الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
لماذا لجأت الدراما العربية إلى ورش السيناريو؟

كيوبوست
بحلول عام 2011، كانت الأحداث السياسية التي بدأت في ذلك العام بمثابة العامل الذي حفَّز طاقات إبداعية كثيرة، وشحذ هممها لتلقِي بكلمتها من خلال الكتابة والتأليف، وكنتيجة لذلك راجت صناعة النشر، وبالتوازي معها راجت كذلك صناعة السينما والدراما في العالم العربي الذي شهد، ولا يزال، تحولات تاريخية.
وبات شهر رمضان بمثابة الموسم الدرامي الرئيس، في مصر مثلًا شهد عام 2017 عرض أكثر من 40 مسلسلًا في شهر رمضان فقط، وفي العام التالي عُرض أكثر من 30 مسلسلًا، في حين تقلص العدد هذا العام إلى 24 مسلسلًا؛ إلا أن هذه النسب تبقى كبيرة أيضًا، خصوصًا أن المؤلفين يتم إبلاغهم بتنفيذ المشروع قبل رمضان بشهرَين أو ثلاثة؛ ما يضعهم في ورطة كبيرة.. ومن هنا نشأت الحاجة إلى ورش كتابة السيناريو؛ حيث يشترك أكثر من كاتب، تحت إشراف مؤلف العمل، لإنجاز المشروع وتسليم الحلقات في الوقت المطلوب. ولكن الأمر تحوَّل إلى “موضة”، وباتت هناك عشرات الورش التي انقسمت إلى نوعَين: ورش تعليم السيناريو؛ وورش كتابة السيناريو؛ ولكن هل يمكن لمجموعة مختلفة من الكتاب أن يبدعوا عملًا واحدًا على الرغم من اختلاف أساليبهم في الكتابة ومواردهم الثقافية وتوجهاتهم المختلفة؟ وهل تعتبر هذه الورش مفيدة فعلًا للصناعة أم أنها تحوَّلت إلى مجرد “سبوبة”؟

السيناريست مدحت العدل، قال ل”كيوبوست”: “إن ورش كتابة السيناريو تضيف إلى صناعة الدراما والسينما، ولكن بشروط”.
وأضاف: “لدينا أزمة في الموهوبين، وورش كتابة السيناريو يجب أن تلعب دورًا في هذا؛ بمعنى أن تكون هذه الورش بمثابة مصفاة لتنقية الموهوب من المدَّعي، لا أن تفتح الباب أمام كل مَن يظن أن لديه الموهبة لكتابة السيناريو؛ لأنه قد يكون شخصًا واهمًا في الأساس.. هذا واحد من أهم أدوار ورش السيناريو، وعلى نحو آخر فإن عشرات الورش التي انتشرت حاليًّا لتعليم أصول ومبادئ هذا النوع من الكتابة جعلت العشرات يظنون أن لديهم الموهبة، والأزمة الأكبر تكمن في بعض ممن يحاضرون في هذه الورش؛ لأنهم أنفسهم في بعض الأحيان قد يكونون أشخاصًا ضعيفي الموهبة وغير مؤهلين لمنح النصائح والإرشادات اللازمة”.
اقرأ أيضًا: الدراما الخليجية في رمضان.. القوة الناعمة في مواجهة التطرف
وتابع السيناريست بأن زيادة عدد المسلسلات التي باتت تُعرض في شهر رمضان كل عام فرضت على الصناعة أن تلجأ إلى ورش الكتابة كحل وسط؛ ولكن هذا النوع يحتاج دائمًا إلى شخص لديه صفتان أساسيتان: القدرة على إدارة فريق الكتابة، والموهبة اللازمة لأن يخرج العمل “ميَّه واحدة”؛ بحيث يبدو كأن شخصًا واحدًا هو الذي كتبه.

وأكد السيناريست تامر حبيب، ل”كيوبوست”، أن ورش الكتابة مهمة شرط أن لا تتحول إلى سبوبة، موضحًا أن هناك مَن يتعامل مع الورش بوصفها فرصة لجلب المزيد من المال، لا كفرصة لاكتشاف المزيد من المواهب.
وتابع حبيب: “أنا واحد ممن يدربون الشباب في ورش الكتابة، ولكني أختار في نهاية الورشة واحدًا أو اثنين من الموهوبين؛ للاشتراك معي في كتابة مسلسل في ما بعد. حدث هذا بالفعل في إحدى الورش؛ حيث اخترت في نهايتها إنجي القاسم وسما أحمد، إذ اشتركا معي في كتابة مسلسل (جراند أوتيل) ضمن ورشة ضمت أسماء أخرى؛ ولأنهما موهبتان فعلًا تم اختيارهما لكتابة مسلسل (حلاوة الدنيا) في رمضان 2018 منفردتَين، ولكن تحت إشرافي، وهي تجربة أنضجتهما بشكل كبير، وكنت سعيدًا للغاية بهما وبأني نجحت في مهمتي وأخرجت من إحدى الورش موهبتَين حقيقيتَين اكتسبتا ثقة المنتجين وثناء المشاهدين”.
وأشار السيناريست تامر حبيب إلى أن ما يخشاه من انتشار ورش الكتابة هو عدم التزامها بضوابط معينة، وعدم اهتمامها باكتشاف موهوبين جدد، والسعي فقط وراء المكسب المادي؛ لأن هذا سيضر بالصناعة على المدى البعيد، ويفرز لدينا عشرات الأشخاص الذين يتوهمون أنهم سيناريستات.

من جانبها تحدثت السيناريست مريم نعوم عن ورشة “سرد” التي تديرها؛ وهي الورشة التي تضم من حين إلى آخر بعض الشباب الذين يرغبون في كتابة السيناريو.
قالت نعوم ل “كيوبوست”: “أنا من المؤمنين بورش الكتابة، وبأن لها آثارًا كبيرة تضيف إلى الصناعة بوجه عام، ولكن شرط أن تكون هناك معايير وضوابط لمَن يريد الاشتراك في ورشة من الورش؛ أولها هو الموهبة، لأن السيناريو صنعة يمكن تعلمها وفهم قواعدها، ولكن لو لم توجد الموهبة والرغبة في الكتابة؛ فإن النتيجة لن تكون على المستوى المطلوب”.
ومؤخرًا، بدأت ورش كتابة السيناريو تكسب أرض جديدة؛ إذ بدأت في الظهور في منطقة الخليج عندما تعاونت شركة “روتانا” مع ورشة “سكرين بوز” التي أطلقت ورشتها لكتابة السيناريو في شهر أبريل الماضي في المملكة العربية السعودية؛ بسبب “الطفرة التي يشهدها الخليج في صناعة السينما والتليفزيون”، حسب ما قاله عاصم بدر مدير العمليات في شركة “روتانا”.
وما يُمَيِّز هذه الورشة هو أنها تضم أسماءً لافتة في صناعة السينما على مستوى العالم؛ منهم المخرج جاك بيندر، الذي شارك في إخراج مسلسل “صراع العروش” الذي يعتبره البعض أهم عمل درامي في التاريخ، وكذلك المنتجة ليندزي غوفمان، والكاتب والمنتج دانيل ناف، والمنتج ديفيد زوكر، والمؤلف صامويل باوم، وكذلك المؤلفة جانيت سكوت باتشلر.
وأكد آرون لوبل، رئيس الورشة، أهمية ورش كتابة السيناريو لاكتشاف الموهوبين في العالم العربي، متابعًا: “نحن نأمل في تشجيع المحتوى الهادف وإعلاء الأصوات المحلية في العالم العربي، كما نسعد بالاحتفاء والاستقبال الرائع الذي تحصل عليه ورشنا في المنطقة العربية. نحن نؤمن بأن المملكة العربية السعودية بها مواهب هائلة غير مستغلة، وعدد كبير من القصص التي يجب روايتها لكل العالم”.

من جانبها، علَّقت الكاتبة السعودية سارة مطر، ل”كيوبوست”، مؤكدة أهمية ورش السيناريو؛ سواء الورش الخاصة بتعليم أساسيات ومبادئ الكتابة أو ورش الكتابة نفسها التي يشترك فيها أكثر من مؤلف.
وتابعت مطر: “ميزة الورش أنها لا تتقيَّد بعمر معين، وتقبل الجميع دون استثناءات، وهذا التفاوت العمري يخلق فرصة للاستفادة من خبرات الآخرين ممن كانت لهم خبرات متراكمة نتيجة الاشتراك في ورش سابقة. وعن تجربة شخصية، اشتركت في ورشة سيناريو في مصر كانت جيدة جدًّا، وميزتها أن أسعارها في متناول الجميع”.
وأوضحت الكاتبة السعودية أنها تتمنى انتشار كثير من ورش كتابة السيناريو في الخليج؛ للاستفادة من مواهب وطاقات الشباب الإبداعية هناك، مع مراعاة توفيرها بأسعار بسيطة؛ لتحقيق الهدف المرجو.

وبدوره، قال الكاتب والناقد السينمائي السعودي فهد الأسطا، ل”كيوبوست”: “إن ورش كتابة السيناريو ظاهرة صحية، وأقرب ما تكون إلى المعنى الاحترافي في تطوير أدوات الفن وعوامل التأليف الأساسية؛ وهو الأمر الموجود قديمًا في كثير من الدول ذات الإنتاج الفني المتميز”.
اقرأ أيضًا: صراع العروش.. معركة من أجل الحياة
وعلَّق الأسطا على ورش كتابة السيناريو في الخليج، قائلًا: “إقامة المزيد من الورش والندوات وفصول التعليم للراغبين في الكتابة السينمائية والدرامية خلقت آثارًا إيجابية انعكست على المحتوى الفني الذي نشاهده الآن؛ لكن تبقى الأزمة التي تحتاج إلى معالجة هي مستوى المدربين والمحاضرين في هذه الورش، ومدى أحقيتهم لتحمل هذه المسؤولية”.
اقرأ أيضًا: مسلسل الواق واق: الهروب من الواقع لمحاولة تجسيده