الواجهة الرئيسيةترجمات
لماذا يبحث العلماء عن أدوية جديدة في المحيطات؟

كيوبوست – ترجمات
لا يكف الباحثون في مجال الطب عن بذل المزيد من الجهود للدفاع عن البشرية من الأمراض؛ ومنهم من يعلقون الآمال على وجود تركيبات كيميائية جديدة في مياه المحيطات بإمكانها أن تعمل كعقاقير دوائية. وإذا أخذنا في الاعتبار أن الكوكب الذي نعيش عليه تحتل المحيطات نحو ثُلثَي مساحته، فمن الغريب أن تكون معوماتنا عن المحيطات ما زالت ضئيلة مقارنةً بأهميتها، وهناك قول مأثور يعبِّر عن تلك المعضلة يردده العلماء من وقتٍ إلى آخر، يقول: “المعلومات التي نعرفها عن سطح القمر تفوق ما نعرفه حتى الآن عن قاع المحيط”.
وليس الأمر بجديد؛ حيث يبقى افتتان الباحثين باجتلاء أسرار البحار أمرًا قديمًا قدم الحضارة، ولدينا أدلة الآن عن أقدم محاولات البشر لاستخراج العقاقير من مياه المحيطات يعود تاريخها إلى نحو 2953 عامًا قبل الميلاد، وهي الفترة التي سادت فيها الإمبراطورية المعروفة بـ”فوتشي الأراضي الصينية”؛ تلك الحضارة التي قامت بفرض ضرائب خاصة على الأرباح التي يتم جمعها من خلال بيع الأدوية المستخرجة من الأسماك.
اقرأ أيضًا: تغيُّر درجة حرارة المحيطات بمعدل سقوط 5 قنابل ذرية من هيروشيما كل ثانية
وفي خمسينيات القرن الماضي، نجح عالم متخصص في الكيمياء العضوية يُدعى فيرنر بيرجمان، في إعادة الضوء إلى كيمياء البحار؛ حيث استخرج مجموعة من المركبات تُدعى “نيوكليوسيدات” من أحد الكائنات البحرية، وهو نوع من الإسفنج يحمل الاسم العلمي “كريبتوتيثيا كريبتا”. وقد نتج عن ذلك الاكتشاف جيل جديد من العقاقير حين نجح العلماء في استخلاص دواءين مهمَّين من مجموعة “نيوكليوسيدات” الخاصة بإسفنج البحر، تم استخدامه بعد ذلك في علاج أشكال العدوى الناتجة عن مجموعة فيروسات الهيربس، فضلًا عن علاج سرطان الدم النخاعي الحاد وسرطانات الغدد الليمفاوية. وشهدت الأعوام الأخيرة اهتمامًا متزايدًا من قِبَل العلماء؛ لاستخلاص الأدوية من مياه المحيطات، كالتالي:
سموم حلزون البحر
هناك نوع من حلزونات البحر السامة يُدعى “كونوس ماجوس”، يمتلك خليطًا متناقضًا من الحجم الصغير والصَّدفَة الجميلة المزيَّنة في مقابل مجموعة السموم العصبية الخطرة التي يتغطَّى بها. وتدعى مجموعة الكيماويات المتباينة التي تحملها تلك الأنواع من اللا فقاريات بالـ”كونوتوكسينات”. وعلى الرغم من أن الحلزون الذي نتحدث عنه يستخدم تلك السموم لقتل الأسماك؛ فإنها قادرة على قتل البشر بمنتهى السهولة.
اقرأ أيضًا: كيف يمكن الوقاية من مرض السرطان؟
وعلى الرغم من كل تلك السنوات التي قضاها الباحثون لإيجاد علاجات حاسمة لمرض السرطان؛ فإنه ما زال مستعصيًا على الحل بشكل تام. وبينما نجحنا في التوصل إلى بعض الأدوية الأكثر فاعلية في مواجهة المرض من أي وقت مضى، ما زال العلماء شغوفين بإيجاد الجديد من المركبات النشطة حيويًّا؛ للاستعانة بها في تلك المعركة، وهو الأمر الذي يدفع كثيرين من علماء الأورام اليوم ليضعوا أيديهم في تلك المنطقة البكر التي نسميها بالمحيطات.
سحر الإسفنجيات
تحوز الإسفنجيات البحرية على اهتمام خاص من قِبَل الباحثين؛ حيث يسميها بعض العلماء بالكنز الخفي للعقاقير، ويكتب بعضهم: “كل عام، نتمكن من استخراج ما يصل إلى 5300 مركب كيميائي طبيعي مختلف من الإسفنجيات البحرية؛ وهي المركبات التي أثبتت فاعليتها كمضادات للبكتيريا والفيروسات والأورام، كما أثبتت قدرتها على تثبيط الجهاز المناعي وتـأثيرها على القلب والأوعية الدموية”.

وهناك نوع من الإسفنجيات اسمه العلمي “هاليكوندريا أوكاداي”، وهو النوع الذي يُنتج مادة كيميائية شديدة الأهمية؛ حيث قام العلماء باستخلاصها وإعادة إنتاجها في المعمل ومنحوها اسم (إريبولين)، وفي دراسة تمت عام 2010، وجد العلماء أن النساء اللاتي تناولن الـ”إريبولين” وكن يعانين أورام الثدي الخبيثة، تمتعن بمدى عمري أطول؛ وهو ما دعا كريستوفر تويلفيز، مؤلف الورقة البحثية، آنذاك، إلى أن يقول: “هذا الأمر يبشر بأن مادة الإريبولين قد تعمل كدواء جديد فعال لسرطان الثدي؛ بما في ذلك الحالات المتأخرة من أورام الثدي الخبيثة”.
البكتيريا البحرية
كان العلماء قد أجروا بعض الاختبارات على مركَّب جديد يُدعى “سيرينوكينون” يتم استخلاصه من الـ”سيرينوكوكاس”، والأخير هو جنس نادر من البكتيريا البحرية؛ حيث وجدوا أن هذا المركب يقوم بمهاجمة الخلايا السرطانية المسببة لأورام الجلد دون غيرها من الخلايا، ومن ثَمَّ ينجح في تدميرها؛ الأمر الذي ثبت نجاحه بشكل كبير في الاختبارات المعملية. وعلى الرغم من أن مادة الـ”سيروكينون” ما زالت أمامها رحلة طويلة حتى تصبح جاهزة للاستخدام من قِبَل البشر؛ فإن دراسة صدرت في فبراير 2019 قد نجحت في المضي خطوة إلى الأمام بتحديد بعض الأجزاء الكيميائية باعتبارها مصدر فاعلية المركب.
اقرأ أيضًا: 7 خرافات عن مرض السرطان.. عليك التوقف عن تداولها الآن!
وخلال فترة الستينيات من القرن الماضي، توصل الباحثون إلى تحديد بعض الخواص المضادة للأورام في بعض المُركبات البحرية، وبعد قطع شوط كبير من الاختبارات، يتمكن العلماء في الوقت الراهن من تصنيع تلك المُركبات في المعمل وبكميات كبيرة.
البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية
هناك طائفة من البكتيريا التي أصبحت مع مرور الوقت مقاومة للعلاج بالمضادات الحيوية الحديثة؛ وهو الأمر الذي يتمتع بأولوية كبيرة على جدول اهتمام الباحثين الطبيين حول العالم؛ فالطريقة التي تسلكها تلك الأمراض البكتيرية تجعلها مع مرور الوقت عصيةً على العلاج، وبالتالي تصبح أكثر خطورةً من غيرها. وطبقًا لتقارير مراكز التحكم والوقاية من الأمراض حول العالم، تعد البكتيريا المقاومة للمضادات واحدةً من بين أكبر التحديات التي تواجه الصحة العامة للبشر في الوقت الراهن.

ونظرًا لخطورة الموقف، يصبح البحث عن أدوية جديدة لسد تلك الثغرات أمرًا واجبًا؛ وهي الثغرات الناشئة عن فقدان المضادات الحيوية فعاليتها مع مرور الوقت. الآن، يقوم بعض العلماء بإتمام هذه المهمة الخطيرة، لكن باتباع طرق مختلفة؛ منها البحث في الحياة البحرية عن مركبات جديدة، وتتجه مجموعة من الباحثين إلى اختبار شيء غريب، وهو ذلك الغطاء اللزج الذي يغطي أجسام بعض الأنواع من الأسماك.
تقوم تلك القشرة الخارجية اللزجة بدور مهم لبعض أنواع الأسماك؛ حيث تنجح في تدمير الميكروبات الموجودة في البيئة البحرية، وبالتالي تمنعها من اختراق جسم السمكة، وما يفكر فيه العلماء الآن هو بحث مدى فعالية تلك القشرة في مواجهة الميكروبات الموجودة على اليابسة. وقام فريق من الباحثين بجامعة كاليفورنيا في مدينة فوليرتون بمساعدة آخرين من جامعة أوريجون بمدينة كورفاليس بفصل 47 نوعًا من البكتيريا بالاستعانة بالمادة المخاطية الموجودة على القشرة اللزجة، ومن ثَمَّ نجحوا في استخراج بعض المواد الكيميائية من تلك البكتيريا.

وبناءً على الخطوة السابقة، قام العلماء باختبار فعالية تلك الميكروبات؛ حيث أثبتوا أنها شديدة الفاعلية في مواجهة بعض أخطر أنواع البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، وهي بكتيريا “ستافيلوكوكس”، كما وجدوا أن ثلاثة من بين المركبات المستخلصة من العملية السابقة تمتلك فاعلية ضد بكتيريا “الكانديدا”. ومن المعروف أن بعض أنواع البكتيريا لديه آليات دفاعية قوية ضد الأنواع الأخرى، وهنا جاء دور البكتيريا المعروفة بـ”الشعاعيات” المتوفرة في “لاميناريا أوكروليوكا”، وهو أحد الأعشاب البحرية الغنية بالشعاعيات؛ ما ساعد الباحثين على الحصول على كمية كافية من تلك البكتيريا، حيث وجدوا أن بعض المواد المستخلصة من الشعاعيات لديها قدرة كبيرة على تدمير البكتيريا الأخرى الضارة والمقاومة للمضادات الحيوية.
اقرأ أيضًا: التغير المناخي والأوبئة الجديدة.. هل نحن مستعدون؟
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ حيث أدلت د.ماريا كارفالو بتصريحات تجدد الآمال في مجال آخر، فأشارت إلى أن هناك 7 من المواد المستخصلة من تلك البكتيريا قد نجحت في الحد من نمو الخلايا السرطانية المسببة لأورام الثدي والأعصاب، ونظرًا إلى أن أهم ما يواجه مضادات الأورام هو سُمِّيتها العالية للخلايا الطبيعية الأخرى، خصوصًا أن تلك المواد تستهدف الخلايا السرطانية دون غيرها.
المصدر: ميديكال نيوز توداي