الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
لماذا يجد الرئيس الجزائري الجديد صعوبة في تشكيل الحكومة؟

كيوبوست
طرح اعتراف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بصعوبة تشكيل الحكومة، عديدًا من التساؤلات حول الأسباب التي تقف وراء انشغال الرئيس الجديد الذي أكد، في ندوته الصحفية عقب إعلان فوزه، أن “تعيين الحكومة هو أصعب مهمة، وأتمنى التوفيق من الله عز وجل”.
رغم أنه وعد بعدة مفاجآت في حال تشكيل الحكومة، بالقول إنه “سترون شبابًا وفتيات في العشرينات من العمر وزراءً”؛ فإن الرئيس الفائز برئاسة الجزائر عبد المجيد تبون، عاد إلى الوراء وصرَّح بأن تشكيل الحكومة يعتبر أصعب مهمة تصادفه في بداية عمله؛ ليكشف عن حجم “الأضرار النفسية والمادية” التي خلَّفها نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة.
اقرأ أيضًا: فتح ملف “إرهاب التسعينيات” في الجزائر.. مَن المستفيد؟
وأحدثت تصريحات تبون بشأن صعوبة تشكيل الحكومة استنفارًا في أوساط الطبقة السياسية والحراك على حد سواء، بحثًا عن سُبل الوصول إلى خطف مكان ضمن الطاقم الوزاري المقبل. وبينما تبدو الرؤية غير واضحة في ما يتعلق بالجهات السياسية التي من المرتقب أن يشركها الرئيس الجديد في الحكومة بعد مقاطعة أغلب الأحزاب الانتخابات، ودعم أخرى لمنافسي مرشح الرئيس السابق، وتأييد تشكيلات وشخصيات للرئيس عبد المجيد تبون إثر ترشحه، يبقى الحراك أهم عقبة تزيد من متاعب تشكيل الحكومة مع استمرار الخروج في مسيرات “الثلاثاء” و”الجمعة”، ورفض الحوار مع السلطة.
في خضم البحث عن صيغة لتشكيل حكومة جديدة، علم “كيوبوست” من مصادر داخل مديرية حملة الرئيس تبون، أن هناك تسابقًا خفيًّا؛ من أجل المشاركة في الطاقم الوزاري المرتقب، حيث يتواصل أحد أبرز شباب الحراك ويُدعى سيف الإسلام بن عطية، منذ مدة، مع محيط الرئيس الجديد، وأنه يجري الاتفاق على منحه منصبًا حكوميًّا مقابل الترويج لخطاب الرئيس الجديد بخصوص ضرورة انخراط الحراك في الحوار من خلال تعيين ممثلين عنه. كما ذكر المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، عن أن شخصيات سياسية وحزبية عرضت خدماتها على محيط الرئيس تبون، بعيدًا عن الأعين.
اقرأ أيضًا: انتخاب تبون رئيسًا للجزائر.. تدعيم المشهد السياسي داخليًّا بالشباب واستعادة الهيبة الدبلوماسية خارجيًّا

ويعتبر المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران غرب الجزائر، رابح لونيسي، خلال حديثه إلى “كيوبوست”، أن المشكلة في الجزائر ليست مسألة أشخاص بقدر ما هي قضية آليات عمل النظام؛ فمن المحتمل أن تكون نيَّات الرئيس تبون أو غيره ممن هم في السلطة، حسنة؛ لكن هم مضطرون للخضوع إلى آليات عمل فاسدة ومهترئة، تفرز الرداءة والظلم وغيرهما، قائلًا: “كلنا نتذكر كيف جاء بوتفليقة إلى السلطة في 1999، وهو كله حماس لإحداث تغييرات جوهرية، لدرجة تعهده بأن تصبح الحريات وحقوق الإنسان في الجزائر أحسن من الغرب، كما فتح ورشات في مجالات القضاء والتعليم والإدارة وغيرها، لكن لم تجد أية واحدة من توصيات هذه اللجان طريقها إلى التطبيق”.
ويرى لونيسي بشأن الحكومة، أنه “لا نشك في نيَّات تبون، لكن من الممكن جدًّا أن يجد أمامه عراقيل كبيرة ناتجة عن آليات نظام لا تقبل ما يطرحه”، موضحًا أنه من الممكن جدًّا أن يأتي بأشخاص نزهاء وأكفاء وشباب؛ لكن هل بقدرة هؤلاء تنفيذ السياسات التي هم مقتنعون بها أم سيخضعون لآليات عمل النظام الفاسدة والمنتجة للفساد والخادمة لمصالح جماعات لوبيات ترفض أي تغيير جوهري؟!”.
في السياق ذاته، أكد محمد لعقاب، المدير الإعلامي للحملة الانتخابية للمرشح الفائز، أن الحكومة التي سيشكلها تبون بعد تولّيه منصب رئيس الجمهورية بشكل رسمي، ستكون “حكومة كفاءات”، قائلًا: “إن الرئيس الجديد سيتبع ما سمَّاه استراتيجية بلماضي (مدرب المنتخب الجزائري لكرة القادم المتوج باللقب الإفريقي) في اختياره اللاعبين”، مشددًا على أن “الحكومة القادمة ستكون حكومة كفاءات بلا نقاش”، مضيفًا: “الكفاءات التي بإمكانها تقديم إضافة إلى البلد مرحَّب بها، سواء أكانت من داخل الوطن أم من جاليتنا بالخارج”؛ لأن “كل مَن له جواز سفر أخضر فهو جزائري”.
في المقابل، يستبعد الإعلامي المهتم بالشأن السياسي علي شمام، خلال حديثه إلى “كيوبوست”، أن تكون الصعوبة التي تحدث عنها تبون لها علاقة بمحاكمات رموز الفساد، من بكاء سلال إلى توسُّل أويحيى وباقي الوزراء؛ بل الصعوبة تكمن في الوضع المعقد الذي خلفته منظومة حكم بوتفليقة، ما يتطلب كفاءات عالية، مشيرًا إلى أن تبون كان صريحًا حين أكد أن الحكومة المرتقبة ستكون بالتشاور مع ما تبقَّى من مؤسسات الدولة، وهذا حسب ظني ما كان يقصده تبون، بكون تشكيل الحكومة سيكون مهمة صعبة؛ لأنه لن يكون حرًّا في اختيار أعضائها.
اقرأ أيضًا: الجزائر.. ما مصير الحراك الشعبي بعد انتخاب خليفة بوتفليقة؟
وحسب شمام، فإن وعد تبون بتشكيل حكومة بعض أعضائها تتراوح سنهم بين 26 و27، صعب التحقق بالنظر إلى مستوى الطبقة السياسية في الجزائر التي ما زالت بشيوخها في مرحلة المراهقة، فما بالك بشبابها!
وخلص الإعلامي المهتم بالشأن السياسي إلى أن رئيس الجمهورية يعي جيدًا أن المرحلة الحالية تحتاج إلى أيادٍ نظيفة وكفاءات عالية؛ من أجل استعادة الثقة بين المواطن والدولة، والتي تعمقت هوتها بعد توالي الفضائح واكتشاف حجم الجرم الذي ارتكبته العصابة في حق الوطن والشعب.
في 24 مايو 2017، عيَّن عبد العزيز بوتفليقة الرئيس السابق، وزيره للسكن عبد المجيد تبون، رئيسًا للوزراء، ولم يتم تغيير الطاقم الحكومي السابق الذي كان يشرف عليه عبد المالك سلال، بشكل كلي، وحافظ عدد من الوزراء على مناصبهم، واستنجد تبون ببعض الشخصيات، مثل عبد الرحمن راوية كوزير المالية، ومصطفى قيطوني كوزير الطاقة، والطاهر حجار كوزير التعليم العالي والبحث العلمي، ومحمد مباركي كوزير التكوين والتعليم المهنيين.. وغيرهم.
ويعتبر البرلماني السابق يوسف خبابة، خلال حديث إلى “كيوبوست”، أن تصريح الرئيس تبون بخصوص صعوبة مهمة تشكيل الحكومة، عادي بالنظر إلى الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، مضيفًا أن الظروف المعقدة كانت لصالحه؛ لتجنب الفراغ الدستوري المؤسساتي، فكثير من الناس شاركوا في الانتخابات لهذا الغرض.
وقال خبابة: “إن الانتخابات جرت وسط دعوات واسعة للمقاطعة، وفي ظل عدم إجرائها بالقوة في مناطق عديدة؛ خصوصًا في محافظتَي بجاية وتيزي وزو، وعليه فالرئيس المنتخب يظل يعاني أزمة ثقة لدى شرائح واسعة من الشعب ينبغي السماع إليها وتلبية مطالبها، بالإضافة إلى المشكلات الاقتصادية المتعددة والظروف الإقليمية والدولية”.