الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
لماذا لم يكن هنالك مسؤول أمريكي واحد في أفغانستان؟
ثلاث طرق لتجنب كارثة أخرى

كيوبوست- ترجمات
كريستوفر كوليندا♦
في الذكرى الأولى لانهيار أفغانستان، أفضل طريقة يمكن للولايات المتحدة من خلالها تكريم خدمة وتضحيات الأمريكيين والأفغان، هو أن تتعلم من أخطائها، وأن تتخذ تدابير منطقية تقلل من احتمال وقوع كارثة أمن وطني في المستقبل.
يشير سجل واشنطن -الذي لا تُحسد عليه- في التدخلات العسكرية بعد 11 سبتمبر إلى أن الإصلاح ضروري؛ لتجنب الوقوع في مستنقع آخر من الوعود التي لم تُحقق والالتزامات المستحيلة. وفي ما يلي ثلاث قضايا أسهمت في إخفاقات الولايات المتحدة، وبعض الخطوات العملية التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة لمنع وقوع المزيد من الأخطاء.
التنسيق مستحيل في غياب كُتيب إرشادات مشترك. ووزارتا الخارجية والدفاع تفتقران إلى لغة مشتركة، وليس لدى حكومة الولايات المتحدة مصطلحات ومفاهيم رسمية للأمن القومي. وهذا يعني وجود معانٍ مختلفة للكلمات نفسها؛ مما يجعل التنسيق عشوائياً، ويزيد من مخاطر سوء التواصل.
اقرأ أيضاً: طالبان في أفغانستان: تحليل لنقاط القوة والضعف
فعلى سبيل المثال، كان للمصطلحات الفنية -مثل “المصالحة”- ثلاثة معانٍ مختلفة على الأقل، فبالنسبة إلى بعض موظفي وزارة الخارجية كانت الكلمة تعني عقد صفقة كبيرة بين الحكومة الأفغانية و”طالبان”. بينما رأى آخرون أنها محاولة للضغط على قادة “طالبان” لشق صفوفهم. بينما اعتبرت فئة ثالثة أن المصالحة تعني بدء المحادثات بين الحكومة الأفغانية و”طالبان”. وهكذا، فقد بحث مسؤولو إدارة أوباما -في ما بينهم- إجراءات مفاوضات زمن الحرب دون مصطلحات موحدة وهيئة خبراء معرفية، الأمر الذي قوَّض التنسيق وجعل التماسك مستحيلاً. كما أعاق غياب المفاهيم المتفق عليها قدرة الولايات المتحدة على رؤية الفرص واغتنامها. ففي ديسمبر 2001، عرضت “طالبان” وقف القتال ودعم الحكومة الجديدة بمقابل تركها تعيش بسلام، وقد أيَّد رئيس الحكومة الأفغانية المؤقتة -آنذاك- حامد كرزاي، الاتفاق؛ ولكن واشنطن رفضته. وبعد تسع سنوات -أيضاً- أرادت “طالبان” الحصول على تنازلات متواضعة للشروع في مفاوضات مع الحكومة الأفغانية؛ ولكن تضارب الآراء بين وزارتَي الخارجية والدفاع بهذا الشأن ضيَّع الفرصة مرة أخرى.
في معظم التدخلات الأمريكية الكبرى منذ فيتنام، يتمثل الوجود الأمريكي في صوامع بيروقراطية مغلقة ومعزولة بعضها عن بعض؛ حيث يقدم القائد العسكري تقاريره إلى البنتاغون، والسفير إلى وزارة الخارجية، وخبراء التنمية إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، كما أن ضباط المخابرات مسؤولون أمام وكالاتهم، والنتيجة هي جهود فردية قد تكون مثيرة للإعجاب؛ ولكنها تبقى مشتتة وتترك نقاط ضعف خطيرة.

وفي أفغانستان، أدى تركيز الجيش في السنوات الأولى على مطاردة “طالبان” إلى وقوع عدد كبير من الضحايا بين المدنيين، وأدت رغبة وزارة الخارجية في الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع المسؤولين الأفغان إلى التغاضي عن فسادهم ونهبهم أموال المساعدات الإنسانية، وعن ممارساتهم القمعية تجاه شعبهم. كل ذلك أدى إلى تحول الكثير من الأفغان إلى دعم “طالبان” والانضمام إلى صفوفها. ولم يكن لدى الرئيس الأمريكي أي مسؤول لمحاسبته على مسار الحرب وتقدمها في تحقيق أهدافها، ولم تكن لأي مسؤول أمريكي السلطة أو الصلاحية على جميع الوكالات الأمريكية في أفغانستان؛ لتحديد الأولويات وتخصيص الموارد واتخاذ القرارات؛ لتعزيز احتمال التوصل إلى نتائج إيجابية دائمة.. وكل ذلك أدى إلى فشل بطيء ومكلف للغاية.
كان هذا الفشل هو السمة المشتركة في معظم التدخلات الأمريكية المباشرة؛ حيث فقدت الحكومات الفاسدة شرعيتها أسرع بكثير مما كانت عليه الجهود حسنة النية لبنائها، والسمة الأخرى هي الافتقار إلى هيئات خبراء معرفية يمكن للمسؤولين الاعتماد عليها للتوجيه والتنسيق. وقد ثبت أن الجدول الزمني لعملية بناء القدرة على الاعتماد على الذات عند الجيوش الفاسدة لا حدود له، وهذا الأمر يخلق إشكالية كبيرة للاستراتيجية الأمريكية التي تعتمد على نقل المسؤولية الأمنية لجيوش الدولة المضيفة.
اقرأ أيضاً: متطرفون ضد متطرفين.. هل تنجح حملة “طالبان” ضد تنظيم الدولة الإسلامية؟
وفي أفغانستان، يتحمل الدبلوماسيون والمسؤولون العسكريون الأمريكيون المسؤولية عن إنشاء حكومة وجيش أفغانيَّين لا يمكنهما العمل دون المساعدة اللوجستية والقوة الجوية الأمريكية. ولم تكن لدى المسؤولين الأفغان، الذين عاشوا معظم حياتهم خارج البلاد، فكرة بسيطة عن صعوبة تشكيل حكومة على النمط الغربي أو عن رد الفعل العنيف الذي سيقع عندما تكون الانتخابات أداة لتغطية الفساد. والجيش الأمريكي لديه العقيدة بشأن تدريب القوات العسكرية الشريكة، ولكنه يفتقر إلى الخبرة والمعرفة اللازمتَين لبناء المؤسسات العسكرية في الدول النامية من الألف إلى الياء. ولذلك توجه الجيش الأمريكي إلى الأمر الذي يحسن القيام به، فأنشأ المسؤولون الأمريكيون -بحسن نية- وحدات عسكرية صغيرة لا تحظى بتأييد الشعب الأفغاني، وغير قادرة على العمل بشكل مستقل. ولأن المسؤولين العسكريين الأفغان اعتقدوا أن الأمريكيين لن يغادروا أبداً؛ انصرفوا نحو استغلال مواقعهم لتحقيق مكاسب شخصية بدلاً من بناء جيش بلادهم. وقد أدت هذه التبعية وسوء الإدارة وضعف القيادة إلى انهيار الجيش الأفغاني عند أول امتحان حقيقي.

ويخلص الكولونيل كوليندا إلى القول: إنه لا بد للولايات المتحدة من أن تتخذ إجراءات قليلة التكلفة وعالية المردود للتعلم من كارثة أفغانستان، ومن إخفاقات التدخل الأمريكي في العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال وفيتنام. ويلخص هذه الإجراءات بالنقاط الثلاث التالية:
– وضع معجم رسمي ودليل أساسي لمفاهيم الأمن القومي، يتم الرجوع إليه في المستقبل؛ بحيث يستخدم المسؤولون الكلمات نفسها للمعاني نفسها من أجل تنسيق الجهود المشتركة المعقدة بين مختلف الوكالات الأمريكية في مناطق الصراعات.
– تحديد الشخص المسؤول عن الأرض ومنحه السلطات والموارد اللازمة لتحقيق النجاح، وفي معظم الحالات يمكن أن يكون هذا المسؤول هو السفير الأمريكي، ويدعمه فريق عمل مشترك من جميع الوكالات. وإذا لم يكن السفير هو الشخص المناسب، يجب على الرئيس أن يعين مسؤولاً مدنياً أو عسكرياً يوافق عليه مجلس الشيوخ.
اقرأ أيضاً: ماذا تعني عودة “طالبان” إلى السلطة في أفغانستان؟
– تطوير هيئات معرفية متخصصة في مفاوضات زمن الحرب والتعامل مع الفساد وبناء المؤسسات العسكرية في الدول النامية، كما يجب أن تمتلك وزارة الخارجية الخبرة في هذه المجالات.
وبالطبع فإن هذه الإجراءات ليست حلاً سحرياً، ولن تخلِّص الولايات المتحدة من المواقف المستحيلة؛ مثل أفغانستان عام 2012، ولكنها بكل تأكيد سوف تقلل من عدد الأخطاء غير المقصودة والغايات الخاصة التي تزيد من احتمال وقوع المآسي.
♦كولونيل متقاعد في الجيش الأمريكي، خدم في أفغانستان، وكان مستشاراً أولاً لثلاثة من كبار الجنرالات الأمريكيين.
المصدر: فورين بوليسي