الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

لماذا يخطئ رجال دافوس الفهم؟

بدلاً من إلقاء القادة العالميين الخطب العصماء.. يجب على المنتدى الاقتصادي العالمي أن يحصرها بالجمهور

كيوبوست- ترجمات

سايمون كوبر♦

لا نعرف حتى الآن ما الذي سيحدث في عام 2021، فقد أُلغي المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. عادة ما يجتمع القادة السياسيون والاقتصاديون في مثل هذا الوقت من العام في منتجع التزلج السويسري؛ للكشف عن المستقبل، وفي هذا العام لن نعرف ما الذي سيحدث إلى أن يجتمعوا في سنغافورة في مايو المقبل.

في الحقيقة، إن معظم توقعات دافوس لا قيمة لها؛ فليس هنالك من كرات بلورية خاصة بكبار الشخصيات. وأنا لا أقصد هنا السخرية من دافوس، فذلك أمر في غاية السهولة؛ بل سوف أتجاوز حتى مزحة وصول رجال أثرياء على متن طائراتهم الخاصة لمناقشة تغير المناخ، والتمييز على أساس الجنس، وعدم المساواة. إن هدفي الوحيد هو كيف يمكن تحسين مخرجات دافوس.

اقرأ أيضاً: لماذا يجب انتخاب دونالد ترامب وليس جو بايدن؟

في البداية، دعونا نستعرض توقعاته السابقة، في يناير 2008، عندما نشأت أزمة الرهون العقارية، كان مؤتمر دافوس ينبض بالثقة، كما عبر عنها فريد بيرغستين، من مؤسسة بيترسون للاقتصاد الدولي، عندما قال: “إنه من غير المعقول، أكرر، من غير المعقول أن يقع ركود عالمي”. وكي نكون منصفين، فقد جاء في تقرير المخاطر العالمية، الذي يقع في 54 صفحة، والصادر عن المنتدى، فقرتان عن الرهون العقارية عالية المخاطر. وفي يناير عام 2016، كان الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي متوقعاً في ذلك العام، وكان دونالد ترامب، أبرز المرشحين الجمهوريين المطروحين للنقاش، على وشك أن يفوز بالانتخابات التمهيدية في نيوهامبشاير، ومع ذلك لم يأت تقرير المخاطر العالمية على ذكر أي من هذين الخطرَين. وبينما استبعد كل من كان في دافوس وصول ترامب إلى الرئاسة، أدرك الاقتصادي كين روجوف فجأة أن ذلك يمكن أن يحدث. فقد صرَّح لـ”بلومبيرغ”: “لا يهم كم يكون الأمر بعيد الاحتمال؛ فالشيء المتوقع حدوثه هو دائماً عكس ما يجمع عليه دافوس”.

الاقتصادي كين روجوف: الأمر المتوقع حدوثه هو دائماً عكس ما تتوقعه دافوس- “فاينانشال تايمز”

بالطبع أنا لا أتوقع من دافوس أن يكشف عن المستقبل؛ فتقريباً جميع التوقعات بعيدة المدى -بما فيها توقعاتي، عندما كنت غبياً بما فيه الكفاية لأعطي توقعات كهذه- كانت خاطئة، وتأرجحت بين انعدام الرؤية وعبادة السلطة. والذي حدث بعد ذلك أن دافوس كان يرحب بترامب كلما ألقى أكاذيبه. ففي افتتاح مؤتمر العام الماضي في الحادي والعشرين من يناير، شكر مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب، هذا الرئيس الذي تم عزله على “ضخ روح التفاؤل” في الخطاب العالمي؛ حيث قال مبتهجاً “نحن بحاجة إلى الأحلام”.

وفي الثاني والعشرين من يناير، كانت قناة “سي إن إن” تبث تغطية حية عن جائحة كورونا، وعن الإغلاق العام في الصين، وضرورة ارتداء الكمامات، ووصول الفيروس إلى الولايات المتحدة. لم يرد ذكر أي من هذه الأمور في خطاب ترامب أو أي متحدث آخر في دافوس؛ إلا أن جلسة العمل التي حملت عنوان “الوباء التالي” من أجل البحث في آفاق التهديدات البيولوجية، قد تناولت بإيجاز شديد الوباء الفعلي التالي؛ حيث أشار ريتشارد هاتشيت، أحد أعضاء فريق التحالف من أجل ابتكارات الاستعداد للأوبئة، إلى فيروس كورونا، قائلاً: “من المحتمل أن يسبب العشرات وربما مئات الآلاف من الوفيات، أو حتى الملايين”؛ إلا أن كلامه لم يلق أي اهتمام. ولاحقاً أضاف هاتشيت بعض العبارات الملطفة حول التفشي في مدينة ووهان الصينية، فقال: “أنتم على وشك رؤية ردود أفعال اجتماعية، ربما ستكون غير متناسبة مع التهديد الحالي.. لا يمكن توقع ما سيكون عليه الوباء القادم، وبطبيعة الحال لا يمكن توقع متى سيحدث”؛ ولكن الوباء كان يحدث بالفعل.

اقرأ أيضاً: كرة كريستالية أفضل.. الطريقة الصحيحة للتفكير في المستقبل

أنا لا أتوقع من دافوس أن يكشف عن المستقبل؛ فتقريباً جميع التوقعات بعيدة المدى -بما فيها توقعاتي، عندما كنت غبياً بما فيه الكفاية لأعطي توقعات كهذه- كانت خاطئة. ولكن فيليب تيتلوك، عالم النفس الذي يدرس استشراف المستقبل، أخبر دافوس عام 2017 أن المستشرفين البارعين يمكنهم إلقاء الضوء على المستقبل القريب، وعلى وجه التحديد “الفترة ما بين ثلاثة وثمانية عشر شهراً”. وما يحسب للمنتدى الاقتصادي العالمي هو أنه استدعى تيتلوك كي يشرح لماذا يخطئ رجال دافوس الفهم دائماً. قدم تيتلوك إلى المنتدى تطمينات باهتة، فقال: “الفكرة القائلة إن رجل دافوس دائماً يكون على خطأ غير صحيحة”. من السهل أن تصيب على سبيل الصدفة؛ ولكن السؤال المهم هو: هل رجال دافوس أكثر دقة من الشمبانزي الذي يرمي السهام فيصيب أحدها الهدف؟

المستشرف فيليب تيتلوك- أرشيف

إن قادة العالم هم متنبئون سيئون، وربما يرجع ذلك إلى التفكير الجماعي أو إلى رأي تيتلوك القائل إن الأشخاص المشهورين والواثقين من أنفسهم هم متنبئون سيئون؛ فهم يتحدثون بآرائهم الخاصة، وهم بعيدون عن العمل الجاد الدؤوب.     

اقرأ أيضاً: التعلم من إخفاقات الاستخبارات

في مؤتمر عام 2016، كان من الممكن لمجموعة عمل مكونة من سائقي رجال دافوس أن يقوموا بعمل أفضل في توقع تصرفات ترامب. ربما تكون الغاية من مؤتمر دافوس هي إنشاء شبكات العلاقات؛ ولكن لماذا يتكبدون عناء إعطاء معلومات خاطئة؟ كان من الأفضل للقمة أن تضع القادة في مقاعد الجمهور، وتتيح المجال للإخصائيين الاجتماعيين، وعلماء الفيروسات والمراسلين؛ كي يقوموا بسرد التوجهات الحديثة.

يجب على دافوس أن يستدعي أرييه كوفلر؛ استشاري التواصل للمؤسسات المقيم في القدس، والذي كتب في تغريدة له على “تويتر”، في الحادي والعشرين من ديسمبر، بعد أن قام بدراسة المنتديات المؤيدة لترامب على الإنترنت: “في السادس من يناير سوف تتجمع الميليشيات الترامبية المسلحة في العاصمة واشنطن، بناء على أوامر ترامب. ومن المحتمل جداً أنهم سيحاولون اقتحام مبنى الكابيتول بعد أن يؤكد فوز بايدن”.

أرييه كوفلر الرجل الذي توقع اقتحام مبنى الكابيتول هيل في السادس من يناير- “جيويش إنسايدر”

وللحصول على استشرافات للمستقبل البعيد، يجب على القادة التوجه نحو الأشخاص الإبداعيين. بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أجرى البنتاغون جلسات عصف ذهني مع ممثلين من هوليوود؛ للبحث في هجمات مستقبلية محتملة. وتوقع مسلسل “ذا سيمبسونز” في عام 2000 أن تسبب رئاسة ترامب أزمة في الميزانية.

وفي عام 1995 تحدث الفلكي والكاتب والشاعر كارل ساغان، عن نذير شؤم لأمريكا في المستقبل: “عندما تنتقل كل الصناعات تقريباً من بلدنا إلى الخارج، وعندما تصبح القوة التكنولوجية الهائلة في أيدي قلة قليلة، ولا أحد ممن يمثلون المصلحة العامة له أي تأثير في الأمر”. لقد استشرف العلم الزائف والخرافات، وتوقع بشكل خاص الاحتفال بالجهل، بينما انزلقتِ الولايات المتحدة دون أن تلاحظ نحو الخرافات والظلام.

في مرحلة ما بعد الجائحة، علينا أن نعيد هندسة عالمنا، وسيكون ذلك عملاً صعباً بشكل عام؛ ولكن بعض خطواته ستكون سهلة إلى درجة لا تصدق، مثل التخلي عن منتدى دافوس.

♦كاتب بريطاني ولد في أوغندا لأبوين من جنوب إفريقيا.

المصدر: فاينانشال تايمز

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة