهند في الخارج؛ حيث تتعرض البلاد بالفعل إلى انتقاداتٍ من قِبل منظمات حقوق الإنسان، بسبب انتهاكها حقوق الإنسان في كشمير، ومؤخراً لإجبارها مكتب منظمة العفو الدولية في الهند على الإغلاق.

اقرأ أيضاً: بلقيس دادي.. متآمرة في نظر الدولة وملهمة للمرأة الهندية

ويمكن لقصة الهند أن تحمل دروساً للمسلمين في أماكن أخرى. فعبر الحدود، نجحت باكستان منذ فترة طويلة في تأسيس ما يسعى إليه حزب بهاراتيا جاناتا الهند، وهو دولة عرقية دينية تهيمن عليها الأغلبية. وفي حالة باكستان، يعني ذلك هيمنة المسلمين السُّنة على حساب الأقليات؛ مثل المسلمين الشيعة أو الأحمدية أو المسيحيين.

ففي الشرق الأقصى، في ماليزيا، كان تفوق مسلمي الملايو أيديولوجيةً رسمية منذ تأسيس الدولة متعددة الأديان عام 1957. وفي تركيا، سنجد أن الشعبوية الإسلامية المتشبعة للرئيس رجب طيب أردوغان، مع غضبها النهم ضد “الخونة” و”معادي القومية”، لها أوجه تشابه قوية مع شعبوية السيد مودي. وفي لغة الحركات الإسلامية في كل مكان، فإن “الليبرالية” و”الدولة العلمانية” ليستا سوى كلمتَين قذرتَين، إن لم تَكونا هرطقة.

اقرأ أيضاً: مصادر رسمية تكشف عن التمويل التركي للمنظمات المتطرفة في الهند عبر قطر

وهناك حاجة إلى نظرة إسلامية أكثر استناداً إلى المبادئ السياسية، ولهذا يتعين على قادة الرأي المسلمين أن يراقبوا تجربة إخوانهم في الهند. وهذه الأخيرة، هي أكبر أقلية دينية في العالم، ولديها قصة مهمة تحمل درساً مفاده يجب الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات في كل أمة وفي كل حضارة. ومن دونهما، الحقوق والحريات، سوف تحكم القوة فقط. وبدلاً من المراهنة على القوة، التي قد تربح أو تخسر، عليهم أن يحاولوا تقييدها في كل مكان؛ حتى لا تكون هناك مجموعة واحدة مضطهدة والجميع أحرار.

الكاتبان:

  • مصطفى أكيول؛ زميل معهد كاتو في مجال الإسلام والحداثة، ومؤلف الكتاب الذي سيصدر قريباً بعنوان “إعادة انفتاح العقول الإسلامية: عودة إلى المنطق والحرية والتسامح”.
  • سواميناثان س. أنكليساريا إيار؛ زميل باحث في معهد كاتو، وكاتب عمود في صحيفة “تايمز أوف إنديا”، ومعلِّق في التليفزيون الهندي.

المصدر: نيويورك تايمز

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة