الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربية

لماذا على دول العالم إعادة النظر في كيفية استخدام المياه لدعم الاستقرار؟

كيوبوست- منير بن وبر

تشير التقديرات إلى تناقص المياه العذبة عالمياً بنسبة 40٪ بالنسبة إلى الطلب المتوقع على المياه والمتاح منها، وذلك بحلول عام 2030. ووفقاً للبنك الدولي، يُنظر إلى شح المياه والظواهر المناخية كأحد أخطر التهديدات للرخاء والاستقرار العالمي.

لن يتسبب شح المياه في عطش ملايين البشر حول العالم فحسب؛ بل في تقليل المساحات الزراعية ونقص الغذاء أيضاً، مما يعني تعرض العديد من الشعوب إلى حالة قاسية من فقر المياه وانعدام الأمن الغذائي معاً. في بعض البلدان، يمكن أن يمتد تأثير شح المياه إلى قطاع الطاقة والإضرار بالبيئة؛ إذ يمكن أن يؤدي تناقص المياه إلى انقطاع التيار الكهربائي، حيث تتطلب السدود الكهرومائية إمداداً ثابتاً بالمياه لتعمل بشكل صحيح، علاوة على ذلك، يمكن أن يتسبب جفاف الأنهار والبحيرات في تفاقم آثار تغير المناخ.

اقرأ أيضاً: نقص المياه وقود الحروب القادمة!

يمكن أن تكون آثار ندرة المياه بعيدة المدى وذات عواقب وخيمة؛ قد يشمل بعضها تنافس الناس على الموارد المحدودة، وموجات هجرة ونزوح تضغط على الموارد الأخرى والبنية التحتية في المجتمعات المضيفة. في بعض الحالات، كانت ندرة المياه عاملاً في الحروب الأهلية والصراعات الدولية؛ لذلك فعلاجها قبل فوات الأوان ضرورة، من خلال إيجاد طرق لزيادة إمدادات المياه في العالم وتحسين الوصول إلى المياه النظيفة لجميع الناس. في هذا الصدد، كما هي الحال مع العديد من مصاعب عالمنا الحديث، يمكن للتكنولوجيا والإدارة المتكاملة والذكية للموارد المائية أن تنقذ ملايين البشر حول العالم.

اليمن والخليج نموذجاً

يُعد اليمن واحداً من أكثر دول العالم التي تعاني ندرة المياه. كما لا تمتلك المناطق الحارة والجافة في دول الخليج العربي العديد من الخيارات للحصول على المياه الوفيرة؛ هذا ما يبرر وجود أكبر محطات لتحلية المياه بالعالم في السعودية والإمارات. لكن، مع شح الإمكانات والموارد في اليمن، فإن آمال الحصول على قطرة ماء نظيفة لأكبر عدد من الناس تتبدد بمرور الوقت واستمرار النزاع. 

يعاني اليمن عمليات سحب للمياه من الآبار تتجاوز التغذية المتجددة سنوياً؛ ففي بعض المناطق، مثل المرتفعات الوسطى، يمكن أن يفوق معدل سحب المياه معدل التغذية السنوية بأربع مرات. ولقد تم تسجيل عام 2022 بالفعل باعتباره ثالث أكثر الأعوام جفافاً في اليمن خلال الأعوام الأربعين الماضية بعد كل من عامَي 2014 و2000. 

يمنيون يجمعون المياه من بئر- AFP

علاوة على ذلك، يفتقر اليمن أساساً إلى بنية تحتية فعَّالة لجمع مياه الأمطار، والتي تعد حيوية لإعادة تغذية المياه الجوفية. لكن، بشكل مؤسف، وفي كل عام، تذهب كميات ضخمة من مياه الأمطار هباءً إلى البحر.

تتعرض دول الخليج العربي إلى ضغوط كبيرة على مواردها المائية نتيجة الطبيعة القاحلة، والنمو السكاني، وتنامي الصناعة والزراعة، ناهيك بتأثير ارتفاع درجات الحرارة وقلة هطول الأمطار، وارتفاع معدلات تسرب وتبخر الموارد المائية. ولمواجهة تلك المشكلة المتفاقمة، وإبقائها ضمن الحدود المعقولة، تعمل دول الخليج العربي على معالجة أزمة ندرة المياه من خلال مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات؛ مثل الاستثمار في محطات تحلية المياه، وتبني ممارسات ري أفضل، والتشجيع على كفاءة استخدام المياه.

سياسات وتكنولوجيا مساعدة

يشير تقرير صادر عن البنك الدولي، إلى أن تغير المناخ يجعل أنماط هطول الأمطار محفوفة بمخاطر عدم اليقين؛ مما يستوجب على البلدان والمجتمعات المحلية، في كل مكان، حُسن استخدامها للمياه وإدارتها. ووفقاً للتقرير، فإن تخزين المياه “أداة متزايدة الأهمية للتكيف مع تغير المناخ” والتحديات الأخرى ذات الصلة بالمياه.

اقرأ أيضاً: ليس هنالك من أزمة وجودية تضاهي أزمة تغيرات المناخ

يتم تخزين المياه العذبة بطرق متنوعة؛ منها ما هو طبيعي كما هي الحال في الجليد والبحيرات والمياه الجوفية مثلاً، أو من خلال المنشآت من صنع الإنسان؛ مثل السدود والصهاريج. وفقاً للبنك الدولي، فإن تبني المزيد من طرق خزن المياه والجمع بين منافعها سيكون له تأثير كبير على توافر المياه وتسريع إعادة تغذية المخزون الطبيعي. إضافة إلى ذلك، يمكن الاستفادة من طرائق الخزن -كالسدود- في توليد الطاقة الكهرومائية.

من جانب آخر، يعد تطوير أنظمة ري أكثر كفاءة من بين أهم المساهمات التكنولوجية في تقليل استنزاف الموارد المائية؛ حيث تسمح هذه الأنظمة للمزارعين باستخدام كميات أقل من المياه لري محاصيلهم، مما يقلل بدوره من الطلب الإجمالي على المياه. 

محطة لتحلية مياه البحر في دبي.. الإمارات العربية- Time

يُعد تطوير محطات تحلية المياه مساهمة تكنولوجية أخرى أيضاً. وعلى الرغم من أن هذه التقنية قد تكون مكلفة، وربما حتى مضرة بالبيئة؛ فإنها تتطور بمرور الوقت وتصبح أكثر كفاءة وأقل ضرراً.

لا غنى عن تكاتف الجميع

بحلول عام 2050، وفقاً لبعض التقارير، فإن ما يعادل خمسة مليارات شخص؛ أي نحو ثلث سكان العام، سيواجهون نقصاً في المياه. تدفع تلك التقديرات المخيفة العالم إلى التفكير في أهمية التعاون والتضامن من أجل إنقاذ مستقبل البشرية. لا شك في أن الجهود المحلية والوطنية حاسمة في الحد من الآثار الكارثية لشح المياه، إلا أنه لا غنى عن الجهد العالمي لإحداث فرق حقيقي. 

يُعد التثقيف بشأن أفضل الممارسات لاستخدام وإدارة المياه أحد أهم جوانب الجهد العالمي الممكن، إضافة إلى تشجيع الابتكار والاستثمار من أجل إيجاد حلول تكنولوجية واستراتيجيات مبدعة للمساهمة في حسن استغلال وتجديد الموارد المائية، وجعل تلك الأدوات ميسورة التكلفة وفي متناول جميع الدول المتأثرة؛ خصوصاً الضعيفة منها.

يمكن للتقنيات أن تسهم بفعالية في إنقاذ العديد من المجتمعات الفقيرة؛ ففي اليمن، على سبيل المثال، تسهم أنظمة الطاقة الشمسية لسحب وضخ المياه، وشبكات الري بالتقطير، وبناء الخزانات، في إعادة الحياة إلى المزارع بتكلفة ميسورة، وتوفير مياه شرب نظيفة، وتشجيع الأسر على إلحاق أبنائهم بالمدارس بدلاً عن العمل الشاق في جلب المياه واستنفاد الوقت في طرق الري التقليدية. لن يكون تحقيق المزيد من مثل تلك الإنجازات ممكناً إلا من خلال المزيد من الدعم السخي وفرض المزيد من الاستقرار والتخطيط السليم، قبل أن تؤدي أزمات المياه إلى عواقب أشد وطأة.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

منير بن وبر

باحث في العلاقات الدولية وشؤون اليمن والخليج

مقالات ذات صلة