الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
لماذا يتسابق الجزائريون على بلوغ أوروبا بطريقة غير شرعية؟
هاجس يشغل بال العائلات الجزائرية التي تسهم في رحلة أفرادها من الشباب مهما كلفهم ذلك من ثمن

الجزائر -علي ياحي
يطرح ارتفاع رحلات الهجرة غير الشرعية من سواحل الجزائر نحو إسبانيا عدة استفهامات. وعلى الرغم من الأخبار التي تتحدث عن إحباط محاولات هجرة سرية؛ فإن فيديوهات وصول أعداد من الأشخاص، بينهم أطفال ونساء، وكذا بيانات الجهات الأوروبية حول استقبال كبير للمهاجرين غير الشرعيين، تكشف عن عدم اهتمام جزائري بالظاهرة على الأقل في الفترة الأخيرة.
اقرأ أيضاً: شباب الجزائر يغامر بحياته في المتوسط بحثًا عن حياة أفضل
وجاء تقرير حديث لوكالة مراقبة الحدود الأوروبية “فرونتكس”، ليكشف عن حقيقة الوضع الاجتماعي الذي باتت تعانيه الجزائر، بعد إشارته إلى أن 67 في المئة من المهاجرين غير الشرعيين القادمين إلى إسبانيا عبر البحر المتوسط، كانوا من الجزائر، وذلك خلال الفترة الممتدة من بداية 2021 حتى نهاية يوليو الماضي، وأوضح أنه خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة الجارية وصل 7040 مهاجراً غير شرعي إلى السواحل الإسبانية عبر 1380 عملية إبحار؛ ما يجعل الجزائريين يشكلون ثُلثَي القادمين بـ4717 مهاجراً غير شرعي؛ وهي الأرقام التي دفعت أصحاب التقرير لاعتبار “الظروف الاقتصادية الصعبة التي رافقت انتشار جائحة كورونا”، أهم أسباب تصاعد منحى الهجرة الجزائرية إلى إسبانيا بطريقة غير قانونية.

أما بخصوص إيطاليا، فإن بيانات وزارة الداخلية الإيطالية كشفت عن وصول أكثر من 500 مهاجر غير شرعي جزائري، حتى نهاية يونيو الماضي.
وأصبح استمرار الظاهرة بشكلٍ لافت يشكل هاجساً يشغل بال العائلات الجزائرية التي تسهم في رحلة أفرادها الشباب منهم خصوصاً، عبر تقديم مساعدات مادية، في ظلِّ البطالة المتفشية والتي تسببت في انتعاش الجريمة وتعاطي المخدرات وغيرهما من الآفات، وما يزيد من المخاوف هو انتشار فيديوهات وأخبار انقلاب القوارب في عرض البحر المتوسط، ونفاد الوقود بالنسبة إلى أخرى؛ حيث تتسبب هذه الحوادث في تسجيل غرق مهاجرين وفقدان آخرين.
اقرأ أيضاً: هل وصلت العلاقات الجزائرية- المغربية إلى نقطة اللا عودة؟
وفي السياق ذاته، ونحن بصدد تحرير التقرير، أعلن حرس السواحل، فجر الجمعة 03 سبتمبر، عن إنقاذهم 17 مهاجراً غير شرعي على مستوى منطقة عين طاية، بالضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، كانوا على متن قوارب صغيرة انقلبت بهم خلال محاولتهم مغادرة السواحل الجزائرية بطريقة غير شرعية إلى أوروبا، وأبرزوا أنهم استنجدوا بفرقة غواصين تابعة لهيئة الدفاع المدني؛ من أجل إتمام مهمتهم على أكمل وجه.
وأعلنت قيادة حرس السواحل أن وحدات المراقبة تمكنت من إحباط محاولات هجرة غير شرعية من السواحل الجزائرية لـ473 شخصاً كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع، وذلك في الفترة الممتدة بين 12 و17 أغسطس الماضي.

وضع كارثي

المحللة المختصة في الأنثروبولوجيا، فاطمة بوعشة، تؤكد في تصريحٍ أدلت به إلى “كيوبوست”، أن الوضع الكارثي الذي يعيشه الشباب يدفعهم للبحث عن حياة أفضل في الضفة الأخرى، مشيرةً إلى أن وعود الرئيس تبون بجزائر جديدة باتت مجرد شعارات وكلام لم يحقق شيئاً، وقالت: نعيش أسوأ الظروف مع تبون؛ إذ زادت الأوضاع سوءاً بمجيئه؛ “ما جعل الشباب يفقد الثقة في النظام الجديدة مرة أخرى”، موضحةً أن هذا الوضع دفع الشباب إلى اعتماد كل الطرق من أجل مغادرة البلاد دون التفكير في العواقب، وهو ما جعله فريسة سهلة لشبكات الاتجار بالبشر التي تنشط على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضافت بوعشة، رداً على سؤال حول توسع الظاهرة لتشمل عائلات بأكملها، أن العيش بات مستحيلاً، وأصبح الجزائري يشعر بأنه يتحرك وسط حقل من المؤامرات، مشددةً على أن توفير مناصب شغل للعاطلين، والالتفات إلى الطبقات الهشة من شأنه كبح الظاهرة وتخفيض منسوبها، أما استمرار الشعارات الرنانة والمخدرة فسيؤزم الوضع “وقد نصل في السنوات القادمة إلى فقدان المعايير، وإلى توجه الشباب نحو الانتحار”.
اقرأ أيضاً: الحرائق تأكل الجزائر.. وأصابع الاتهام موجهة إلى منظمتين إرهابيتين
تحاول الحكومة أن تجد حلاً لهذه الظاهرة، إذ قررت في 2009 عقوبات بشأن الجرائم المرتكبة ضد القوانين واللوائح المتعلقة بمغادرة التراب الوطني؛ حيث تنص المادة 175 مكرر 01 من قانون العقوبات، على أنه يواجه كل مَن يعترضه خفر السواحل حكماً بالسجن من شهرين إلى ستة أشهر، وغرامة تتراوح بين 1500 و3500 دولار، أو إحدى هاتين العقوبتين فقط.

ومن أجل تعبئة أكبر، لجأت السلطات إلى استعمال الدين؛ حيث أصدر المجلس الإسلامي الأعلى فتوى تحرِّم الهجرة غير الشرعية، وقد أيدت وزارة الشؤون الدينية الفتوى، وقالت: “إن المجلس الإسلامي الأعلى، وهو أعلى سلطة إفتاء في الجزائر، قد أفتى بتحريم هذه الظاهرة”.
إلى ذلك، تعتبر الإعلامية المهتمة بالشأن السياسي، آمال كاري، في تصريحٍ أدلت به إلى “كيوبوست”، أن تصاعد منحى الهجرة غير الشرعية يتعلق بالوضع الداخلي للبلاد، الاقتصادي والسياسي، فبعد هدوء فرضه الحراك الشعبي، عادت الظاهرة بقوة إثر فقدان الأمل في التغيير نحو الأفضل، مضيفةً أن اعتماد نظام الحصة في منح التأشيرات من طرف دول الاتحاد الأوروبي، بات يدفع إلى الهجرة غير القانونية عبر البحر المتوسط باستعمال القوارب.
اقرأ أيضاً: استخدام الإخوان للدين في السياسة يغضب الجزائريين.. وتبون يشدد “لا عودة لإسلاموية التسعينيات”
وتسعى مدريد والجزائر إلى إيجاد سُبل وضع حد للظاهرة؛ وهو ما كشفت عنه زيارة وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة، أرانتتشا قونزاليس لايا، إلى الجزائر، حيث تم الاتفاق على خطوات جديدة ترتكز على “هجرة منتظمة ومنظمة” بين البلدين، وقالت وكالة الأنباء الإسبانية إن الجانبين بحثا آلياتٍ جديدة للحد من وصول المهاجرين غير الشرعيين من الضفة الجنوبية إلى الشمالية؛ “لا سيما من منطقة الساحل”، مضيفةً أن الوزيرة لايا تؤكد ضرورة العمل بين البلدين ضد الهجرة غير القانونية، وتفكيك شبكات الاتجار بالبشر، ومنع الشبكات الإجرامية التي تستفيد من محنة الآخرين، في حين شدد وزير الخارجية الجزائري السابق، صبري بوقادوم، على أن بلاده تعمل بشفافية ومستمرة مع إسبانيا بشأن هذه القضية.