الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

لماذا نجحت الولايات المتحدة في إعادة إعمار ألمانيا واليابان وفشلت في العراق وأفغانستان؟ (1- 3)

كيوبوست

“لماذا فشلت الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق ونجحت في اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا؟” السؤال قد يبدو بسيطاً؛ فألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان أصبحت دولاً قوية ومتقدمة وناجحة، في حين أصبح العراق وأفغانستان ساحتَين للفقر والبؤس والحروب الأهلية والمواجهات الطائفية، وتكاد فكرة الدولة نفسها تتهاوى وتغيب.

غير أن الأمر ليس بهذه البساطة، والمقارنة نفسها قد لا تصح من وجهة نظر كثيرين؛ فالسياقات السياسية التاريخية والاجتماعية والثقافية التي جرى فيها التدخل في الدول الثلاث “الناجحة” مختلف تمام الاختلاف عن نظيراتها في العراق وأفغانستان، وطبيعة النظام الدولي مختلفة تماماً، ففي حين كان “نجاح” الدول الثلاث يشكل مصلحة أمريكية كبرى في حربها ضد الشيوعية والاتحاد السوفييتي، فإن التدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان كان ينطلق من نزعة انتقامية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

اقرأ أيضًا: مقالة نشرت عام 1989 للرئيس الأفغاني أشرف غني بعد الانسحاب السوفييتي

وحتى أهداف التدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان كانت مختلفة عنها في حالات الدول “الناجحة”، بافتراض أن الأهداف المعلنة هي الأهداف الحقيقية، وأنه لم تكن هناك دائماً أجندة خفية وأهداف غير ظاهرة.

لكن ذلك كله لا ينفي أهمية السؤال، وضرورة طرحه، ومن ثمَّ قام موقع “كيوبوست” بطرح السؤال على عدد من الخبراء والباحثين للإسهام في تقديم إجاباتٍ، أو مراجعة السؤال ذاته، والاختلاف أو الاتفاق مع الطريقة التي طُرح بها.

قيادات حركة طالبان داخل القصر الرئاسي الأفغاني- وكالات

د.كريستيان كوخ- الباحث الألماني المتخصص في الشأن الخليجي ومدير البحوث بمركز الخليج للأبحاث

د.كريستيان كوخ

السؤال مثير للاهتمام؛ أعتقد أن أحد الأسباب الرئيسية لعدم نجاح عمليات إعادة بناء الدول التي جرَت في الفترة الأخيرة هو غياب الالتزام الشامل الذي شهدناه عند الحلفاء الغربيين بعد الحرب العالمية الثانية.

وأعتقد أن ما رأيناه مؤخراً هو تركيز ضيق على محاربة التطرف ومكافحة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار بشكل سريع، بينما المطلوب في الحقيقة هو رؤية بعيدة المدى تشمل تحقيق استقرار شامل على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني.

أعتقد أن المقاربة الأمنية التي تنتهجها الولايات المتحدة بشكل رئيسي، بالإضافة إلى بعض الدول الأخرى، هي ببساطة مقاربة غير ناجحة، وتتصف بقصر النظر. ولذلك نرى أن الدول المعنية تعود إلى حال عدم الاستقرار في غياب الاهتمام بقضايا جوهرية؛ مثل المؤسسات الفعالة، والتنمية السياسية، والتركيز على مكافحة الفساد في بعض الحالات.

أعتقد أن هذا أحد الأسباب الرئيسية للاختلاف في النتائج التي نراها الآن، عن تلك التي شهدناها في أوقاتٍ سابقة.

اقرأ أيضاً: جيرارد راسيل لـ”كيوبوست”: سندفع ثمناً باهظاً نتيجة سقوط النظام في أفغانستان

د.مارك ن. كاتز- أستاذ الحوكمة والسياسية بجامعة جورج ميسون

د.مارك ن. كاتز

كان هناك العديد من الاختلافات الرئيسية بين ألمانيا الغربية واليابان وكوريا الجنوبية من جهة، وأفغانستان والعراق من جهةٍ أخرى؛ بغض النظر عن الاستياء الذي كان موجوداً تجاه وجود القوات الأمريكية، والقوات الغربية الأخرى، في ألمانيا الغربية واليابان وكوريا الجنوبية، لكن الناس في الدول الثلاث رأوا أن البديل الأكثر ترجيحاً هو الاحتلال السوفييتي؛ وهو بديل أسوأ بكثير.

على النقيض من ذلك، عندما دخلت الولايات المتحدة إلى أفغانستان والعراق، لم يكن هناك تهديد بالاحتلال من قِبل قوة بديلة في ذلك الوقت.

كانت ألمانيا الغربية واليابان وكوريا الجنوبية متماسكة عرقياً. على النقيض من ذلك، فإن أفغانستان والعراق دولتان شديدتا الانقسام. هذا جعل مشروعات الدمقرطة الأمريكية في ألمانيا الغربية واليابان أسهل في الإنجاز في وقتٍ مبكر.

كان الحكم الاستبدادي موجوداً في كوريا الجنوبية لسنوات عديدة بعد الحرب العالمية الثانية؛ ولكن الانتقال إلى الديمقراطية -بتشجيع أمريكي- تم بنجاح في عام 1988. على النقيض من ذلك، فإن الطبيعة المتصدعة للعراق وأفغانستان أعاقت الديمقراطية أخيراً، كان الوجود العسكري الأمريكي/ الغربي في ألمانيا الغربية، والوجود العسكري الأمريكي في اليابان، وبعد ذلك كوريا الجنوبية، أقوى بكثير من الوجود العسكري الأمريكي/ التحالف في أفغانستان والعراق.

اقرأ أيضاً: جاسم تقي لـ”كيوبوست”: واشنطن تخلت عن الرئيس الأفغاني لفشله.. والجيش لم يدعمه

د.رامون بليكوا- دبلوماسي إسباني.. سفير سابق للاتحاد الأوروبي في العراق

هناك مجموعتان مختلفتان من الظروف التي يمكن أن تفسر نجاح الولايات المتحدة في ألمانيا بعد عام 1945 والفشل في العراق وأفغانستان، لقد كانت طبيعة المجتمعات اليابانية والكورية والألمانية متقدمة بالفعل؛ من حيث التعليم والبنية الاجتماعية والمستويات التكنولوجية.

كان ذلك كافياً لتوجيه موارد كافية، وتمكين النخب المحلية لتحقيق نتائج سياسية واقتصادية سريعة، أسهم في تسهيل ذلك الطبيعة غير الأيديولوجية للخطط الأمريكية، القائمة على سياسات التنمية والحد الأدنى من التدخل السياسي. ومن ثمَّ تقديم الموارد كقروض ميسرة، ولم توجه لشراء ولاءات من النخب المحلية. ومن ثمَّ أتت الموارد بنتائج ملموسة.

الخطأ الذي حدث في أفغانستان والعراق هو الطبيعة الأيديولوجية للتدخل الأمريكي، استناداً إلى الفكر المبني على ضرورة إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفقاً للفهم الضيق بأنه بمجرد إزالة الأنظمة الاستبدادية، ستزدهر الديمقراطية بشكل طبيعي. ويتحقق الأمن والإدارة السياسية. لكن ما حدث في واقع الأمر أن النخب المحلية التي تم تمكينها تحولت إلى حكوماتٍ فاسدة مهتمة بتحويل موارد ضخمة لمصلحتها الخاصة مع الحد الأدنى من الرقابة. وفي الواقع، استفادت الشركات الأمريكية التي لها صلات سياسية من الفساد الهائل وروجته إلى حد ما. نتيجة لذلك، استاء السكان المحليون من الاحتلال المقترن بسوء الإدارة والفساد.

علاوة على ذلك، كانت الأهداف في أفغانستان والعراق غير واقعية، وغير واضحة، ومتناقضة في كثيرٍ من الأحيان. أدى عدم فهم السياق المحلي إلى تفاقم التحديات، وأسهم في ذلك عدم وجود حلفاء محليين موثوق بهم. أُعيد بناء القوات الأمنية وفقاً للنماذج الأمريكية، وليس وفقاً للظروف المحلية، ولم يكن لديها تسلسل قيادي واضح. المعدات باهظة الثمن والأموال الضخمة خدمت القادة السياسيين الفاسدين، وليس المؤسسات.

اقرأ أيضاً: إمارة أفغانستان الإسلامية.. المأساة تبدأ من جديد

د.إيان بريمر- رئيس مجموعة يوروآسيا لتحليل المخاطر

د.إيان بريمر

“إعادة بناء الأمة” يختلف عن “بناء أمة”، في العراق وأفغانستان شاركت الولايات المتحدة في محاولة بناء الأمة، من خلال بناء المؤسسات السياسية الوطنية والبنية الاقتصادية والأمنية ذات الصلة بشكلٍ أساسي من الصفر. بعض تلك المؤسسات كانت موجودة في العراق، لكن بعد إزاحة صدام حسين من السلطة تم تفكيك هذه الكيانات على يد الولايات المتحدة وحلفائها. في أفغانستان، لم تكن هذه المؤسسات موجودة.

هناك تقرير مهم نُشر مؤخراً عن الإخفاقات الأمريكية في أفغانستان، يوضح التقرير مدى الفشل الحادث هناك. ويجب أن يقرأ أي شخص يأمل ألا تتكرر أخطاء العشرين سنة الماضية، هذا التقرير.

اقرأ أيضاً: نهاية الحرب في أفغانستان وخيبة أمل المحاربين القدامى

د.محمد الحداد- كاتب وباحث تونسي متخصص في الإسلاميات وتاريخ الأديان

د.محمد الحداد

فكَّرت سابقاً في هذا السؤال، فكَّرت فيه تفكيراً طويلاً، وانتهيت إلى النتيجة التالية: البنية القبلية للمجتمعات العربية والإسلامية أنشأت ثقافة ذات طابع قبلي، من أهم قواعد السلوك فيها قاعدة “أني وأخي على ابن عمي وأنا وأخي وابن عمي على الغريب”.

يتخاصم الأفغان؛ لكنهم يتحدون ضد أمريكا. يتخاصم الشيعة والسُّنة قروناً؛ لكنهم يتحدون في مقاومة الاحتلال الأمريكي. الشعب الياباني أو الألماني الذي احتلته أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية لم يكن قبلياً، ولم يكن يحمل ثقافة القبيلة من هذا القبيل.

اقرأ أيضًا: “طالبان” قد عادت أم أنها لم تغادر أصلاً؟!

د.عمار علي حسن

د.عمار علي حسن- الباحث في علم الاجتماع السياسي

هناك خمسة أسباب تتعلق بالدوافع والأهداف والسياقات والثقافة والظرف الزمني.

الأول: أن مشروع أمريكا في اليابان كان للتعويض والاحتواء، بعد ضربها بالقنبلة النووية، وفي كوريا كان للحماية من انتشار الشيوعية. أما في العراق وأفغانستان، فقد كان مشروع احتلال؛ مرة لإسقاط نظام مستبد، والأخرى لمواجهة الإرهاب.

الثاني: السياقات السياسية الدولية أيام اليابان وكوريا الجنوبية كانت متآلفة نسبياً مع وجود أية قوات أجنبية؛ إذ لم يكن الاستعمار التقليدي قد انحسر تماماً، بينما جاء تدخل أمريكا في العراق وأفغانستان بعد زمنٍ من انتهاء هذا اللون من الاستعمار؛ ولذا فلم يكن مستساغاً أن تعود أمريكا بقواتٍ مسلحة على الأرض.

الثالث: تبدو الثقافة التقليدية، بما فيها الدين أو الاعتقاد، في اليابان وكوريا، أكثر قدرة على تفهم واستيعاب وجود عسكري لطرف يحمل ديناً مختلفاً على أرض البلاد؛ لكن في العالم الإسلامي يتم عطف النزعة الاستعمارية الأمريكية على الصراع التاريخي بين أوروبا والعالم والإسلامي، ولذا يوصف توجه أمريكا هذا بأنه نوع جديد من الحرب الصليبية، يجب إطلاق الجهاد ضده.

اقرأ أيضاً: في أفغانستان.. التاريخ يعيد نفسه

الرابع: في أيام كوريا واليابان لم تكن ثورة الاتصالات مثل حالها اليوم؛ فالتصرفات المستفزة والسخيفة والقسرية للقوات الأمريكية على أرض البلدان التي تحتلها واشنطن لم يعد إخفاؤها ممكناً، وهذا يعبئ الناس ضدها.

الخامس: اتسم جزء كبير من اتجاهات أمريكا حيال كوريا واليابان بالنزعة إلى التنمية والبناء، ولم تبدِ أمريكا ما يبين أن لديها مشكلة مع الثقافة أو الاعتقاد، على العكس من الحالة العراقية والأفغانية، إذ انزلقت مسألة مواجهة الإرهاب إلى ما اعتبره قطاع عريض من الناس إلى خصومة مع الإسلام نفسه، وهذه مسألة لم تفلح أمريكا في التغلب عليها.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة