الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

لماذا يرفض “حزب الله” الاستعانة بصندوق النقد الدولي لحل أزمة لبنان؟!

كيوبوست

علَّقت الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب، دفع مستحقات “اليوروبوندز” المستحقة على لبنان بقيمة 1.2 مليار دولار يوم 9 مارس الجاري، من دون أن تقدم الحكومة أية رؤية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية حتى الآن.

وحسب وكالة “فيتش”، يمتلك مصرف لبنان 11 مليار دولار فقط قابلة للاستخدام؛ وهو مبلغ أقل مما يتوجب سداده خلال العام الحالي من التزامات تصل إلى 18.5 مليار دولار[1].

اقرأ أيضًا: هل تستطيع حكومة “حزب الله” إنقاذ الاقتصاد اللبناني من الانهيار؟

أسباب رفض “حزب الله” الاستعانة بصندوق النقد

استمرار المساومة السياسية: على الرغم من خطورة الوضع الاقتصادي في لبنان منذ شهور؛ خصوصًا مع دخول البلاد حالة من الركود الاقتصادي بعد نزول اللبنانيين إلى الشارع للمطالبة بإسقاط النظام الطائفي الذي يستغله الحزب لفرض سيطرته على مفاصل الدولة اللبنانية؛ فإن “حزب الله” يرفض حتى الآن تقديم أي تنازلات استجابة لمطالب المحتجين، بل عمد الحزب، مع شريكه في الحكم “حركة أمل”، إلى استغلال الأزمة لصالحه؛ لإحكام سيطرته على الحكومة والانفراد بالحكم بمساعدة التيار الوطني الحر.

حسان دياب في قصر بعبدا – رويترز

ودفع “حزب الله” برئيس الحكومة الحالي حسان دياب، ليشكِّل حكومة من لون واحد، بينما يحاول الحزب تحميل معارضيه مسؤولية سوء الأوضاع الاقتصادية، وفي الوقت نفسه يسعى لتهدئة أنصاره وتجنيبهم الآثار السلبية للأوضاع الاقتصادية؛ وهو ما ارتبط بشكل واضح بتعمُّد سداد الحزب معاشات مقاتليه وعائلاتهم بالدولار، ليستبدلوا بها في الصرفات أسعارًا تفوق سعر الصرف الرسمي لدى مصرف لبنان؛ حيث يتحمل الحزب جزءًا رئيسيًّا من أزمة العملة الموجودة راهنًا، خصوصًا مع استمرار الخلاف بين الحزب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

اقرأ أيضًا: تداعيات سيطرة “حزب الله” على الحكومة اللبنانية

المراجعات المالية: تؤكد التقارير الاقتصادية أن لبنان تعرَّض إلى سرقات واختلاسات واسعة؛ سواء في ما يتعلق بأموال نُهبت وخرجت إلى الخارج، أو في ما يتعلق بمشروعات جرى الإعلان عنها من دون تنفيذها أو كلفت مبالغ مالية على الورق أكبر بكثير مما تستوجب نظيراتها[2].

يدَّعي “حزب الله” دائمًا التصدي للفساد ومواجهته؛ لكن شراكته في الحكم خلال السنوات الماضية ووجوده في الحكومة وموافقة وزرائه على تمرير موازنات معيبة في عدد من المشروعات ستكون لها نتائج عكسية على شعبية الحزب في الشارع إذ أُعلنت تفاصيلها؛ خصوصًا أن أية خطة اقتصادية سيقوم صندوق النقد بدعمها ستلزم الدولة اللبنانية بإعلان عدة أمور وتوفير بيانات وأرقام دقيقة قد لا يتحملها الحزب[3].

مطار بيروت أحد المواقع التي يسيطر عليها حزب الله – رويترز

ضبط الجمارك والحدود: يفرض “حزب الله” سيطرته بشكل واسع على مطار بيروت، وكذلك على جزء رئيسي من الحدود السورية- اللبنانية، وهي سيطرة تؤمِّن للحزب موارد مالية كبيرة لا يمكن الاستغناء عنها في الوقت الحالي أو حتى الحد منها؛ بسبب تراجع الدعم الوارد من إيران للحزب، وبالتالي يسعى الحزب لزيادة موارده الذاتية وليس تحجيمها.

ويشترط صندوق النقد التأكُّد من ضبط المنافذ لتطبيق القيود الجمركية بشكل صارم على السلع والأجهزة المستوردة؛ وهو ما لا يستطع الحزب تطبيقه، خصوصًا في ظل تهريب السلع الإيرانية وإدخالها معفاة من الجمارك؛ بما يحد من فرص التنافس اقتصاديًّا مع السلع الواردة من دول أخرى، حيث يتوافر المنتج الإيراني بسعر أقل، علمًا بأنه لا توجد إحصائيات رسمية عن نتاج عمليات التهريب التي يقوم بها الحزب؛ سواء عبر المطار أو المنافذ البرية، والتي تدخل أرباحها إلى الحزب وأفراده مباشرةً.

تتراجع العملة اللبنانية بشدة نتيجة الأوضاع الحالية – رويترز

انتزاع دور الحزب للدولة: جزء من الشعبية التي يتمتع بها الحزب في لبنان قائم على المساعدات الإنسانية التي يقدمها إلى الفقراء والأُسر الأكثر احتياجًا؛ وهي الفئات التي يحاول الحزب دائمًا استهدافها ببرامجه، لينخرط أبناؤها في نشاطاته؛ لكن مع وجود برنامج من الدولة يوفر برامج حماية اجتماعية للأُسر الأكثر فقرًا تقوم الحكومة بتنفيذه ضمن إجراءات إصلاح اقتصادي محددة وواضحة على غرار ما حدث في مصر على سبيل المثال، سيؤدي هذا الأمر إلى انتزاع دور رئيسي يقوم به الحزب لصالح الدولة ممثلة في الحكومة وأجهزتها.

يهدِّد تحرك الدولة اللبنانية تجاه توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة للأُسر الفقيرة والأقل دخلًا والتي تضررت من الأوضاع الاقتصادية، سياسات الحزب التي تعتمد على هذا الأمر باعتباره المسؤولية الرئيسية للحزب وأحد الأدوار التي يستمد منها شرعتيه في الداخل اللبناني؛ ليفرض شروطه على القوى السياسية الأخرى.

اقرأ أيضًا: لبنان يدخل أزمة صرف خانقة مع اختفاء الدولار

الخلاصة

المؤكد أن لجوء لبنان إلى صندوق النقد للاستدانة ليس الحل الوحيد من وجهة نظر خبراء الاقتصاد؛ لكنه الخيار الأكثر واقعية على الأقل في الوقت الحالي بعدما تعثَّرت الدولة عن سداد التزاماتها ولجأت إلى خيار التفاوض على تأجيل السداد حتى إشعار آخر في اللحظة الأخيرة. على الرغم من أن الأمور واضحة قبل موعد الاستحقاق بأسابيع؛ فإنه تبقى فرص المماطلة في معالجة الأوضاع الاقتصادية وخضوع الأمر للمساومة السياسية والضغوط التي يمارسها “حزب الله” على جميع الأطراف لقبول شروطه كافة من دون نقاش، أخطر ما يهدد الدولة منذ انتهاء الحرب الأهلية.

اقرأ أيضًا: “حزب الله” يسعى لبناء خلايا نائمة جديدة في الخارج

فرض “حزب الله” رفضه للاقتراض من صندوق النقد والالتزام بالسياسات التي يطبقها الصندوق مع الدول المتعثرة لم يتضمن في المقابل أي بديل منطقي يمكن التعامل معه؛ خصوصًا في ظل توقف حصول لبنان على هبات، سواء من الخليج أو حتى قروض من دول مانحة بتسهيلات، والسبب الرئيسي بات يرجع إلى عدم ثقة المجتمع الدولي في أن الأموال الممنوحة ستذهب إلى الجهات التي تستحقها بالفعل في البلد الذي يقع في المرتبة الثامنة والعشرين على مؤشرات الفساد عالميًّا.

المراجع

[1] https://www.fitchratings.com/site/pr/10113679

[2] https://carnegie-mec.org/2020/01/27/ar-pub-80897

[3] https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/heres-how-the-u.s.-can-pressure-lebanons-new-government-to-tackle-corruptio

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة