الواجهة الرئيسيةترجماتغير مصنف

لماذا لا يفيد تجميد ترامب تمويل منظمة الصحة العالمية أحداً على الإطلاق؟

كيوبوست

انتقد خبراء الصحة العامة قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقطع التمويل الأمريكي عن منظمة الصحة العالمية، التي وصفها ترامب بأنها فشلت في “واجبها الأساسي” تجاه جائحة فيروس كورونا عبر زيادة “التضليل” من جانب الصين. وقال ترامب في مؤتمر صحفي يوم 14 أبريل: “اليوم، أوعز لإدارتي بوقف تمويل منظمة الصحة العالمية أثناء إجراء مراجعة لتقييم دورها في سوء الإدارة الشديد والتغطية على انتشار فيروس كورونا”.

اقرأ أيضاً: لماذا لا تثق الولايات المتحدة في الأرقام الصادرة عن الصين بخصوص “كورونا”؟

وتمثل هذه الخطوة تحولاً خطيراً آخر لترامب، الذي أشاد في أواخر فبراير بمنظمة الصحة العالمية لـ”عملها الجاد والذكي للغاية”، قبل أن ينتقد بشدة المنظمة العالمية، في الأيام القلائل الماضية، مع ارتفاع عدد الوفيات الأمريكية. غير أن هذه الخطوة لا تزال تتماشى مع عدم ثقته منذ فترة طويلة في المؤسسات متعددة الأطراف بشكل عام. واتهم النقاد الرئيس الأمريكي بمحاولة تحويل اللوم بعيداً عن استجابته السيئة للوباء؛ حيث كانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت حالة الطوارئ للصحة العامة في 30 يناير الماضي، وبعد ذلك استمر ترامب في التحدث في التجمعات الانتخابية، وقلل من خطورة فيروس (كوفيد-19) واعتبره “إنفلونزا”.

اقرأ أيضاً: هل تسيطر الصين على منظمة الصحة العالمية؟

وأثار إعلان ترامب بشأن قطع التمويل عن المنظمة إدانة من جميع الجهات. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في بيان: “إن هذا ليس الوقت المناسب لتقليل الموارد لعمليات منظمة الصحة العالمية أو أية منظمة إنسانية أخرى تعنى بمكافحة الفيروس”. بينما كتب ريتشارد هورتون، رئيس تحرير مجلة “لانسيت” الطبية، قائلاً: “إن قرار ترامب يعد جريمة ضد الإنسانية. ويجب على كل عالم، وكل عامل صحي، وكل مواطن، أن يقاوم ويثور على هذه الخيانة المروعة للتضامن العالمي”.

وزير الخارجية الصيني وانغ يي مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس غيبرييسوس في بكين- يناير 2020

ويتفق النقاد على أن استجابة منظمة الصحة العالمية تخللها أخطاء في بداية تفشي الفيروس. وكان هناك تركيز على المعلومات الحكومية بدلاً من المصادر غير الرسمية؛ مثل الطبيب لي ون ليانغ الذي اكتشف الفيروس لأول مرة في الصين. وكان يمكن للمسؤولين التحقق من عدد العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين أصيبوا بالعدوى؛ حيث كان ذلك دليلاً واضحاً على انتقال العدوى من شخص إلى آخر، قبل تأكيد هذا الأمر رسمياً في 23 يناير. كما نصحت المنظمة الدول بعدم إغلاق الحدود.

كبش فداء

ويأتي استخدام ترامب منظمة الصحة العالمية ككبش فداء، بعد أن أمضى شهرين في تجاهل التحذيرات بشأن مرض أودى الآن بحياة أكثر من 26 ألف شخص في الولايات المتحدة؛ وهي أعلى حصيلة للوفيات على الصعيد الوطني. وفي أواخر شهر يناير، كتب المستشار الاقتصادي ذائع النفوذ في البيت الأبيض، بيتر نافارو، مذكرة إلى ترامب حذر فيها من أن (كوفيد-19) لديه القدرة على قتل مئات الآلاف من الأرواح في الولايات المتحدة، وعرقلة الاقتصاد الوطني، ما لم يتم تنفيذ جهود احتواء فورية وكاسحة. ويقول آدم سكوت، الأستاذ المساعد المتخصص في الأمن الصحي العالمي بجامعة سيدني، لمجلة “تايم”: “يحاول الرئيس ترامب إعادة كتابة التاريخ لتحويل الانتقادات بعيداً عن إخفاقات إدارته، وسوف تضيع الأرواح نتيجة ذلك”.

اقرأ أيضاً: فيروس كورونا يفرض تحدياً جديداً أمام العلاقات الصينية- الأمريكية

ويتفق معظم المتخصصين في الصحة العامة على أن منظمة الصحة العالمية بحاجة ماسة إلى الإصلاح منذ فترة طويلة جداً. وعلى الرغم من التفويض العالمي واسع النطاق؛ فإن المنظمة الأممية التي تأسست عام 1949، لديها ميزانية سنوية تبلغ 2,2 مليار دولار فقط -أي أصغر من أكبر المستشفيات الأمريكية- وجزء بسيط من 11,9 مليار دولار مخصصة للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض.

أودى فيروس كورونا بحياة أكثر من 26 ألف شخص في الولايات المتحدة حتى الآن- أبريل 2020

كما أن الولايات المتحدة هي أكبر مانح فردي لمنظمة الصحة العالمية؛ حيث أسهمت بأكثر من 400 مليون دولار عام 2019؛ بما في ذلك المساهمات المقدرة (الإلزامية) والتبرعات الطوعية من مصادر حكومية وخاصة. ويرجع ضعف ميزانية المنظمة إلى حد كبير إلى تجميد المساهمات المقدرة في أوائل الثمانينيات وسط غضب إدارة ريغان من أن هيئات الأمم المتحدة؛ خصوصًا اليونسكو، بدأت تميل نحو موسكو مع انضمام المزيد من دول العالم الثالث المتحالفة مع الكرملين إليها.

اقرأ أيضاً: القارة الإفريقية ووباء كورونا.. السيناريو الأسوأ عالمياً لم يبدأ بعد

ونتيجة لذلك، لم ترتفع الإسهامات إلى القيمة الحقيقية لها منذ ذلك الحين، ولا تزال تستند إلى مزيج من الناتج المحلي الإجمالي والسكان. ولا تزال الولايات المتحدة حتى اليوم توفر نحو ضعف الإسهامات المقدرة من جانب الصين التي تأتي في المركز الثاني. لكن الإسهامات المقدرة بلغت 246,8 مليون دولار فقط عام 2020؛ ما يعني أن أكثر من 80% من الميزانية الإجمالية لمنظمة الصحة العالمية يأتي من التبرعات.

العديد من الأخطاء

وتأتي الولايات المتحدة في الصدارة مرة أخرى في ما يتعلق بالتبرعات، في حين تعد التبرعات الطوعية للصين ضئيلة؛ لكن المشكلة الكبرى في الصناديق الطوعية هي أنها مقيدة لأغراض محددة، وبالتالي لا يمكن تحويلها لمعالجة الأزمات المفاجئة؛ مثل الإيبولا أو (كوفيد-19). وفي نهاية المطاف، ليست لدى منظمة الصحة العالمية حرية تذكر لتقرر بنفسها أين تنفق مواردها الضئيلة؛ حيث يتم اتخاذ هذه القرارات من قبل الجهات المانحة، سواء أكانت حكومية أم هيئات خيرية؛ مثل مؤسسة غيتس.

مسؤولو منظمة الصحة العالمية خلال اجتماع طارئ بسبب تفشي فيروس كورونا- 24 فبراير 2020

ويسهم هذا النقص في الموارد في عديد من الأخطاء. ففي عام 2009، تم انتقاد منظمة الصحة العالمية لإعلانها عن الحالة الوبائية لإنفلونزا الخنازير (H1N1) في وقت مبكر جداً، ولفيروس لم يكن خبيثاً بما فيه الكفاية. وخلال تفشي فيروس إيبولا في غرب إفريقيا عام 2014، أدينت المنظمة بسبب تأخير إعلان حالة طوارئ صحية عامة.

اقرأ أيضاً: صحيفة “الجارديان”: الصين تحذف أبحاثاً منشورة تتعلق بمنشأ فيروس كورونا

والمفارقة في قطع تمويل ترامب هو أنه، حسب سجلها المشكوك فيه، كانت استجابة منظمة الصحة العالمية لتفشي وباء كورونا “جيدة إلى حد ما”، حسبما يقول كامرادت سكوت. ومن منطلق المساءلة، تقوم منظمة الصحة العالمية الآن ببث اجتماعات جمعية الصحة العالمية كل عام، لتعزيز الشفافية؛ لكن الافتقار إلى الانتقاد والثناء المفرط على استجابة الصين لأزمة (كوفيد-19)، على الرغم من المشكلات الواضحة بشأن أعداد المصابين والوفيات التي تم الإبلاغ عنها، أثارا الشكوك حول إمكانية التسييس.

وهناك بلا شك جهد لتجنب ثقافة الخصومة بين الدول الأعضاء في المنظمة البالغ عددها 194 دولة. وسعت المنظمة باستمرار إلى محاولة حث الدول واستنهاضها على فعل الشيء الصحيح بدلاً من التسمية والتشهير العلنيين. وكان الاستثناء الملحوظ في عامي 2003-2004 ، عندما انتقد العديد من مسؤولي منظمة الصحة العالمية الصين؛ لتهاونها في الاستجابة لتفشي مرض (سارس). وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية غرو هارلم برونتلاند، في ذلك الوقت: “كان من الأفضل بكثير لو كانت الحكومة الصينية أكثر انفتاحاً في المراحل الأولى”.

اقرأ أيضاً: جائحة فيروس كورونا ستغير النظام العالمي إلى الأبد

وبالطبع، في النهاية، ليس الأمر متروكاً لترامب في ما إذا كان سيستمر في تمويل منظمة الصحة العالمية. ولا يسمح للبيت الأبيض من الناحية الفنية بعرقلة تمويل المؤسسات الدولية الحاصلة على تفويض من الكونغرس، على الرغم من أن الإدارة قد وجدت طرقًا مبتكرة للتغلب على العقبات الدستورية من خلال تطبيق العقوبات أو تحويل الأموال بوسائل أخرى.

المصدر: مجلة تايم

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة