شؤون عربية
لماذا غابت مهرجانات الإخوان الصاخبة عن المشهد الأردني؟!
مراقبون أرجعوا الأمر إلى الانشقاقات والارتباطات الخارجية للجماعة

كيو بوست – مصطفى أبو عمشة
تعدّ المهرجانات الشعبية والتجمعات الحاشدة من الأساليب الأساسية التي تعتمد عليها جماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن بهدف الترويج لخطابها والتأثير في المجتمع وخلق الرأي العام المساند لها، لكنّ غيابًا كبيرًا لهذه الفعاليات التي كانت تنظمها الجماعة بات ملحوظًا في الآونة الأخيرة، خصوصًا الثلاث سنوات الأخيرة.
ويعود تاريخ هذه المهرجانات إلى عام 1990، وكان أبرزها مهرجان القدس الكبير أو ما يعرف بـ”مهرجان الانتفاضة الأول”، الذي أقيم في العاصمة الأردنية عمان، وشارك فيه فرق إنشادية ومنشدون بارزون كالمنشد “أبو محمود الترمذي”، وفرقة اليرموك، والمنشد “محمد أبو راتب”، وطلاب وطالبات مدارس دار الأرقم الإسلامية، إذ بدى على المهرجان الاحتفاء الكبير بانطلاق حركة “حماس” بعد أن تفجرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987.
اقرأ أيضًا: هل سيحسم الأردن علاقته بجماعة الإخوان أسوة بدول المنطقة؟
سلسلة المهرجانات الصاخبة المناصرة للانتفاضة وحركة حماس آنذاك، التي نظمتها الجماعة، كانت كمتوالية حسابية، واستمرت بنسخها المتكررة لمدة 7 سنوات، رغبة في ركوب الموجة؛ كعادة الجماعة في محاولة كسب ثقة الشارع واستمالته لصالحها على حساب القوى الوطنية الأخرى كالقومية واليسارية. وكان للجماعة في الأردن ما تمنت، حتى وصلت حمى هذه المهرجانات إلى دول في المنطقة كالكويت وقطر.
لم تقتصر المهرجانات الصاخبة على شعارات التأييد للقضية الفلسطينية، إذ تعدى ذلك في السنوات الماضية إلى الاحتفاء بربيع الثورات العربية، ووصول الإخوان للسلطة في مصر.
وحتى بعد فضّ اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس/آب 2013، نظم إخوان الأردن على الفور مهرجانًا جماهيريًا في العاصمة الأردنية لمساندة الجماعة الأم بمصر تحت شعار “ربيعنا يزدهر”، وقد رفع عناصر الإخوان خلاله شعار رابعة العدوية الشهير، مع أنغام أغنية جديدة افتتحت كلماتها بـ”صامدين نحنا يا ناس لتعود الشرعية”.
كما هتف المشاركون خلاله بشعارات مؤيدة لحركة حماس الفلسطينية، مقابل مهاجمة دول عربية بنبرة حادة، وكيل الاتهامات لها بمساندة الاحتلال الإسرائيلي ودعم تل أبيب في القضاء على المقاومة الفلسطينية.
اقرأ أيضًا: إلى أين يتجه المشروع “الجهادي” في الأردن بعد تراجعه في المنطقة؟
وعلى ما يبدو، فإنّ هذا المهرجان كان آخر مهرجان سياسي صاخب حشدت له الجماعة في الأردن، الأمر الذي يفتح سؤالاً مفاده: ما هو سر هذا التراجع والغياب؟ يجيب عن هذا التساؤل المحلل، المفكر السياسي، د. عبد الله أبو السمن، مؤكدًا بأنّ السبب الرئيس في تراجع المهرجانات والتجمعات “الإخوانية” في الأردن هو حالة الانشقاقات التي تحدث داخل الإطار الداخلي للتنظيم، مشيرًا إلى أنّ الجماعة انقسمت على نفسها لتتحول إلى 5 تكتلات مختلفة. إضافة إلى ذلك، فإنّ حالة الفساد المالي وفساد الكثير من قياداتها أدت إلى مثل هذه الحالة من الإرباك التي تعيشها الجماعة.

ويرى أبو السمن في تصريحات خاصة إلى موقع “كيو بوست”، بأنّ حالة التجاذبات بين التنظيمات الإخوانية المنقسمة وسعي كل منها إلى جذب الآخر لصالحه أدت إلى شعور بعدم الثقة والأمان بين عناصر وأفراد التنظيم، مشيرًا إلى أنّ كل تكتل بات يعمل لخدمة مصالحه وأغراضه الذاتية.
إضافة إلى ذلك، فإنّ الجماعة “الأم” -بحسب أبو السمن- تراجعت بقدراتها وتأثيرها المجتمعي والمؤسسات والمدارس والجمعيات التي كانت تحت تصرفها، وباتت حاليًا بيد تكتلات إخوانية أخرى مثل “جمعية جماعة الإخوان المسلمين”، وحزب المؤتمر الوطني الأردني المعروف بـ”زمزم”.
رؤية أبو السمن عززها العضو السابق بجماعة الإخوان الأردنية أحمد موسى الرواحنة، الذي يرى بأنّ الخلافات والانشقاقات الداخلية انعكست بشكل سلبي على الجماعة، وكان لها دور كبير في أفول نجم المهرجانات والتجمعات التي كان تعتمد عليها في الترويج لأيديولوجيتها وخطابها بين شرائح المجتمع.
اقرأ أيضًا: هل تعيد استقالة بني ارشيد ووفاة زعيم “الصقور” رسم مستقبل “إخوان الأردن”؟

ويشير الرواحنة في حديث مع موقع “كيو بوست” إلى أنّ سياسة استعراض العضلات من قبل الجماعة عبر تنظيم المهرجات الشعبية لم تعد تجدي نفعًا مع الشارع الأردني الذي سأم مثل هذا النوع من الأساليب في العمل السياسي، مؤكدًا بأنّ كثيرًا من قيادات ورموز الجماعة باتت تدرك أنّ هذه التجمعات عديمة الجدوى والفائدة؛ إذ لم يعد لها أي تأثير، كما كان الأمر عليه في الوقت السابق.
ويعتقد الرواحنة بأنّ ثقة الشارع الأردني باتت معدومة بالجماعة التي أصبحت تعمل لأجل مصالحها الفردية والضيقة، وهذا يعود إلى انشغالها بقضايا خارجية كالقضية الفلسطينية وما يحدث في سوريا والعراق ومصر، متناسية بشكل سافر القضايا الداخلية للأردن.
ويتساءل في حديثه قائلًا: “أين هو الاهتمام بالشأن الداخلي الأردني من جماعة الإخوان؟ ولماذا تقتصر على القضايا الخارجية وتتغافل عما يدور ويحدث في الداخل الأردني؟”.
علاقات الجماعة الخارجية
علاقات إخوان الأردن الخارجية كانت موضع شك وريبة من قبل الكثيرين، خصوصًا ارتباطها بجماعة “الإخوان” بمصر وبحركة “حماس” وبالمكونات والتيارات المحسوبة على “الإخوان” في الخليج وتونس وليبيا، إذ أسهمت بشكل فاعل في تراجع التجمعات والمهرجانات الشعبية التي تنظمها الجماعة في الأردن، الأمر الذي وضع الجماعة في دائرة الاستفهام حول طبيعة مثل هذه الارتباطات الخارجية، كما رفع من دائرة الضغوطات عليها من طرف السلطات الأردنية لتحجيم دورها الداخلي والخارجي.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد؛ بل إن ارتباطات التنظيم الإخواني في الجانب الإيراني، وإعلانه تنظيمًا إرهابيًا غير مرغوب به من المحور السعودي-المصري-الإماراتي، أدى إلى أن تتخذ الحكومة الأردنية هي الأخرى إجراءات مشددة تجاهها، بالرغم من رفضها في الوقت نفسه تصنيفها على أنّها “إرهابية” أسوة بالمحور الثلاثي.
اقرأ أيضًا: مستقبل الإخوان المسلمين في الأردن بعد موجة العمليات الإرهابية الأخيرة
وبهذا الخصوص، يؤكد المحلل، المفكر السياسي، عبد الله أبو السمن، على أنّ الدور السياسي الذي كان يلعبه إخوان الأردن في ضرب التيارات والقوى الوطنية الأخرى تراجع بشكل كبير، مشيرًا إلى أنّ الحكومة الأردنية كانت قد استخدمت الجماعة كورقة لضرب هذه التيارات، لكن سرعان ما تراجع هذا الدور بفعل عوامل عديدة أهمها رغبة الحكومة في إنعاش علاقاتها مع هذه القوى، وكذلك المتغيرات الإقليمية والدولية في المنطقة التي أدت إلى تغير الموقف من الإخوان، على رأسها الموقف السعودي المصري الإماراتي، إضافة إلى أحداث الربيع العربي التي كشفت حقيقة الدور الإخواني وخططه الرامية للسيطرة على الحكم بالمنطقة.
وهذا ما يؤكد عليه العضو السابق بجماعة الإخوان أحمد الرواحنة، إذ إن انشغال الجماعة بالقضايا الخارجية جاء على حساب القضايا المحلية، الأمر الذي أدى إلى نفور شعبي كبير من الأيديولوجيا التي تمارسها الجماعة في المنطقة، وانكشاف المطامع التي تسعى من خلالها إلى السيطرة على الحكم، وهذا ما أفقدها الحاضنة الشعبية التي كانت تعتمد عليها في مهرجاناتها وأنشطتها، مشددًا على أنّ هذا الأمر أدركه كثير من قيادات الجماعة وعناصرها متأخرًا، إذ فضلوا ترك الجماعة أو إيجاد كيانات جديدة لتصحيح المسار الذي تسلكه الجماعة.