الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفةشؤون دولية
لماذا كانت نساء إسبرطة ثريات؟
كان الرجال يمضون أوقاتاً طويلةً جداً في ساحات المعارك، وقد قُتل الكثير منهم؛ مما أتاح للنساء المزيد من الأراضي الشاسعة التي أصبحت تحت ملكيتهن.

كيوبوست– ترجمات
يكتب كارل سيفر في “هيستوري ديفايند” عن نساء إسبرطة القويات والثريات، ويفتتح مقاله بما يُروى عن الأميرة غورجو، ابنة الملك كليومينيس الأول، ملك إسبرطة في القرن الخامس قبل الميلاد، بأن امرأة سألتها عن سر قوة وثروة النساء الإسبرطيات، فأجابتها غورجو: “لأننا الوحيدات اللاتي يلدن الرجال”.
ويقول الكاتب إن ثروة النساء الإسبرطيات ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالحرية الواسعة التي تمتَّعن بها في إسبرطة؛ إذ كانت إسبرطة مملكة مدينة قائمة على الحروب، حيث كان يتم تدريب الأولاد على القتال في المدارس، التي كانت في الواقع ثكنات عسكرية، ليصبحوا المحاربين الأكثر كفاءة في العالم اليوناني بأسره. وكان هؤلاء المحاربون يمضون معظم حياتهم في ثكنات عسكرية؛ مما أكسبهم سمعة مخيفة استمرت حتى يومنا هذا، بأنهم أشرس المحاربين في العالم. ويروي التاريخ أن 300 من هؤلاء المحاربين تمكنوا من إيقاف تقدم الجيش الفارسي إلى اليونان في عام 480 قبل الميلاد.
كان دور النساء الأساسي في إسبرطة هو تنشئة محاربين أشداء في المستقبل، ولذلك تم إعطاؤهن حرية أكبر بكثير من النساء في المدن- الدول اليونانية الأخرى. وكان يتوقع منهن ممارسة الرياضة والحفاظ على لياقتهن البدنية تماماً مثل الرجال. وعلاوة على ذلك، ولأن الرجال في إسبرطة كانوا يمضون معظم أوقاتهم في الخدمة العسكرية؛ بما في ذلك ملك المدينة- الدولة، فقد تم منح النساء الإسبرطيات دوراً رئيسياً في حكم مدينتهن.
اقرأ أيضاً: لماذا كانت عرّافة دلفي مهمة عند الإغريق القدماء؟
كانت ثروة النساء الإسبرطيات مبنية على هذا الهيكل المجتمعي؛ فقد سُمح لهن بامتلاك إقطاعيات واسعة من الأراضي والعبيد؛ من أجل إدارتها عندما يكون آباؤهن وأزواجهن وأولادهن في الخدمة العسكرية. وقد وصل هذا النمط الاجتماعي إلى ذروته في القرن الخامس قبل الميلاد إبان الحرب ضد أرغوس سنة 490 قبل الميلاد، والحرب ضد الفرس عام 480 قبل الميلاد. وأعقب هاتين الحربَين عدد من الحروب الصغيرة في منتصف القرن قبل اندلاع الحرب البيلوبنيسية مع أثينا عام 431 قبل الميلاد التي استمرت 27 عاماً.
كان الرجال في حينها يمضون أوقاتاً طويلةً جداً في ساحات المعارك، وقد قُتل الكثير منهم؛ مما أتاح للنساء المزيد من الأراضي الشاسعة التي أصبحت تحت ملكيتهن. أضف إلى ذلك أن إسبرطة أصبحت أكثر ثراءً؛ حيث ترأست تحالفاً ضخماً من دول المدن التي انضوت تحت لوائها.

وأسهمت بنية المجتمع الإسبرطي في تضخم ثروات النساء بطريقة أخرى؛ فقد كان عدد الإسبرطيين كاملي المواطنة لا يتجاوز ثلاثين ألف مواطن عندما كانت في أوج قوتها. وكان معظم سكان إسبرطة والمناطق المحيطة بها يعتبرون رعايا من الدرجة الثانية، وكان يُطلق عليهم تسمية “هيلتوس”؛ وهم من سلالة مَن تم استعبادهم في القرنَين السابع والسادس قبل الميلاد. وفي وجود هذه القاعدة الكبيرة من العمالة المجانية، لم يكن يتوجب على النساء الإسبرطيات الانخراط في أعمال المنزل كغيرهن من نساء اليونان.
اقرأ أيضاً: الجمال الإغريقي.. دليل شر لدى النساء وهدية الآلهة للرجال!
تفرغت النساء لإدارة هؤلاء الرعايا الذين كانوا بالفعل جزءاً من ممتلكاتهن وأسهموا في زيادة ثرواتهن. وقد لفتت ثروة ونفوذ الإسبرطيات أنظار اليونانيين جميعاً؛ فعلى سبيل المثال، اعتبر أرسطو، في القرن الرابع قبل الميلاد، أن القوة الاقتصادية للمرأة الإسبرطية كانت أحد الأسباب الرئيسية لتدهور إسبرطة. وأكد في كتابه “السياسة” أن ما يقرب من خُمسي مساحة الدولة كان مملوكاً للنساء؛ بسبب التركات الموروثة والمهور الكبيرة التي كنّ يتلقينها.
ولكن انتقادات أرسطو هذه ليس لها أساس على الإطلاق. ففي الواقع يرجع سبب تدهور إسبرطة إلى حروبها الكثيرة التي استنزفت رجالها على مر السنين. كانت لهذه الدولة- المدينة قاعدة سكانية أصغر بكثير من دول المدن الأخرى المحيطة بها؛ مثل أثينا أو كورينثيا. ومع تراجع عدد الرجال فيها نتيجة الحروب؛ كان من الطبيعي أن تتزايد ثروات النساء. وفي نهاية المطاف، أدى عدد سكانها القليل إلى جانب صعود مملكة مقدونيا في منتصف القرن الرابع قبل الميلاد، إلى تراجع إسبرطة وسقوطها كقوة عظمى في ذلك الوقت.
المصدر: هيستوري ديفايند