الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
لماذا لجأت تركيا إلى منح رموز الإخوان جنسيتها؟

كيوبوست
يُشَكِّل موضوع تجنيس تركيا كثيرًا من رموز الإخوان في العالم العربي؛ وعلى رأسهم رموز الإخوان في مصر المطلوبون للعدالة، بُعدًا استراتيجيًّا مهمًّا لأردوغان وحزبه؛ حيث عمد مؤخرًا إلى تجنيس العشرات بل المئات من جماعة الإخوان في مصر، وكذلك قام بتجنيس كثير من رموز الفصائل السورية المتطرفة، تحت حجة أنهم خبرات وكفاءات سياسية وعلمية، وتحت دعاوى اللجوء السياسي، كما أن النظام السياسي في تركيا عمد إلى تغيير أسماء تلك الرموز بعد تجنيسها من أسماء عربية إلى تركية.
وهذا بحد ذاته يُشَكِّل تبرئةً وتبييضًا لسجلات تلك الشخصيات وضمان عدم ملاحقتها دوليًّا؛ لأن النظام التركي يقوم بتغيير الأسماء الحقيقية لتلك الرموز واستبدال أسماء تركية أخرى بها، وهنا يسهل لتلك الجماعات ورموزها التحرك وإعادة الانتشار من جديد؛ لممارسة نشاطها من دون تضييق.
وفي هذا السياق، كشف الإعلامي عمرو أديب، عن واقعة منح السلطات التركية بعض الإرهابيين الهاربين جوازات سفر تركية بعد تغيير أسمائهم، خلال حلقة “الأحد” الماضي من برنامج “الحكاية” المذاع عبر فضائية mbc مصر”، مشيرًا إلى أن تركيا منحت القيادي الإخواني الهارب مدحت أحمد الحداد، رئيس تنظيم الإخوان، جوازَ سفر تركيًّا جديدًا باسم عبد الله ترك، مؤكدًا أن هذا الإجراء يمكِّن هذه العناصر من الحركة والتنقل بحرية في أوروبا وممارسة أعمالها الإرهابية الموجهة ضد مصر.

منح عدد من قيادات الإخوان في مصر الجنسية التركية
مؤخرًا، منحت السلطات التركية الجنسية لعدد من إخوان مصر الفارين إليها، وبعض العناصر الإخوانية الهاربة من مصر، وطالبتهم بتغيير أسمائهم في جوازات سفرهم التركية الجديدة. وفي تغريدة خاصة للقيادي الإخواني ياسر العمدة، أكد حصوله على الجنسية التركية.
وأضاف العمدة: “تشرفت بالجنسية التركية، والجنسية التركية هي شيء كبير بالنسبة إليَّ”، مشيرًا إلى أنها إحساس مختلف، معبرًا عن فخره بالانتماء إلى تركيا باعتبار قوتها الاقتصادية والعسكرية، مؤكدًا أن مساعيه في ما سماه بـ”التحرر” وعدم استجابة الناس لدعاوى الحرية تجعله يشعر بالغضب، معقبًا: “ربي لو حيفضلوا كده، فاللهم لا تُمتني مصريًّا”.
وكشف ياسر العمدة، وهو مدان في عدة قضايا في مصر، على صفحته الشخصية عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، عن أن “السلطات التركية منحته الجنسية”، مضيفًا أن عددًا من مذيعي قنوات الإخوان المقيمين في إسطنبول حصلوا على الجنسية أيضًا ويستعدون لاستلام جوازات سفرهم الجديدة.
اقرأ أيضًا: تركيا تمنح جنسيتها لإخوان مصر.. وتشترط تغيير أسمائهم
هنا يؤكد القيادي الإخواني المنشق طارق البشبيشي، في تعليق خاصة أدلى به إلى “كيوبوست”، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هو شخصية شديدة الانتهازية والبراغماتية؛ فيقوم باستغلال كل الأوراق من أجل تحقيق أهدافه في التمدد وزيادة النفوذ في الأراضي العربية، للسيطرة على ثرواتها ومقدراتها كما فعل أجداده العثمانيون في السابق.

ويشير البشبيشي إلى أن هناك علاقة مصالح متبادلة بين تنظيم الإخوان وأنقرة؛ فكل منهما يستفيد من الآخر، منوهًا بأن أردوغان يستخدم الإخوان كطابور خامس في البلدان العربية، ويقوم هذا الطابور بالترويج للمشروع الأردوغاني؛ حتى وصل الأمر إلى تبرير احتلال الأتراك للأراضي العربية، بل ودعم هذا الغزو كما حدث في سوريا.
ويذهب الأكاديمي والداعية الشرعي السعودي د.محمد السعيدي، إلى رؤية مغايرة بعض الشيء، مؤكدًا، في حديث خاص إلى “كيوبوست”، أن النظام التركي رغم علاقته الوطيدة حاليًّا بتنظيم الإخوان؛ فإنه لم تعد له مصلحة مثل السابق تدعوه إلى اتخاذ إجراء استثنائي لتجنيس الإخوان، ولكن التعديلات الأخيرة على بعض قوانين الجنسية التركية جعلت الحصول على هذه الجنسية مسألة ممكنة لكثير من المنتمين إلى جماعة الإخوان وغيرهم، مشيرًا إلى أن ظروف الملاحقة التي يمر بها رموز الجماعة تدعوهم إلى استغلال هذه الفرصة.
إضافة إلى أن كثيرًا من الدول الإسلامية لديها في صفوف الموظفين بجميع المستويات إعمالٌ لجانب المحسوبيات والوساطات وربما الرشاوى، وهذا يُعَد مدخلًا يمكِّن لكثيرين الحصول من خلاله على استثناءات في جانب الجنسية أو غيرها من الجوانب .
تهدف الخطوة إلى حمايتهم من الملاحقات الأمنية والقانونية
وفي المقابل، يحمى أردوغان ونظامه السياسي الإخوان الهاربين عبر توفير الملاذ الآمن لهم، والمنابر الإعلامية التي تهاجم الدول التي فروا منها؛ خصوصًا مصر، أما عملية التجنيس لهؤلاء الهاربين فتأتي لحمايتهم من الملاحقات القانونية، وهذه الخطوة متوقعة ومنطقية من نظام يعتبر الأب الروحي لتنظيمات الإرهاب والعنف في العالم.

تلك الحالة تعود بالدرجة الأولى بعد أن أعلن الرئيس التركي في أواخر 2016، فتح الباب أمام اللاجئين للحصول على الجنسية التركية؛ الأمر الذي أدى إلى تدفق طلبات قيادات الإخوان وحلفائهم في الخارج إلى وزارة الخارجية التركية، للتمكُّن من الحصول على الجنسية التركية، والتي تؤهلهم بسهولة للانتقال بين الدول.
ويشير بعض المراقبين إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تقدم أكثر من 150 من قادة وأبناء الإخوان بطلبات للحصول على الجنسية التركية؛ خصوصًا قبل الانتخابات الرئاسية التركية، وكانت الغالبية العظمى من هذه الطلبات من قيادات المكتب الإداري للجماعة في الخارج بجانب الإعلاميين العاملين بقنوات الإخوان في تركيا.
وفي هذا السياق، يؤكد القيادي الإخواني المنشق طارق البشبيشي، أن النظام الأردوغاني يسعى لحماية أعضاء الجماعة الهاربين وضمان عدم ملاحقاتهم قانونيًّا من قِبَل السلطات المصرية؛ بل لإعادة تأهيلهم للعمل من جديد خارج الحدود المصرية، بعد أن احترقت أوراقهم في الداخل المصري.
اقرأ أيضًا: تركيا غير مرحَّب بها في الاتحاد الأوروبي
أما الأكاديمي والداعية الشرعي السعودي د.محمد السعيدي، فيقول: “إن حصول بعض من رموز الإخوان على الجنسية التركية ربما لا يكون المقصود منه البُعد السياسي فقط، وإنما أغراض أخرى كالبُعد الاقتصادي”، مشيرًا إلى أن الأمن التركي سلَّم مطلوبين بجرائم جنائية من جماعة الإخوان إلى مصر وتم إعدام بعضهم، كما طلب من بعضهم ممن ينتمي إلى الجماعة أو يتعاطف معها مغادرة الأراضي التركية حين طالبت بهم حكوماتهم.
وعلى إثر ذلك يعتبر السعيدي أن النظام التركي في غاية النفعية والانتهازية، وأن نظامًا كهذا من الصعب أن يتخذ قرارات استثنائية لأي حزب سياسي خارجي ما لم يكن ذلك يعود عليه بمصلحة سياسية أو مادية قوية جدًّا، معتبرًا أن تجنيس بعض من رموز الإخوان مؤخرًا يبقى الدافع الرئيسي بموجب الاستحقاق الذي يفرضه النظام أو تفرضه المحسوبيات الخاصة؛ وهو الاحتمال الأغلب الذي يرقى إلى رتبة الظن.
وفي سياق متصل، يؤكد الباحث في شؤون الجماعات والتيارات الإسلامية هشام النجار، في حديث خاص إلى “كيوبوست”، أن منح الجنسية التركية لقيادات ورموز الإخوان يأتي في إطار المصلحة النفعية والمتبادلة بين تركيا وجماعة الإخوان، مشيرًا إلى أن “الإخوان” منذ عام 2013، وتحديدًا بعد عزل الفريق عبد الفتاح السيسي الرئيسَ السابق محمد مرسي، وإنهاء حكمه وحكم الجماعة في مصر، اتضحت أنها جماعة غير وطنية، بل تحوَّلت إلى أداة إقليمية تنفذ أجندات ومصالح قوى إقليمية.

ويعقب النجار، قائلًا: “هذا لا يعني أن قبل الأحداث والمظاهرات المؤيدة لمحمد مرسي في يونيو 2013، لم تكن الجماعة مرتبطة بأجندات خارجية وأجهزة استخبارات خارجية؛ لكن بعد إنهاء حكم الإخوان بمصر وخلع مرسي زادت هذه الارتباطات الخارجية وباتت واضحة ومكشوفة للعيان، وأصبحت الجماعة، ليس في مصر فحسب بل في ليبيا ودول مجاورة، أداة بيد تركيا”.
ويرى الباحث في شؤون الجماعات والتيارات الإسلامية أن تركيا زادت من نشاطها الاستعماري والعسكري في البلدان العربية، وهذا يستدعي حالة من الاستقطاب التي تعمل على تأييد وشرعنة ما تفعله أنقرة في المنطقة، وهذا ما تنتهجه في تجنيسها رموز الإخوان ورموز “الإسلام السياسي”، الذين يعملون بدورهم على الترويج لسياسات وسلوكيات أردوغان ونظامه وحزبه السياسي، وهذا ما بدا واضحًا في الغزو التركي الأخير لشمال سوريا، والتأييد الذي لاقاه من قِبَل رموز “الإخوان”، بل والدفاع حتى النخاع عنه.
اقرأ أيضًا: تركيا بيئة خصبة لاغتيال المعارضين الإيرانيين
وبالتالي، فإن هناك مصلحة سياسية كبيرة في تجنيس رموز الإخوان و”الإسلام السياسي” وعملية احتوائها واحتضانها على أراضيها؛ خصوصًا أن أردوغان وحزبه يمران بأزمة سياسية حادة على مستوى تراجع شعبيته في الانتخابات مؤخرًا، وحالة الأزمة الداخلية التي يعانيها حزب العدالة والتنمية على مستوى الانشقاقات التي مرّ بها مؤخرًا، إضافة إلى تفوق المعارضة السياسية ضد أردوغان في انتخابات بلدية إسطنبول.. كل تلك العوامل والمتغيرات تدفع أردوغان إلى استقطاب شخصيات ورموز سياسية؛ للوقف في صفه، ولن يجد، حسب رؤية النجار، أفضل من جماعة الإخوان ورموزها.